الرئيسة \  تقارير  \  تركيا والأكراد : إلى أين ستقود المواجهة في شمال سوريا وماذا تعني لمستقبل اردوغان والامن التركي

تركيا والأكراد : إلى أين ستقود المواجهة في شمال سوريا وماذا تعني لمستقبل اردوغان والامن التركي

28.11.2022
إبراهيم درويش

تركيا والأكراد : إلى أين ستقود المواجهة في شمال سوريا وماذا تعني لمستقبل اردوغان والامن التركي
إبراهيم درويش
القدس العربي
الاحد 27/11/2022
تركيا اليوم تواجه أزمة مصدرها أكراد سوريا، وبالتحديد جماعات حماية الشعب الكردي (اختصارا واي بي جي) المرتبطة ولاء وعقيدة مع حزب العمال الكردستاني “بي كا كا” وكلاهما محظور في تركيا، أما حزب العمال فمصنف كجماعة إرهابية في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. ودخلت تركيا سوريا متأخرة بعدما شعرت أن الولايات المتحدة نقضت وعودها ولم تستطع مواجهة اللوبيات العاملة في واشنطن التي تبنت الموضوع الكردي. وعند وصول إدارة جو بايدن إلى البيت الأبيض كتب معلقون أمريكيون أن رجب طيب اردوغان وحكومته لا أصدقاء لهم في إدارته وتحديدا بمجلس الأمن القومي، حيث تولى منصب منسق شؤون الشرق الأوسط بريت ماكغيرك، وهو الرجل الذي عمل مبعوثا لسوريا أثناء إدارة دونالد ترامب ولم تكن أنقرة راضية عنه.
والآن ومع تصعيد الأكراد الأعمال ضد الدولة التركية، وخاصة تفجير شارع الإستقلال في حي تقسيم، 13 تشرين الثاني/نوفمبر الذي قتل فيه ستة أشخاص والرد التركي بعمليات قصف جوي مكثف بالمقاتلات والمسيرات المقاتلة ورد الأكراد بقصف البلدات الكردية المحاذية لشمال- شرق سوريا، تجد تركيا اردوغان نفسها أمام تحد جديد يتعلق بالأمن القومي.
فقد حاول الجيش التركي وبعد عام 2016 منع نشوء أي كيان معاد للبلاد على الحدود الجنوبية ولهذا دخلت تركيا سوريا في ثلاث عمليات وسعت فيها المناطق الآمنة وقطعت محاولات الأكراد توحيد المناطق التي يعتبرون فيها الغالبية. ومنذ الصيف يهدد اردوغان بعملية عسكرية، بعضهم يرى أنها محاولة لحشد الدعم الوطني وراءه تحضيرا لانتخابات مصيرية في حزيران/يونيو العام المقبل. فقد بات موضوع اللاجئين السوريين حساسا في النقاش السياسي التركي واستخدمته المعارضة للتأثير على حظوظ اردوغان وانتخابه مرة أخرى. إضافة للأزمات الاقتصادية والتضخم وتراجع قيمة العملة التركية.
عملية مصغرة
وفي القمة التي شارك فيها اردوغان إلى جانب الرئيسين فلاديمير بوتين وإبراهيم رئيسي حاول إقناع الطرفين دعم عمليته والحصول على الضوء الأخضر، بدون جدوى. وربما كانت عملية اسطنبول وقتل المدنيين فيها إلى جانب القصف الصاروخي على بلدات في محافظة غازي عنتاب مبررا كافيا لعملية جديدة. وأورد موقع “ميدل إيست آي” (25/11/2022) تقريرا قال فيه إن تركيا وروسيا تتفاوضان حول عملية عسكرية على قاعدة محدودة في شمال سوريا بهدف التخلص من الميليشيات الكردية وإخراجها من غرب نهر الفرات.
ونقل الموقع عن مصدرين مطلعين قولهما إن العملية قد تنفذ في غضون الأسابيع المقبلة. وأخبر وزير الدفاع التركي خلوصي أكار نظيره الروسي سيرغي شويغو بمكالمة هاتفية يوم الخميس أن أنقرة ستواصل الرد على الهجمات التي تستهدف المدنيين في تركيا. وجاء في البيان التركي عن المكالمة “لقد أشرنا إلى أن منع التهديد الإرهابي والممر وبشكل دائم وتصفية المنظمات الإرهابية هي أولويتنا القصوى”. وذكر البيان بأهمية الالتزام بالاتفاقيات الموقعة سابقا بشأن الموضوع. ووقعت أنقرة اتفاقية مع موسكو في عام 2019 التزمت فيه روسيا بسحب قوات حماية الشعب من منطقة حدودية عمقها 30 كيلومترا. وأقام الجيش الروسي قواعد عسكرية في مناطق تسيطر عليها ميليشيات “واي بي جي” لكن الوعد الروسي لم ينفذ بعد. والتقى المسؤولون الأتراك والروس على هامش اجتماعات المعارضة السورية في أستانة بقازخستان. وبعد اللقاء قال المسؤولون الروس إنهم حاولوا إقناع تركيا بعدم شن عملية عسكرية، إلا أن المراقبين لاحظوا أن التصريحات الروسية لم تكن قوية في رفضها. وفي حزيران/يونيو هدد اردوغان بعملية عسكرية في تل رفعت ومنبج، في محافظة إدلب والتي تم إبطاؤها بسبب الوساطة الروسية بين أنقرة ودمشق. وقالت مصادر عليمة إن تل رفعت ربما كانت ضمن قائمة أهداف العملية المقبلة. ولو مضت فستكون الرابعة للجيش التركي منذ عام 2016. وستشن بهدف معلن وهو حماية تركيا من تنظيم الدولة الإسلامية والجماعات الكردية الموالية لحزب العمال الكردستاني في شمال- شرق سوريا، إضافة للمساعدة في عملية توطين اللاجئين السوريين.
عملية رابعة
وفي العمليات الأولى، درع الفرات 2016- 2017 وغصن الزيتون 2018 وربيع السلام 2019 سيطرت القوات التركية على مناطق من “واي بي جي”. وتعتبر تل رفعت مهمة لموقعها الإستراتيجي بين القوات التركية وقوات الحكومة السورية، وأصبحت مصدر إحباط لأنقرة نظرا للهجمات المستمرة التي نفذتها ميليشيات “واي بي جي”. وأشار مصدر عسكري أن الميليشيا الكردية نفذت 100 هجوم على المناطق التي يسيطر عليها المسلحون المعارضون لنظام بشار الأسد والقواعد العسكرية التركية، واستخدمت فيها المقذوفات الصاروخية والصواريخ المضادة للدبابات والقصف المدفعي وراجمات الصواريخ. وأضاف المصدر ان مسلحي “واي بي جي” سيطروا على قاعدة منغ التي سيطروا عليها عام 2016 بمساعدة من الروس. وهي موقع استراتيجي يمكنهم منها ضرب مدينة كلس في جنوب تركيا. وتزعم تركيا أنه ومنذ سيطرة الأكراد على تل رفعت تم تهجير أكثر من 250.000 عربي إلى أعزاز الواقعة تحت سيطرة القوات التركية. ولم يعرف بعد الرد الإيراني على العملية العسكرية المحتملة، نظرا لوجود قوات من الحرس الثوري والميليشيات الموالية لها في منطقة تل رفعت وتدعم القوات السورية.
تصارع المصالح
ويعيد التوتر الجديد التركيز على سوريا باعتبارها حربا لم تننته، فبعد عام تقريبا على الغزو الروسي لأوكرانيا، تم حرف الانتباه عن التطورات في البلد الذي يشهد حربا طاحنة لم يعد للاعبين الأصليين فيها دور مهم، فقد هزمت قوات المعارضة التي طالبت بالإصلاح. وباتت سوريا ساحة للصراعات الجيوسياسية الإقليمية والدولية. فمن جهة لم تتوقف إسرائيل عن هجماتها ضد ما تزعم أنها أهداف إيرانية أو قوافل عسكرية في طريقها إلى حزب الله اللبناني. ولم تعد الغارات الإسرائيلية منحصرة في المناطق المحيطة بدمشق بل وتوسعت لتشمل مدن الساحل السوري مثل اللاذقية التي ابتعدت عن الحرب الأهلية، وبل ووصلت الغارات الإسرائيلية إلى الحدود العراقية واستهدفت ميليشيات موالية لإيران. ورأت صحيفة “الغارديان” (22/11/2022) أن المصالح الإقليمية هي التي تحرك النزاع السوري الحالي وزادت من رهاناته. ولم تعد المعارضة والقوات السورية تخوض حروبها في شوارع البلدات والمدن، فالحرب الحالية تشن من الجو، وتشترك فيها مقاتلات ومسيرات دول ثلاث: إسرائيل، وروسيا وتركيا حيث تشن غارات بين البحر المتوسط غربا والصحراء السورية شرقا. وهي الغارات الأوسع التي تشهدها سوريا منذ ثلاثة أعوام، بشكل يؤكد أن النزاع الذي مضى عليه أكثر من عقد لا يزال طاحنا وبقابلية للتصعيد، في الجبهات الثلاث، على الأقل. ففي السبت الماضي ضربت مقاتلات إسرائيلية عددا من المواقع على الساحل السوري ومناطق الوسط. وسمعت أصوات انفجارات ضخمة في اللاذقية مدن حماة وحمص أيضا، وهي المدن التي أنشأ فيها النظام معاقل قوية إلى جانب القوات الروسية والإيرانية أثناء الحرب الأهلية الطاحنة. ثم جاءت الغارات التركية يوم الأحد، واستهدفت مناطق الأكراد في شمال- شرق سوريا. وفي نهاية يوم الأحد، قامت المقاتلات الروسية المتبقية في سوريا بشن غارات على المناطق الريفية في إدلب، قرب الحدود التركية وضربت مواقع مدنية قرب مخيمي لاجئين. وباتت تركيا ترى في المناطق التي يسيطر عليها الأكراد كحاضنة للإرهاب الذي يصدرونه للعمق التركي، وبعد أكثر من أربعة عقود في صراع مع حزب العمال الكردستاني الذي تم دحره في السنوات الأخيرة للجبال في مناطق كردستان العراق. ورغم حالة النسيان للنزاع السوري إلا أن عودة اللاعبين الثلاثة ومن الجو يعني أن المصالح الإقليمية لكل طرف باتت على المحك. وحسب لينا الخطيب، من تشاتام هاوس في لندن “أصبح النزاع في سوريا نزاعا منسيا” مضيفة أن “الغارات المستمرة من تركيا وروسيا وإسرائيل تظهر أن المصالح الإقليمية لا تزال على المحك. وتحاول كل دولة استهداف أعدائها لمنعهم من تقوية تأثيرهم في سوريا”.
الموقف الأمريكي
وهناك غائب عن الساحة السورية ولكنه حاضر بقواته العسكرية، وهي الولايات المتحدة التي لم تول الملف السوري أي عناية ولم يعد أولوية لإدارة بايدن التي واصلت سياسات الإدارة السابقة، من التركيز على حماية حلفائها الأكراد والحفاظ على قواتها العسكرية بأعدادها التي كانت في ظل إدارة دونالد ترامب، وفي الأزمة الأخيرة اكتفت واشنطن بتحذير أنقرة من المساس بأرصدتها وجنودها في شمال- شرق سوريا. إلا أن المعلق ديفيد إغناطيوس كتب في صحيفة “واشنطن بوست” (23/11/2022) حذر فيه تركيا من “اللعب بالنار في شمال سوريا” وقال فيه إن “هوس تركيا حول الإرهاب الكردي المزعوم وصل إلى نقطة خطيرة هذا الأسبوع، حيث قامت المقاتلات التركية بقصف أهداف في شمال سوريا قريبة وبشكل خطير من القوات الأمريكية التي تحرس ضد ظهور تنظيم الدولة الإسلامية”. ولم يجد إغناطيوس مصدرا لكي يشرح له مخاطر حالة التشنج من الانتقام التركي سوى قائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم كوباني عبدي الذي لوح بورقة الإرهاب النابع من تنظيم الدولة. وقال إنه وبعد ثلاثة أيام من القصف المتواصل فقدت قوات سوريا الديمقراطية قدرتها على حراسة السجون ومعسكرات اللاجئين التي تحتجز فيها عائلات تنظيم الدولة. وقال العقيد جوزيغ بوتشينو، المتحدث باسم القيادة المركزية: “لقد عرضت هذه الغارات عملية تنظيم الدولة للخطر” وقال إن واحدة من الغارات ضربت على بعد 130 مترا من القوات الأمريكية، ما يعني أنها في خطر. وزعم مظلوم أن غارة جوية تركية ضربت موقعا أمنيا قرب مخيم الهول، أكبر مخيمات اللاجئين لعائلات تنظيم الدولة. وأضاف أن قوات سوريا الديمقراطية تتعرض للخطر حيث تقوم بإدارة 28 سجنا يضم حوالي 12.000 من مقاتلي التنظيم. وبعد الهجوم على سجن الحسكة في بداية العام فر حوالي 3.000 سجين ولم تتم السيطرة عليه إلا بعد أسبوع. وتبنى إغناطيوس كلام مظلوم الذي تتهمه تركيا بالوقوف وراء هجوم اسطنبول، حيث نفى علاقته بالهجوم وعبر عن “تعاطفه مع الضحايا. وقال إن علاقة الميليشيا بي كا كا هي مجرد “ذريعة” وتتعاون مع القوات الأمريكية منذ ثماني سنوات. ويعلق إغناطيوس “شمال سوريا هو قنبلة يبدو أن تركيا بعملها المتهور مصممة على تفجيرها”. وحذر الجنرال مارك ميلي، رئيس هيئة الأركان المشتركة في اتصال مع نظيره التركي من ضرب المناطق المحظورة حول المواقع الأمريكية، مع أن البنتاغون يرى أنه لا توجد إشارات عن خفض التوتر من تركيا. وتساءل الكاتب في نهاية مقاله إن الحملة التركية التي تدمر الاستقرار تجعل الواحد يتساءل عن الحليف التركي.
دور دبلوماسي أمريكي؟
وعلى العموم فتعاطف إغناطيوس مع الأكراد قائم على فكرة أنهم خسروا 12.000 من مقاتليهم في الحرب ضد تنظيم الدولة، وأنهم مهمون لعدم عودته. ولكنه لم يتحدث عن غياب الاهتمام الأمريكي بالملف السوري، وبنى انطباعاته عن النزاع هناك على زيارات خاطفة للمنطقة بدون الأخذ بعين الاعتبار مواقف الأطراف الأخرى.
وفي مقال نشره جيمس جيفري، المبعوث الأمريكي السابق لسوريا بمجلة “فورين أفيرز” (13/11/2022) حث فيه إدارة بايدن للعودة والتعامل مع الملف السوري، وأكد فيه على ان الطرف الأهم للحل الدبلوماسي هو روسيا لأن الحوار مع الأسد ليس ناجعا، فموسكو وإن لم تملك التأثير الكامل على النظام السوري إلا أنها تستطيع الضغط على الأطراف الأخرى، نظام دمشق وتركيا وإسرائيل. ولكن موسكو لن تتعاون مع واشنطن بدون مقابل، مثل الضغط باتجاه سحب القوات الأخرى من سوريا والتعاون في مجال الإرهاب. ولا بد من تعامل إدارة بايدن مع الملف السوري من خلال استراتيجية خطوة- خطوة وضمن جهود الأمم المتحدة. ويعتقد أن أمل روسيا بانتصار كامل للأسد لم يعد قائما. وفي الماضي عرفت الولايات المتحدة وأوروبا والحلفاء العرب كيف تضغط على روسيا في سوريا، من خلال فرض العقوبات على النظام ودعم العمليات الإسرائيلية والتدخلات التركية وإجبار النظام على تدمير ترسانته الكيميائية. ويرى جيفري أن استراتيجية بايدن من إيران تركز على الملف النووي وليس نشاطات إيران بالمنطقة، وفي أي عملية دبلوماسية يمكن التركيز على أهمية التخلص من الأسلحة المتقدمة، لأن خروج إيران من سوريا ليس واقعيا. والفرصة سانحة أمام حل دبلوماسي لأن خيارات روسيا باتت محدودة في سوريا.
بانتظار نهاية اردوغان
والمشكلة في الموقف الأمريكي والأوروبي أنه متأثر بالمواقف من الرئيس اردوغان وسياساته التي تحاول ممارسة الحياد في المسألة الأوكرانية، وموقفه من توسيع الناتو وقضايا أخرى. ورغم ترتيب ملفات السياسة الخارجية التركية وحل الخلافات مع السعودية والإمارات وربما مصر، بعد المصافحة بين اردوغان والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في قطر أثناء افتتاح مونديال 2022 ولا تنسى ترتيب العلاقات مع إسرائيل من جديد، إلأ أن هناك مدرسة في واشنطن تنتظر خروج اردوغان من المشهد وخسارته في العام المقبل بسبب الظروف الاقتصادية وتراجع شعبية حزبه العدالة والتنمية، ولهذا تتردد واشنطن بتقديم أي دعم لاردوغان يمكن أن يقوي وضعه. وعبر عن هذا الموقف تقرير لمراسل مجلة “إبكونوميست”(18/11/2022) قال فيه إن دولة كمال أتاتورك الحديثة التي تم تجميعها من بقايا الإمبراطورية العثمانية ستحتفل بعيد ميلادها المئة في عام 2023 متوقعا أن الأجواء لن تكون احتفالية. ففي عام 2010 تعهد الرئيس اردوغان، بزيادة الناتج المحلي الإجمالي إلى 2 تريليون دولار وجعل الاقتصاد واحدا من أكبر عشرة بلدان في العالم بحلول عام 2023. ولكن بسبب الاقتصاد الذي يعاني من تضخم بنسبة 80 في المئة وضعف العملة، وكلاهما نتيجة لسياسات اردوغان، فإن البلاد عالقة في المركز التاسع عشر. وقالت المجلة إنه النعي السياسي للرئيس كتب من قبل، لكن حتى الحلفاء يعترفون بأن هذه الانتخابات ستكون أصعب انتخابات له. وختمت بالقول إن عهد اردوغان قد يكون قد انتهى مع احتفالات تشرين الأول/أكتوبر 2023. وفي الوقت الحالي تظل المسألة الكردية هي الشغل الشاغل لدول المنطقة، فليس غريبا أن يتعرض الأكراد لضربات وفي وقت واحد من إيران وتركيا.