الرئيسة \  واحة اللقاء  \  تركيا والامتحان الصعب

تركيا والامتحان الصعب

11.12.2019
آلان حسن


القدس العربي
الثلاثاء 10/12/2019
يقول الشاعر التركي ناظم حكمت: "إذا كنت تؤمن بالوطن.. بالعالم.. وبالإنسان.. فسيقودون خطاك إلى المشنقة أو سيلقون بك في الزنازين.. ستبقى هناك عشر سنين أو ربع قرن.. ولكن مهما يكن الأمر عليك أن لا تفكر حتى ولو للحظة أنّهم لو علّقوك كالعلم على العامود لكان ذلك أفضل" ويبدو أن حكومة بلاده تطبق هذه المقولة بدقة بحق الكُرد، وخصوصاً السوريين منهم.
تقف تركيا اليوم أمام امتحان صعب في تحالفاتها المعقدة، فحكومة حزب العدالة والتنمية، وبعد أنْ كان منظّرها الأبرز، أحمد داوود أوغلو، يبشّر بسياسة صفر مشاكل، أصبحت الآن في مرحلة صفر علاقات.
الدولة التي كانت تخطط لشرق أوسط جديد بريادة تركيّة، وأقامت علاقات استراتيجية مع جل الدول العربيّة والإسلاميّة، باتت اليوم خصماً للدول النافذة في المنطقة، وعدواً للبعض الآخر، وما تصويت غالبية الدول في الجامعة العربية ضد العملية العسكرية في شمال سوريا إلا ترجمة فعلية للعزلة التركية في المنطقة.
الانتخابات البلدية
 
بالإضافة إلى الأزمة التي يعيشها في الداخل التركي أولاً، والداخل الحزبي في المقام الثاني، فالحزب العلماني ذو اللبوس الديني خسر أبرز مدينتين في الانتخابات البلدية التركية الأخيرة، هما أنقرة وأسطنبول، وبات منافسه حزب الشعب الجمهوري (الأتاتوركي) يستقطب ملايين الأتراك ما يهدد عرش "العدالة والتنمية" بالإضافة إلى أن أبرز رجالاته السابقين باتوا الآن ينتقدون علناً سياسات رئيسهم السابق اردوغان، بل والبعض منهم ينوي تشكيل حزب سياسي من المتوقع أن يقضم جزءاً لا بأس به من جمهور "العدالة والتنمية" بالإضافة إلى الأزمة الاقتصادية التي وقعت بها تركيا نتيجة الفساد المالي ، وكذلك بسبب العقوبات الأمريكية التي رافقت توتر العلاقة بين واشنطن وأنقرة نتيجة اعتقال تركيا للقس الأمريكي برونسون.
كانت تركيا اردوغان على علاقة استراتيجية مع سوريا حتى بداية الحرب السورية ربيع العام 2011، حيث تحولت إلى الداعم الأبرز للمعارضين السوريين، وخصوصاً الإخوان المسلمين منهم، خصوصاً أنها ترافقت مع صعود "الإخوان" في مصر وتونس وبدرجة أقل ليبيا والمغرب والأردن
المشروع ذاك تعرض لانتكاسات قاتلة في تلك الدول، وخصوصاً في مصر التي أودعت قياداتهم في السجون والمعتقلات، ترافق ذلك مع انتصارات الكُرد في شمال وشرق سوريا، الأمر الذي دق ناقوس الخطر التركي، وجعلها تشن عملية عسكرية عام 2016 وسيطرت على كل من الباب وجرابلس وإعزاز، قاطعة الطريق أمام أي حلم كُردي لإقامة كيان ممتد إلى البحر المتوسط، وأتبعتها بعملية أخرى أوائل العام 2018 وسيطرت بموجبها على مدينة عفرين ثالثة أثافي المشروع الفيدرالي الكُردي.
 
نبع السلام
 
كلتا العمليتين لم تنهيا طموح تركيا بالقضاء على مشروع الإدارة الذاتية القائم منذ عام 2014، على اعتبار أنه لا زال قائماً في كامل منطقة شرق الفرات ذات الثقل الاقتصادي الهائل، حيث خزان سوريا النفطي والغازي والمائي والزراعي، ولم تفلح محاولاتها العديدة مع الولايات المتحدة لإنهاء هذا المشروع، الأمر الذي جعلها تطلق عمليتها الأخيرة المسماة "نبع السلام" بهدف إنشاء منطقة آمنة تعيد إليها ملايين اللاجئين السوريين بهدف إحداث تغيير ديمغرافي في المناطق ذات الغالبية الكُردية.
العملية العسكرية حققت في مرحلتها الأولى سيطرة على المنطقة الممتدة بين مدينتي رأس العين وتل أبيض وبعمق 32 كم، ويهدف الرئيس التركي أن يستكمل العملية بإقامة المنطقة الآمنة على الشريط الحدودي بين سوريا وتركيا، والذي يتجاوز طوله 450 كم.
الاتفاق الأخير في سوتشي بين روسيا وتركيا أعلن في ثناياه انتصاراً للحكومة السورية، فهو يشير إلى تطبيق اتفاقية أضنة التي وقعت بين أنقرة ودمشق عام 1998 عقب الأزمة الدبلوماسية الخطيرة آنذاك بسبب إيواء الحكومة السورية لزعيم حزب العمال الكُردستاني عبدالله أوجلان، وانتهت القضية حينئذ بترحيل أوجلان إلى اليونان إلى أن اعتقلته المخابرات ويقضي مذ ذاك عقوبة السجن المؤبد في سجن في جزيرة إيمرالي في بحر مرمرة.
كل المتغيرات تلك جعلت تركيا تقوم باستدارة في سياستها لتتكيف مع التغيرات الحاصلة، كانت من نتائجها تلاقي مع الحكومة السورية – ولو على مضض- من ناحية التعامل مع الشريط الحدودي الفاصل بينهما، وتفاهمات أخرى رعتها روسيا، وأفضت إلى اتفاقات متعلقة بالتعاون المشترك في حال تعرضت سوريا لخطر التقسيم، وهذا ما قد يشكل أرضية قوية لعودة تدريجية لعلاقات الحليفين السابقين، بنفس آخر، وهواجس أخرى.
يريد الكُرد أن يتخلصوا من عقود اتسمت بإنكار وجودهم كشعب يعيش على أرضه التاريخية، ففي سوريا ينظر إليهم على أنهم ضيوف قدموا من تركيا، والآلاف منهم ظلوا لعقود محرومين من الجنسية السورية، وهم اليوم متهمون بالانفصالية جراء مطالبتهم بحكم لا مركزي.
وهي اتهامات لا تساهم في حل قضية شعب أصيل يعيش على أرضه وليس ضيفاً طارئاً على أي بلاد، وعليه فإن الحل الأسلم لقضيته هي احتواؤه في الفضاء الوطني، والتعامل مع جميع المواطنين بسواسية؛ فهذا أضمن وأسلم لوحدة البلاد، وأفضل طريق للاستقرار.
أما تركيا فهي الأخرى أمام طريق وعر، لا أمان فيه، فإما القطيعة أمام سياساتها المغامرة في السنوات الأخيرة، والابتعاد عن لعب أدوار لا تتناسب مع حجمها الفعلي، وإما أن تواجه القوى العظمى في معركة غير متكافئة، وبالتالي ستجد نفسها أمام مستقبل غامض.