الرئيسة \  واحة اللقاء  \  تركيا والحكم الذاتي لأكراد سوريا

تركيا والحكم الذاتي لأكراد سوريا

17.11.2013
محمد نور الدين



الشرق القطرية
السبت 16/11/2013
لا يمكن إلا التوقف عند إعلان حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في سوريا عند إعلانه يوم الثلاثاء الماضي ما يشبه الحكم الذاتي للمناطق الكردية في سوريا.
روجافا، وهو الاسم الذي يطلقه أكراد سوريا على المناطق الكردية في سوريا وأيضا يطلقون عليها اسم غربي كردستان، اسم قفز إلى الواجهة الميدانية والإعلامية منذ مطلع صيف 2012 عندما تولت مجموعات مسلحة تابعة للحزب السيطرة على أبرز المناطق الكردية في شمال سوريا في مواجهة مع قوات المعارضة السورية المتمثلة حينها بالجيش السوري الحر وأحيانا مع الجيش السوري النظامي.
حينها رفع المسلحون الأكراد أعلام حزب العمال الكردستاني وصور زعيمه المعتقل في تركيا عبد الله أوجالان.
للمرة الأولى أبدت تركيا خوفا جديا من تلك التطورات غير المتوقعة بالنسبة لأنقرة، خصوصا أن "الوافدين" الجدد يعكسون حزبا تحاربه أنقرة داخل أراضيها وتصنفه حزبا إرهابيا.
الهلع التركي عكس حينها فشلا كبيرا في توقعات السياسة التركية تجاه سوريا، إذ إن آخر ما يمكن أن تتوقعه حكومة حزب العدالة والتنمية أن يتمكن أكراد سوريا من تحقيق "كيانية" ما على الأرض في ظل قلة عدد الأكراد السوريين الذين بالكاد يناهزون المليونين. وقد عبرت تركيا عن قلقها حينها بالتهديد بأنها يمكن أن تتدخل عسكريا في سوريا إذا ما نشأ وضع يهدد الأمن التركي.
وتحركت أنقرة على عجل مع الجهات التي يمكن أن تقف موضوعيا معها وكان مسعود البرزاني في مقدمة هذه الجهات.
مسعود البرزاني في القاموس التركي يمثل الجهة الكردية الأكثر قربا من أنقرة. وميزة البرزاني لأنقرة أنه يقف على طرفي نقيض أيديولوجي مع زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجالان. لذا لم تتخل تركيا عن سياسة اللعب على التناقضات الكردية وهي سياسة بدأت منذ التسعينيات عندما كانت تتدخل عسكريا في شمال العراق تارة لصالح جلال طالباني وتارة لصالح مسعود البرزاني، بحيث كانت تضمن بهذه اللعبة إبقاء الطرفين ضعيفين وعلى صدام، فيستمر تأثيرها (أنقرة) على الساحة الكردية العراقية.
لكن بيت القصيد دائما في كل تحركات أنقرة كان استباق أي تنام لقوة حزب العمال الكردستاني في الداخل التركي. ولقد نجحت أنقرة في تطويق الخطر الأمني للحزب على امتداد المواجهة العسكرية معه منذ العام 1984 وحتى الآن. ولكن على الخط السياسي لم تكن تحرز مساعي الحل للمشكلة الكردية في تركيا أي تقدم.
غير أن التطورات المستجدة في سوريا خلال الأسابيع الأخيرة حملت أيضا لتركيا أخبارا غير سارة عندما تمكنت القوات التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي السوري من الانتصار في مواجهات مزدوجة ضد تنظيمات الدولة الإسلامية في العراق والشام أو"داعش" وجبهة النصرة التابعتين لتنظيم القاعدة، كما ضد الجيش السوري الحر والأهم سيطرة القوات الكردية على معابر المنطقة الكردية الحدودية مع تركيا كما مع العراق. هذا التطور قلب موازين القوى على الأرض رأسا على عقب وأدخل الحسابات التركية في تعقيدات ومتاهات لا تعرف كيف تخرج منها. وكانت ردة الفعل التركية الأولى إغلاق المعابر مع أكراد سوريا وتوقيف عملية الحل في تركيا على اعتبار أن حزب العمال الكردستاني يحارب في سوريا القوى التي تدعمها تركيا ولا يمكن الاستمرار لذلك في عملية الحل في تركيا.
ولم تكتف تركيا بذلك، بل إن رئيس الحكومة رجب طيب أردوغان عاد إلى السياسة التقليدية لتركيا وهي اللعب على الخلافات الكردية، فدعا رئيس إقليم كردستان مسعود البرزاني للقائه في ديار بكر نهاية الأسبوع الحالي في خطوة وصفت بأنها استفزازية لأكراد تركيا على اعتبار أنها محاولة للقول إن البرزاني هو زعيم أكراد المنطقة ومنهم أكراد تركيا فيما زعيم أكراد تركيا عبد الله أوجالان قابع في السجن.
إعلان أكراد سوريا الحكم الذاتي يأتي في سياقين، الأول الاستعداد لمؤتمر جنيف2 والمشاركة فيه بموضعية سياسية "كيانية" ضاغطة تضمن تطلعات كردية مزمنة لم يقابلها بالإيجاب سابقا لا النظام ولا المعارضة على حد سواء. والثاني أن الإعلان رسالة إلى تركيا والبرزاني معا عشية لقائهما أن "روجافا" تختط طريقها المستقل وبزعامة أوجالان في حين أن الدور ينتظر أكراد تركيا ليكون لهم حكم ذاتي  وهو مطلبهم الأساسي الذي بدأ به أكراد العراق بقيادة البرزاني نفسه مسيرتهم ليصلوا إلى دولة فيدرالية.
والنتيجة في النهاية أنه قد تكون هناك تباينات وصراعات على الزعامة الكردية في المنطقة بين البرزاني وأوجالان لكن المحصلة أن الأكراد يتقدمون في المنطقة من شمال العراق إلى شمال سوريا، فيما لا تنفع لعبة تركيا اللعب على التناقضات الكردية إلا في تأجيل ما هو محتوم: حكم ذاتي لأكراد تركيا وصولا إلى دولتهم المستقلة.