الرئيسة \  واحة اللقاء  \  تركيا والحلف الأطلسي: تاريخ ارتباط متين

تركيا والحلف الأطلسي: تاريخ ارتباط متين

16.05.2017
وائل محمد الرفاعي


الحياة
الاثنين 15/5/2017
تركيا عضو في الحلف الأطلسي لا يُستغنى عنه، يشهد على ذلك موقعها الاستراتيجي وعلاقتها التاريخية بعضوية الحلف. وفي الخلفية أنه بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية كانت الولايات المتحدة تتجه إلى تقديم ضمانات أمنية للدفاع عن غرب أوروبا. ففي منتصف عام 1948 اهتمت واشنطن بإقامة ترتيبات أمن جماعي لأوروبا، ووقّعت بريطانيا وفرنسا وبلجيكا وهولندا ولوكسمبورغ معاهدة بروكسيل للأمن الجماعي.
وفي حزيران (يونيو) من العام ذاته نشطت واشنطن نحو تشكيل منظمة حلف شمال الأطلسي وهي عبارة عن تحالف وُضِع ليشمل دول غرب أوروبا، وأعلن عن قيامه رسمياً في نيسان (أبريل) 1949 ولم يكن يشمل تركيا في عضويته، ونتيجة لذلك اهتمّت حكومة أنقرة بالانضمام للحلف لكنها وجدت صعوبات.
في أيلول (سبتمبر) 1948 خلال الخطوات التمهيدية لتأسيس الحلف قدّم السفير التركي في واشنطن اقتراحاً برغبة حكومته في الانضمام لحلف شمال الأطلسي، وبعد تبادل المذكرات بين الحكومتين لم تستطع الحكومة التركية أن تصل إلى نتائج إيجابية، إلا أن إدارة ترومان ردت بأن ميثاق الأطلسي ميثاق إقليمي وليس مفتوحاً أمام دول البحر المتوسط، وبشكل أساسي فإن الولايات المتحدة لم تكن مستعدة لأن تتحمل مزيداً من المسؤوليات، وتخشى أن الالتزام نحو تركيا قد يثير اختلافاً في مصير كل من اليونان وإيران، الأمر الذي دفع القوى المعادية للغرب داخل تركيا لتطالب بقطع علاقتها مع الولايات المتحدة والغرب والتقرُّب بصوره أكبر من الاتحاد السوفياتي. وفي محاولة للتقليل من ضخامة هذا الاتجاه أشارت الصحف التركية إلى وجود فكرة جديدة طرحتها بريطانيا عام 1948 بعد انبثاق فكرة حلف الأطلسي وتتضمن إيجاد حلف لدول البحر المتوسط.
ومن الواضح أن فكرة ميثاق البحر المتوسط لا تعني أن تركيا تخلّت عن الانضمام لحلف شمال الأطلسي، بل على العكس فهي كانت خطوة لتوريط الولايات المتحدة في الترتيبات الدفاعية الخاصة بميثاق البحر المتوسط إلى أن تستطيع أن تحصل على الموافقة الكاملة لدخول الناتو.
وعلى رغم المساعي البريطانية لتشكيل حلف البحر المتوسط، إلا أنها فشلت في هذا الاتجاه لأسباب، بينها: رفض مصر إقامة هذا الحلف والانخراط فيه. ورفض الولايات المتحدة متعللة بأنه ينبغي أن يضم كل الدول العربية أو بعضها ودولة إسرائيل باعتبار أن الأخيرة قائمة، الأمر الذي ترفضه البلاد العربية.
ومع حلول عام 1950 فاز الحزب الديموقراطي في الانتخابات التركية وبدأ الضغط على الولايات المتحدة من أجل الانضمام لحلف شمال الأطلسي، إلا أنه قوبل بالمعارضة المستمرة من قبل الدول الصغيرة في الحلف. وقد دعمت هذه الدول حججها بالأسباب الآتية: إن انضمام تركيا إلى الحلف سيؤدي إلى إعادة تسليحها، ويترتب على ذلك تحمّل الحلف أعباء اقتصادية هائلة، كما سيدفع نحو زيادة خطر الحرب مع الاتحاد السوفياتي، وبالتالي يؤدي بالحلف إلى توسيع التزاماته، كما أن عضوية تركيا ستؤدي إلى تردّي علاقات الحلف مع دول مثل إيران ومصر. ومن الحجج أنه ليس بين تركيا والدول الإسكندنافية أية مصالح مشتركة وهي التي جعلها الحلف أساساً له.
وعلى رغم ذلك استمرت تركيا في تقديم المزيد من الضغوط والتضحيات، إذ أرسلت حكومة عدنان مندريس 4500 جندي للقتال في كوريا إلى جانب الأميركيين من دون الحصول على موافقة البرلمان. ورأى سياسيون أميركيون آنذاك أن انخراط تركيا في الحرب الكورية سيؤدي إلى انضمامها لحلف شمال الأطلسي.
ولأجل اغتنام الفرصة اتصلت وزارة الخارجية التركية بسفراء الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا في الأول من آب (أغسطس) 1950، وتقدمت بطلب للموافقة على عضويتها، إلا أن الطلب التركي رُفض هذه المرة، في حين دعت الولايات المتحدة تركيا للاشتراك في التخطيط العسكري للناتو في منطقة البحر المتوسط. وفي تشرين الأول (أكتوبر) 1950 أعلنت حكومة أنقرة موافقتها. وألقى وزير خارجية تركيا فؤاد كوبورولو كلمته في المناسبة قائلاً: "إن بعض الدول الأعضاء رفض انضمامنا للحلف، أما الآن فإن جهودنا قد تحققت بعد قبولنا في الجهاز العسكري لحلف شمال الأطلسي، وعلى رغم أن هذا القرار غير مرضٍ بصورة كاملة بالنسبة إلينا، إلا أن وضعنا أصبح أفضل من ذي قبل".
وفي الواقع إن صناع القرار الأميركي أكّدوا ضرورة انضمام تركيا إلى الناتو، خصوصاً بعد رفض أنقرة تأجير قواعد جوية لأميركا في أراضيها، ما لم تعترف بها عضواً في الحلف، وحض هؤلاء الإدارة الأميركية على أنه في حال الهجوم على أوروبا الغربية، وفيما إذا كانت تركيا عضواً في حلف شمال الأطلسي فإن صواريخ الولايات المتحدة سوف تعبر إلى ما وراء حقول النفط في القوقاز، وبالتالي توجيه ضربات للاتحاد السوفياتي من القواعد التركية.
استغلت تركيا الموقف الأميركي وقدمت طلباً إلى واشنطن تحثها فيه على الانضمام إلى معاهدة عام 1939 بين تركيا وفرنسا وبريطانيا، لكن موقف لندن كان سلبياً لأنها كانت ترى أن المعاهدة تميل إلى الزوال، ما يعني ارتباط تركيا بالولايات المتحدة في ترتيب أمني جديد في المنطقة، أو كأنه اعتراف بانتقال النفوذ البريطاني في منطقة الشرق الأوسط إلى الولايات المتحدة عموماً وتركيا خصوصاً.
ونتيجة للأوضاع السياسية غير المستقرة في منطقة الشرق الأوسط عام 1951 مع ثورة محمد مصدق في إيران، أعلنت الحكومة البريطانية أنها تساند انضمام تركيا إلى حلف شمال الأطلسي، مؤكدةً في الوقت ذاته دور أنقرة في إيجاد ترتيبات نظام الأمن بالشرق الأوسط.
لهذه الأسباب وافقت رئاسة الأركان الأميركية عام 1951 على العضوية الكاملة لتركيا في حلف شمال الأطلسي. وتحقق ذلك في 8 شباط (فبراير) 1952.
وهكذا فإن العلاقات الأميركية - التركية في نهاية خمسينات القرن الماضي أصبحت واحدة من المتطلبات المهمة بالنسبة إلى واشنطن في حماية أوروبا ومواجهة الاتحاد السوفياتي.