الرئيسة \  واحة اللقاء  \  تركيا والولايات المتحدة.. تقارب أم تقاطع مؤقت؟

تركيا والولايات المتحدة.. تقارب أم تقاطع مؤقت؟

17.11.2018
ديميتار بيشيف


العرب اللندنية
الخميس 15/11/2018
أصبحت العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا في الفترة الأخيرة متقلبة وسريعة التغير على نحو مثير للدهشة فتجدها تارة مشتعلة بالاتهامات المتبادلة والتصريحات المعادية من الطرفين، وتارة أخرى يسودها البرود والفتور. ورغم أن الدولتين ملتزمتان بالعمل سويا في إطار تحالف واحد، دخلت أنقرة وواشنطن في صدام بسبب قائمة طويلة من القضايا، بدءا من العلاقة المتشابكة للولايات المتحدة مع الأكراد السوريين، مرورا بالملاحقة القضائية لبنك خلق التركي الذي يواجه اتهامات بالتحايل على العقوبات الأميركية ضد إيران، وحتى مصير فتح الله غولن الذي تتهمه تركيا بأنه العقل المدبر لمحاولة الانقلاب الفاشلة في يوليو 2016.
وحتى في الوقت الذي تحظى فيه الدولتان بلحظة تقارب، يظل نشوب مواجهة عسكرية مباشرة في شمال سوريا بين الحليفتين في حلف شمال الأطلسي احتمالا واقعيا وممكن الحدوث في أي وقت. لكن هناك مؤشرات بالفعل على عودة الدفء إلى العلاقات التركية – الأميركية، فالقس الأميركي أندرو برانسون خرج من السجن الذي ظل قابعا فيه لشهور في تركيا وعاد بأمان إلى موطنه، كما يجري حاليا تنفيذ اتفاق بخصوص مدينة منبج السورية تراقب بموجبه دوريات مشتركة بين القوات التركية والأميركية الوضع في المدينة التي تسيطر عليها وحدات حماية الشعب الكردية، وهي منظمة تعتبرها تركيا امتدادا لحزب العمال الكردستاني المحظور.
وفي بادرة حسن نية، أعلنت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، مؤخرا، عن مكافأة مالية ضخمة نظير الإدلاء بمعلومات تؤدي إلى اعتقال ثلاثة من أهم قادة حزب العمال الكردستاني. كما منحت واشنطن تركيا إعفاءات من العقوبات النفطية الجديدة التي فرضتها على إيران، فيما ألغت تركيا إجراءاتها العقابية بحق مسؤولين بارزين من الولايات المتحدة. ويبدو أن الأمور تسير في اتجاه تطبيع العلاقات، أو على الأقل هذا ما يريده ترامب ورجب طيب أردوغان. لكن مما لا شك فيه أن هذا التقارب قائم على أساس هش.
فأولا، الولايات المتحدة ليست على استعداد لإنهاء شراكتها مع الأكراد السوريين، حيث عملت لفترة طويلة على إقامة علاقات قوية مع وحدات حماية الشعب حتى تتكفل الأخيرة بالتصدي لتنظيم الدولة الإسلامية، الذي بدأ بالفعل في تنظيم صفوفه مرة أخرى على طول المناطق الحدودية في شمال شرق سوريا. وعلى المدى الطويل إذا كانت الإستراتيجية الأميركية موجهة نحو احتواء إيران، فليس هناك بالكاد أي طرف آخر يمكن لواشنطن العمل معه سوى الأكراد.
في غضون ذلك، بقدر ما ترغب أنقرة في أن تفقد إيران نفوذها في سوريا أو العراق، فإنها أيضا غير راغبة في الانضمام لحملة ترامب الشعواء ضد طهران. ففي نهاية المطاف، تعد إيران شريكة لها بجانب روسيا في عملية أستانة للسلام في سوريا، والتي يبدو أنها ستحدد معالم كيفية تقسيم الغنائم بعد انقشاع غبار الصراع السوري. علاوة على ذلك فإن طهران وأنقرة وجدتا أرضية مشتركة لمصالحهما الإقليمية في شمال العراق العام الماضي عندما عارضتا محاولة حكومة إقليم كردستان للاستقلال.
ثانيا، لا تبشر التطورات الأخيرة في الولايات المتحدة بالخير بالنسبة للأتراك. فاستراتيجية أردوغان تستند إلى فكرة مؤداها بأنه هو وترامب قادران على حل المشاكل بالعمل سويا. وفي الوقت الذي يمكن لأتباعه في الحكومة ووسائل الإعلام الموالية له مهاجمة الولايات المتحدة وانتقادها كما يحلو لهم، يمكن له دوما التوصل إلى اتفاق مع ترامب في نهاية المطاف. هذا ما حدث في حالة برانسون على سبيل المثال. وكان من الواضح أن الهدف من إطلاق سراحه هو تعزيز شعبية ترامب في انتخابات التجديد النصفي، وبناء جسور الثقة بين الزعيمين.
لكن الانتخابات أسفرت عن خسارة الجمهوريين للأغلبية في مجلس النواب، مما سيجعل عملية صنع قرارات السياسة الأميركية أكثر تعقيدا. وحتى لو قدم ترامب وعودا شتى لأردوغان بشأن التزامه بحل القضايا الخلافية على النحو الذي يكون مرضيا لتركيا، ستكون قدرته على الإيفاء بهذه الوعود مقيدة بموافقة الكونغرس. من جانبه، سيكون الكونغرس عازما على إعادة تأكيد موقفه بشأن العديد من القضايا الخلافية، وأبرزها شراء تركيا لصواريخ أس-400 الروسية، وهي الصفقة التي تهدد الدور التركي في مشروع إنتاج وتطوير مقاتلات أف-35 الأميركية. ومن المتوقع أن تعمل السلطة التشريعية الأميركية على صياغة سياستها الخاصة في ما يتعلق بالعمل مع أردوغان، والتي من المرجح أن تكون أكثر تشددا من سياسة ترامب.
في المقابل، تستعد تركيا لإجراء انتخابات محلية في شهر مارس المقبل، وهو ما قد يعني تفجر موجة أخرى من المشاعر المناهضة للولايات المتحدة، خاصة إذا انهارت الليرة مرة أخرى.
تريد أنقرة إصلاح علاقاتها مع واشنطن بقدر ما ترغب في إعادة روابطها مع أوروبا إلى سابق عهدها. وفي الوقت الحاضر، فإنها تحرز تقدما في هذا الاتجاه. لكن العلاقات مع الولايات المتحدة لا تزال تفتقر إلى الثقة المتبادلة وتعصف بها القضايا الخلافية وتكبلها المناورات السياسية الداخلية في البلدين، ولن تكون مفاجأة للكثيرين إن دخلت تركيا والولايات المتحدة في صدام جديد عما قريب.