الرئيسة \  واحة اللقاء  \  تركيا ومرحلة جديدة في المنطقة

تركيا ومرحلة جديدة في المنطقة

18.09.2016
د. محمد مصطفى علوش


الشرق القطرية
السبت 17/9/2016
في أحدث انتقاد تركي لواشنطن جاء على لسان وزير الداخلية التركي، سليمان صويلو الأربعاء الفائت ردًا على تصريحات السفير الأمريكي لدى أنقرة، جون باس، بخصوص فصل 28 رئيس بلدية أغلبهم أكراد في تركيا.
مما قاله صويلو في معرض حديثه:"السفير الأمريكي، تجاوز حدوده وتصرف بشكل مغرور، ويجب على الدول الكبرى تجنب تعيين أشخاص صغار كسفراء لها، خاصة في دول قوية كتركيا".
تصريح وزير الداخلية التركية افتقر إلى الدبلوماسية المعهودة تاريخيا بين الدولتين، وكان يكفي أن تراسل وزارة الخارجية التركية نظيرتها الأمريكية سرًا مع الإمكان توجيه نقدا أعلى من هذا بكثير، وقد تستجيب واشنطن سريعا للمطالب التركية دون هذا الاستعراض المقصود والموجه لإدارة أوباما نفسها.
لا يمكن فصل النبرة التركية العالية ضد السفير الأمريكي في أنقرة عن السياق العام للعلاقة الأمريكية التركية المستجدة بعد الانقلاب الفاشل من ناحية، وعن السياق العام لإعادة تركيا تحديد وترتيب أولوياتها ومصالحها في المنطقة من ناحية أخرى. ورغم أن علاقاتها مع واشنطن ستبقى ثابتة وضمن دائرة التفاهم مهما ساءت الظروف، إلا أن أنقرة بدأت ترسم لنفسها مسارًا طويلا في هندسة علاقاتها وتشبيكها في المنطقة بعيدا عن الوصايا أو النصائح الأمريكية.
عندما تمكنت تركيا من هزيمة الانقلاب الخشن المدعوم على الأغلب من دوائر الاستخبارات الأمريكية وفقًا لقناعات كثيرة في أنقرة، وبادرت موسكو لتوظيف التوتر التركي الأمريكي المستجد لصالح ترميم علاقاتها مع تركيا سارعت الأخيرة بنفس الزخم نحو موسكو من منظور جديد في مقاربتها للمشهد الدولي والإقليمي.
لقد أيدت تركيا التفاهم الأمريكي الروسي في سوريا لأنها ببساطة لا تملك معارضته ولا تقوى على مواجهته إلا أنها كحال إيران مع روسيا تشعر بأن حليفها الأمريكي خذلها هناك وأهملها لصالح مصالحه مع الشريك المستجد في الساحة السورية وهي موسكو وتفرعات كردية مبعثرة.
عبر تدخلها اليوم في سوريا، تفرض تركيا، على ما يبدو، منطقة آمنة في الشمال دون أن تسميها رسميا، ودون حاجة لحمايتها جويا بعد أن رتبت علاقاتها مع موسكو. ربما كانت موسكو في حاجة للدعم التركي لها في الشمال السوري بعد أن بلغت طاقاتها المندفعة في فرض الحل الذي ترتأيه عسكريا أقصاها دون أن تحقق التحول النوعي المطلوب، فسمحت لتركيا بالتدخل لحفظ ما تراه مصالح حيوية لها مقابل تحييدها وكسبها في الضغط على المعارضة المسلحة في الشمال السوري في أي تفاهمات دولية قادمة.
وسيعتبر التدخل العسكري التركي في الموصل، إذا صدقت التحليلات التي تقول إن أنقرة تستعد لعملية عسكرية في المستقبل القريب في الموصل بشمال العراق، على غرار عملية درع الفرات في شمال سوريا، دليلًا إضافيًا على ملامح التوجه التركي الجديد القائم على حماية مصالحها دون استشارة أو تنسيق مع الولايات المتحدة.
وإذا كان تدخلها في الشمال العراقي سيستند إلى الاتفاقية المبرمة بينها وبين بريطانيا في الربع الأول من القرن الماضي، التي ضمت بموجبها الوصاية البريطانية ولاية الموصل إلى العراق مقابل منح تركيا حق حماية التركمان فيها، فإن رؤية تركيا للمشهد العراقي وحاجة التدخل العسكري فيه لن يختلف كثيرا عن رؤيتها للمشهد السوري قبيل الحملة البرية والجوية التي أطلقتها فجر 24 أغسطس الفائت دعما لفصائل الجيش السوري الحر لإبعاد تنظيم الدولة عن الشريط الحدودي مع سوريا والحيلولة دون توسع قوات سوريا الديمقراطية غربي نهر الفرات.
وفي حين يرى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن العراق بحاجة إلى عملية مشابهة لعملية درع الفرات، وأن حلّ مشكلة الموصل يمر عبر الاستماع إلى وجهة نظر تركيا، فإنه يؤكد أن بلاده تعيد ترتيب حضورها في الشمال العراقي وتفرض نفسها ورقة لاعبة في التدخلات الخارجية في الشأن العراقي كما الشأن السوري. وفي هذا مؤشر إضافي أن التوجهات التركية الجديدة في كل من العراق وسوريا تحركها مقاربة تركية تعتقد أن هرمًا من التفاهمات السرية على إعادة ترتيب المنطقة على غرار اتفاقات سايكس - بيكو، تقف الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا الاتحادية على رأس هذا الهرم في حين تقف في قاعدته بعض الدول الإقليمية، منها إسرائيل.