الرئيسة \  واحة اللقاء  \  تسلية ال"سوخوي"!

تسلية ال"سوخوي"!

08.10.2015
نادر الرنتيسي



الغد الاردنية
الاربعاء 7/10/2015
هذه ليست البداية الأخيرة. أعني احتلالَ طائرات “سوخوي” الروسيّة لسماء سوريا الأولى. ربّما هي عقدةٌ جديدةٌ في الفيلمِ المفتوح، وقد تكون أيضاً جزءاً ثانياً من مسلسل تُجمع على استمراره “جهات الإنتاج”، وهي حتماً فتحٌ متهوّرٌ لبابِ غرفةٍ مظلمةٍ في القصر المسروق، وهي بالتأكيد مناسبةٌ ثمينة لأنْ تجدَ الحكمة الإيطاليّة “نعلن الحرب عندما نريد، وننهيها عندما نستطيع” سياقاً جديداً غير مفتعل، وغير مجرّبٍ. وقد تكونُ حرباً أخرى؛ ولكلِّ حربٍ شاقةٍ.. تسلية!
افتح إذن فيسبوك الأردنيّ، اخترْ صفحات اليساريين المخالفين لسنِّ التقاعد، والقوميين الذين يتبادلون الانتساب لقُطرَيْن لدودين. هل تسمع للمرة الأولى بطائرات “سوخوي”، وتجهل حدودَ سرعتها القصوى، وحمولتها الصاروخية الذكية، وعيار مدفع الدقيق، واللحم الآدميَّ الذي تفضِّله؟ افتح إذن صفحة قاص عاجز عن عقد حبكته، وسترى الإجابات في مناشير مدمجة بقصة الاسم الحركيَّ ل”بافل سوخوي”، وفي صفحة المعارض، المهندس الميكانيكيِّ، ستجدُ أسماء مشفرة للمحال المتخصصة ببيع قطع غيار “سوخوي 34” في “وادي الرّمم”.
وأنتَ محتارٌ لا شك، فالنشرات الإخبارية فضفاضة، ومتضاربة ولم تتفق حتى رأس هذه الساعة الأخيرة على جوابٍ يريحُ سؤالكَ القلق: متى ستنتهي هذه الحرب الطويلة؟ اختر صفحات شعراء “الهايكو” و”قفا نبكي”، والفتيات اللواتي دخلنَ السياسة من باب تنويع الهوايات، واستمع جيِّداً لسيناريو النهاية: بعد أسبوعين، وغارتين، وغلوة ركوة القهوة التركية سيُشاهد “بشّار القرداحيِّ” في زوايا سوريا، يضحكُ لطرفةٍ في حمص عن “أبو علي تين”، ويدندنُ بموّال رقاويّ على ضفة الفرات الشرقية، وفي المساء من بين المارة السارحين سيخرجُ في سوق اليبرق الحلبيِّ، يشتري قماشاً أسودَ للعلم!
الحربُ مسألة غارات، ولدى جمهور “المقاومة والممانعة” في الأردن خرائط سريّة للمسارات المتعرجة التي تسلكها ال”سوخوي” بخفة، والأهداف غير الدقيقة في أرياف حمص وإدلب وحلب، تشعرُ أنّها طائرات مُسيّرة عن بُعد، من مقهى دائريٍّ مكشوف في “دوّار باريس”، وأنّ لدى هذا الروائيِّ التجريبيِّ خطا ساخنا مع “الكرملين”، لتوجيه الضربات، وأن “أبو علي بوتين” لا يضعه تحت الشمس الحارقة في قائمة الانتظار. يساريون مخالفون لسنِّ التقاعد، وشعراء صغار في “اليسار الطفولية”، ينادونه ب”الرفيق بوتين”، تماماً كما ينادي اليتيمُ كلّ من يمسّد رأسه: أبي!
دخلتْ أسراب “السوخوي” سماء سوريا الأولى. الحرب بدأت من بداية أخرى، والنصر ل”الممانعين”، صبر غارة، وعضّة رصاصة، ولا تسأل “الرفاقَ”: النصر على منْ؟، ف”الكادحون”، و”الشغِّيلة”، يطلبون النصر على “الحرية” بالاستعانة ب”وحدات النخبة الروسية”، ويطالبون باعتقال “الكرامة” في الطابق الثالث بفرع “فلسطين”، وينادون كما ينادي الشبّيحة أمام “المعتّرين” في عروض الولاء القسريِّ: “سوريا الأسد أو نحرق البلد”. خطوة إلى اليسار، تحت راية لم تعد حمراء، وخطوتان إلى اليمين تحت آيات الراية الصفراء. الأمر لا يؤلم، ولا يحزن، وربّما لا يعني شيئاً، قلتُ لكَ في وقت مبكّرٍ: لكلِّ حربٍ شاقةٍ.. تسلية!