الرئيسة \  واحة اللقاء  \  تسوية سورية بالأرض: وطناً وممانعة!

تسوية سورية بالأرض: وطناً وممانعة!

02.02.2014
منار الرشواني


الغد الاردنية
السبت 1/2/2014
ربما تشكل صدمة أخرى للمواطنين الغربيين فقط، جريمة الحرب الجديدة التي كشف عنها تقرير منظمة "هيومان رايتسووتش"، الصادر أول من أمس بعنوان "مُسوّاة بالأرض"؛ بقيام نظام بشار الأسد بمحو أحياء كاملة من الوجود في دمشق وحماة؛ لا لسبب إلا معاقبة أهلها باعتبارهم مؤيدين للثورة السورية.
لكن هذا التقرير، أسوة بالتقرير الآخر الصادر قبل ذلك بأيام عن قتل 11 ألف مواطن سوري تحت التعذيب في سجون النظام، لا يضيفان في الحقيقة أي جديد لما هو معروف تماماً لدى معارضي النظام وشبيحته على حد سواء، بشأن ممارسات وجرائم هذا النظام.
مع ذلك تظل ثمة غرابة يُفترض أن يتشاركها الجميع بلا استثناء، إزاء التبرير الرسمي الصادر عن مسؤولي النظام لارتكاب الجريمة الأخيرة؛ بزعم أن إزالة تلك الأحياء كاملة من على وجه الأرض (في عملية يتولاها عسكريون!)، إنما غايتها إزالة أبنية مخالفة، وقد "صدف" أن أهلها مؤيدون للثوار!
ولعل مثل هذا التصريح/ التبرير يكفي بحد ذاته، بداية، للكشف عن الدمار الذي ألحقه نظام الأسد بسورية، إلى مستوى أنه لم يعد قادراً حتى على إيجاد من يتقنون الكذب دفاعاً عنه، فلجأ إلى "شبيحة" عبر الحدود. فمن ينسى عبقرية وليد المعلم بعرضه أمام العالم، مطلع الثورة، صوراً من جريمة وقعت في لبنان، باعتبارها دليلاً دامغاً على مذابح الثوار في سورية؟ وكيف يمكن نسيان "التقارير المهنية العميقة" لتلفزيونات النظام عن أن تحركات لاعب برشلونة ليونيل ميسي في الملعب، هي لأجل تزويد "الإرهابيين" السوريين بخطة لتهريب السلاح، لا لتسجيل أهداف لناديه؟ وأن النشرة الجوية على محطة عربية، إنما تعرض درجات حرارة مزيفة، لأنها في الواقع إحداثيات يتم بثها للثوار (يمكن إيجاد هذا الأغرب من الخيال، غير القابل للتصديق، على موقع "يوتيوب")!
وحتى لو أراد أحد مجاراة الانهيار في التبرير الرسمي السابق، فإن السؤال يكون: لماذا لم يُضطر سكان الأحياء المحسوبة على النظام إلى مخالفة القوانين، بحيث بقيت أحياؤهم سليمة لا تحتاج لـ"لتطوير" زمن الحرب، بخلاف سواهم؟ أليس هو الفساد الذي نخر الدولة السورية البعثية، فجعلها لفئة محددة دون الأغلبية العظمى؟
طبعاً، كل ممارسات النظام وفظائعه معروفة بحق السوريين على امتداد عقود، إلا أنها تظل مبررة تماماً لشبيحته وأنصاره باسم "المقاومة والممانعة". لكن، قبل ثلاثة أيام فقط من تقرير "هيومان رايتسووتش"، كانت إسرائيل تكشف، كما هي العادة دائماً، عن قيامها بغارة جوية جديدة يوم الأحد الماضي على سورية، أتت على مخزن أسلحة متطورة في مدينة اللاذقية؛ إنما، وكما جرت العادة أيضاً، من دون أي رد عسكري من النظام أو من حزب الله، ولا حتى تعليق منهما. هكذا، يكون نظام الأسد أقرب إلى التكامل مع إسرائيل في الإجهاز على سورية، وتسويتها كلها بالأرض.
ومثل هذا التكامل إن بدا فاضحاً أثناء الثورة، فهو بدأ عقوداً قبل ذلك؛ حينما تسلطت الأجهزة الأمنية على الشعب السوري، قهراً وإذلالاً وسجناً وقتلا؛ كما أتى الفساد على كل حقوقه وفرصه في الازدهار والنهوض، وبالتالي تحرير الأراضي المحتلة. ومع هكذا ممانعة ومقاومة، لا يكون غريباً أن تصل إسرائيل ذروة أخرى في قوتها وعدوانيتها، قبل الثورة السورية بسنين طويلة، كما يعرف الجميع حق المعرفة، أياً ما ادعوا خلاف ذلك في العلن.