الرئيسة \  واحة اللقاء  \  تشارلز في الأردن ومعاناة السوريين

تشارلز في الأردن ومعاناة السوريين

05.04.2013
سيريل تاونسند

الاتحاد
الجمعة 5/4/2013
أرفع قبعتي ثلاث مرات تحية لذلك الشخص (يفترض أن يكون من ضمن طاقم مكتب الشرق الأوسط التابع لوزارة الخارجية البريطانية) الذي رأى أن اللحظة الراهنة هي أنسب اللحظات ملاءمة لقيام الأمير تشارلز، ولي عهد بريطانيا، بزيارة مخيم للاجئين السوريين في الأردن.
فالأردن الذي كان ينظر إليه تقليدياً على أنه دولة جيدة الإدارة، ومحترمة، ومسالمة، يواجه في الوقت الراهن مشكلات لا تقل خطورة عن أي مشكلة من المشكلات العديدة التي واجهها في تاريخه. فالملك عبد الله الثاني، وهو رجل معتدل درس- مثله في ذلك مثل والده الذي كان ملكاً بارزاً- في الأكاديمية العسكرية في «ساندهيرست»، يواجه على عتبة بابه في الوقت الراهن، تداعيات الصراع المندلع في سوريا، بالإضافة إلى أزمة تدفق أعداد هائلة من اللاجئين على بلاده. والأمير تشارلز يعرف الملك عبد الله معرفة جيدة للغاية، كما تحتفظ المملكة المتحدة والأردن بعلاقات ثنائية وثيقة ودافئة للغاية.
والأمير تشارلز يعرف العالم العربي، ويقدره جداً لاسيما دول الخليج، أكثر بكثير من معظم السياسيين البريطانيين، ورغم قيامه بما يزيد على 70 زيارة رسمية للعالم العربي، نراه يميل للابتعاد عن إسرائيل.
ولعدة عقود، ظل الأمير تشارلز يطور اهتمامه بالإسلام، وبالجالية المسلمة المتنامية في المملكة المتحدة. ففي عام 1993،على سبيل المثال، ألقى الأمير كلمة بالغة الدلالة، حثّ فيها الغرب على التغلب على تحيزاته ضد الإسلام.
وفي زيارته للأردن كان مصحوباً بزوجته دوقة «كورنوول» كاميلا باركر، التي اكتسبت الاحترام في بريطانيا لجهودها المخلصة في المجالات الإنسانية. والأمير والدوقة معتادان على مشاهدة أفضل وأسوأ مظاهر وجودنا الإنساني، من خلال الزيارات التي قاما بها للعديد من مخيمات اللاجئين في مختلف مناطق العالم. وفي أثناء وجودهما في الأردن، نُظمت لهما زيارة لمخيم لللاجئين يقع في متنزه الملك عبد الله، يعتبر واحداً من أفضل مخيمات اللاجئين تنظيماً وتجهيزاً، ولا يبعد عن الحدود السورية سوى سبعة كيلو مترات. ويأوي هذا المخيم 1200 لاجئ سوري من إجمالي 440 ألفاً، يعتقد أنهم فروا عبر الحدود للأردن، وهو ما يمثل تدفقاً هائلاً على دولة صغيرة تعاني أصلاً عجزاً كبيراً في الميزانية، وتفتقر للموارد الطبيعية لحد كبير.
وقد تأثر الأمير تشارلز، والدوقة كاميلا -كما بدا واضحاً- بما رأياه وسمعاه من المسؤولين عن المخيم. وتحدث الأمير تشارلز مع أحد اللاجئين الذي قال له إنه لا يرى نهاية للصراع، وإن الحل في يد بريطانيا، وغيرها من القوى الغربية، وطلب منه المساعدة.
هناك جزء من الحقيقة فيما قاله ذلك اللاجئ، لكن المشكلة - في نظر المراقبين الدوليين- تتمثل في محدودية الخيارات المتاحة واحتمال انطوائها على مخاطر.
تأثر الأمير والدوقة للغاية بمحنة الأطفال السوريين اللاجئين اللذين فقد بعضهم آباءه، وعاش معظمهم تجارب مروعة، وأعلن تقديره للأردنيين ولكرمهم البالغ، بالنظر لظروفهم الصعبة. وعلقت الدوقة عقب الزيارة قائلة: «بعض القصص التي سمعتها مروع للغاية، لكن الشيء الذي لفت نظري هو مدى قوة الإرادة التي يتمتع بها اللاجئون، والكيفية التي يبدون بها مسرورين للغاية رغم ظروفهم». وأعربت الدوقة بشكل خاص عن تقديرها للأمهات السوريات اللاجئات اللائي مررن بمحن رهيبة ولا يعرف البعض منهن ما إذا كان أزواجهن ما زلوا على قيد الحياة أم لا.
وموقف اللاجئين في الأردن معرض لخطر الخروج عن نطاق السيطرة، بما يمكن أن يترتب على ذلك من نتائج مروعة.
ويعبر عن هذه الحقيقة «اندرو هاربر» من مفوضية الأمم المتحدة للاجئين الذي نقل عنه قوله: «نحن نواجه احتمال حدوث كارثة وشيكة... فالمساعدات الدولية قليلة للغاية وبطيئة أكثر مما ينبغي في حين يتوقع الناس منا عمل المستحيل».
وتتوقع المفوضية أن يصل عدد اللاجئين اللذين يتدفقون على الأردن -بحلول نهاية العام الحالي- إلى مليون شخص، وأن المساعدات الموعودة لم يصل منها سوى 30 في المئة من الإجمالي.
أما منظمتا «أنقذوا الأطفال» و«اليونيسيف» فقد نشرتا في الذكرى الثانية للصراع تقريرين مهمين أعربتا فيهما عن الاعتقاد بأن حياة مليوني طفل سوري باتت تتعرض للتمزق بفعل القتال الدائر في سوريا. وكشف التقريران عن معاناة ملايين الأطفال من الأمراض وسوء التغذية، وتعرضهم لليتم والقتل، ليس هذا فحسب بل كشف التقريران كذلك عن حالات لتجنيد الأطفال في المجموعات المسلحة، وإجبار الفتيات على الزواج المبكر لحمايتهن، كما يفترض!
ويعطي الأردنيون اهتماماً جاداً لمسألة خلق منطقة آمنة للاجئين داخل سوريا ذاتها على امتداد حدودها مع الأردن. وهو ما يمثل محاولة خطرة تتطلب تقديم مساعدات كبيرة من جانب عدد من الدول الأخرى.
أما منظمة «أطباء بلا حدود»، تلك المنظمة الشجاعة والبارزة التي تتخذ من بلجيكا مقراً لها، فترى أن الحاجة للحصول على مساعدات في الأجزاء التي يسيطر عليها مقاتلو المعارضة داخل سوريا، قد باتت ملحة للدرجة التي يجب أن تدفع الأمم المتحدة لتحدي نظام الأسد. وسيكون هناك -في رأيها- مبرر قوي لذلك التحدي من جانب المنظمة الأممية، يتمثل في حقيقة أن بعض المناطق في سوريا لم تر أي نوع من المساعدات منذ عامين على وجه التقريب.