الرئيسة \  واحة اللقاء  \  تشويه مفهوم الجهاد والحرب

تشويه مفهوم الجهاد والحرب

21.05.2014
سينيم تيزيابار


القدس العربي
الثلاثاء 20/5/2014
هناك اساءة في تصويرالدوافع الإسلامية الخاصة بمفهومي الحرب والجهاد لدى البعض، وإظهارهما وكأنهما ‘حرب مقدسة’، وكأن قتل غير المسلمين مطلب للتقرب من الله. وفي رأيي هذا انحراف واضح عن التعاليم الإسلامية المتعلقة بوصايا الحرب والسلام، وكذلك النظرة المتعلقة بغير المسلمين بشكل عام.
أولا، هناك اساءة استخدام كلمة جهاد بشكل عام نتيحة لتشويه المعاني الحقيقية للمصطلح من قبل بعض المسلمين. ومع أن ‘قاموس أوكسفورد للغة الإنكليزية’ يعرف كلمة الجهاد على أنه حرب مقدسة يقوم بها المسلمون ضد غير المسلمين. كما يعرفه ‘قاموس ومريام ويبستر’ بانه حرب نيابة عن الإسلام كواجب ديني’. الا ان أصل كلمة جهاد مشتقة من ‘جهد’ التي تعني بذل الجهد، وعليه فالقيام بـ’الجهاد’ يعني ‘إظهار الجهد والكفاح والسعي في سبيل الله’، في المعنى الاوسع كواجب دائم على المسلمين. ولهذا فالجهاد ليس حربا مقدسة وبالتأكيد ليس عمليات انتحارية، ولا قتل الأبرياء ولا القتال المدفوع بالحقد أو قتل الآخرين لأنهم غير مسلمين.
صحيح أن الجهاد يعتبر موضوعا رئيسيا في الإسلام وواجبا على كل المسلمين، ومع ذلك فالجهاد بحسب القرآن، هو نشر رسالة الإسلام، ودعم الخير ومحاربة الشر والظلم، ولهذا فالجهاد يمكن بالتأكيد أن يكون كفاحا قائما على أرضية فكرية. فالجهاد لا يعتبر ‘تبريرا’ للمذابح أو أفعالا عدوانية ضد الناس الأبرياء. يقول النبي محمد ‘افضل الجهاد ان يجاهد الرجل نفسه وهواه’، اذن الجهاد هنا وفق هذا المفهوم يشير إلى هوى النفس ورغباتها وطموحاتها. وعليه فبالإضافة لجهاد النفس، يمكن أن يشن الجهاد بالمعرفة والقلم واللسان، بهدف تحقيق العدل والسلام ومواجهة الوحشية.
وفي بعض الأوقات التي يتطلب فيها الجهاد الحرب ‘جهاد القتال’ فإنه إما من أجل الدفاع عن النفس أو للدفاع عن الناس المظلومين، وفي أوضاع تجبر الشخص الواحد على القتال من أجل النجاة أو انقاذ الأرواح.
عندما يشير القرآن للقتال الجسدي ‘القتال أو القتل’ فهو يستخدم كلمة أخرى ‘قاتل/قتل’ أي للمواجهة في المعركة، والقتال تعني المواجهة الجسدية. وهناك آيات تعطي المسلمين الإذن بالقتال، ولكن في ظروف معينة، وليست رخصة مفتوحة، وبالتأكيد ليست مصادفة عمياء لارتكاب عنف بلا حدود.
من وجهة نظر إسلامية تعتبر الحرب موضوعا استثنائيا وواجبا غير مرغوب فيه، يكون واجبا عندما تتعرض حياة الفرد او الجماعة للهجوم، ويمكن للمسلمين اللجوء إليه كآخر خيار متوفر لديهم للدفاع عن أنفسهم. ومن المفترض أن لا يبادئ المسلمون الهجوم، ويجب أن تكون الحرب واقعا لدرجة لا يكون معها أي خيار إلا الدفاع عن النفس. وحين تصبح الحرب فرض عين لأغراض دفاعية، يجب الالتزام الشديد بالقيم الإنسانية والأخلاقية. وبعبارات أخرى، منح الله المسلمين الإذن لشن حرب لأسباب دفاعية وحذر المسلمين من استخدام العنف غير الضروري. يقول الله تعالى: ‘وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين’ (البقرة:190).
وفي آية أخرى، أمر الله بالعدل وحذر المسلمين من الغضب حتى لا تكون أحكامهم ضد أعدائهم قاصرة: ‘يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْـــــدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ’. (المائدة:8). وعلينا ان نتذكر أنه في أوقات الحرب، يعتبر الامتناع عن القتال للدفاع عن النفس أو وقف الاضطهاد الذي يمارسه المهاجمون جريمة، لأنه يعني السماح بقتل الناس الأبرياء. ولهذا جاءت الأوامر بالقتال تذكيرا بفرض على المسلمين للقيام بعمل والتحرك. وفي جانب آخر، من المهم الملاحظة أن هناك واجبا لحماية السلام، يقول الله تعالى: ‘وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ’. كما نص القرآن الكريم على انه لا يسمح للقتال عندما يجنح الطرف الآخر للسلام، يقول الله تعالى:’إِلاَّ الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَىَ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ أَوْ جَاؤُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَن يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُواْ قَوْمَهُمْ وَلَوْ شَاء اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً’ (النساء:90).
كاتبة تركية
سينيم تيزيابار