الرئيسة \  تقارير  \  تصادم مصالح دولية على الأرض السورية:إصرار تركي على اجتثاث قسد من الشريط الحدودي والأسد ينتظر المكاسب

تصادم مصالح دولية على الأرض السورية:إصرار تركي على اجتثاث قسد من الشريط الحدودي والأسد ينتظر المكاسب

12.12.2022
حسام محمد

تصادم مصالح دولية على الأرض السورية : إصرار تركي على اجتثاث "قسد" من الشريط الحدودي والأسد ينتظر المكاسب
حسام محمد
القدس العربي
الاحد 11/12/2022
بات الشريط الحدودي السوري-التركي من أبرز الملفات الساخنة على الساحة السورية، حراك سياسي وضغوط تركية لطرد قوات سوريا الديمقراطية “قسد” من مدن منبج وتل رفعت في الشمال السوري، وهو ما أكده الرئيس التركي رجب طيب اردوغان في أوقات سابقة، أن بلاده “ستكمل الخط الأمني ​​على حدودها الجنوبية مع سوريا” مشدداً على أنه “لا أحد يستطيع عرقلة هذه المساعي”.
في حين قال متحدث الرئاسة التركية خلال لقاء مع قناة “الجزيرة” الناطقة بالإنكليزية: تركيا لا تطلب الإذن من أحد عندما يتعرض أمنها القومي للخطر، وإنما تكتفي بالتنسيق مع الحلفاء.
وأشار إلى أنه بموجب التفاهم التركي الأمريكي في 2019 كان يجب أن ينسحب عناصر “واي بي جي” مسافة 30 كم عن الحدود التركية باتجاه العمق السوري، وأن ذلك لم يحدث في انتهاك للتفاهم.
لكن الجهود التركية التي تضاعفت مؤخرا تصطدم بفيتو أمريكي-روسي لأي عملية تركية عسكرية برية، وهو ما أدى إلى طروحات ومفاوضات دولية تجريها موسكو مع أنقرة لثنيها عن العملية البرية مقابل حلول، يرى فيها مراقبون التفافا روسيا على المطالب التركية واستخدامها لتحقيق مكاسب أكثر، خاصة من ناحية الجغرافية والتمديد لصالح موسكو ودمشق معا.
وكانت قد أطلقت تركيا خلال شهر تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، عملية عسكرية في شمالي سوريا والعراق تحت مسمى “المخلب – السيف” وهي عملية نفذت من خلالها طائرات حربية تركية حملة قصفٍ مكثّف على عدة مواقع لـ “قوات سوريا الديمقراطية” و”حزب العمال الكردستاني” في سوريا والعراق.
العزم التركي على تحقيق مكاسب بما يخص تحجيم تمدد قوات “قسد” في الشمال السوري، وخاصة على الشريط الحدودي، يدفعها إلى تحقيق معادلات جديدة على الساحتين الميدانية والسياسية، لعل أبرز تلك التطورات ما قاله عمر جيليك المتحدث باسم حزب “العدالة والتنمية” في تركيا، إن تركيا قد تتعاون مع النظام السوري لمواجهة التهديدات “الإرهابية”.
وقال جيليك في تصريحات للصحافيين من مقر الحزب في أنقرة، نقلتها صحيفة “ديلي صباح” التركية: تركيا والنظام السوري “قد يتعاونان في نطاق إزالة التهديدات الإرهابية تجاه تركيا، وكذلك الحفاظ على وحدة الأراضي السورية”.
تطورات وملفات ساخنة تحمل في جعبتها ملامح متغيرات قد تطرأ على الساحة السورية، وصراع دولي لا تحمل الجولة الحالية له مؤشرات على توقفه عند هذا الحد، خاصة مع كثرة الأطراف الفاعلة في الملف السوري، وتعقيدات المشهد واختلاف وجهات النظر والرؤى المستقبلية.
فيتو أمريكي-روسي
أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا عن رفضهما لأي عملية عسكرية برية تركية في الداخل السوري تستهدف قوات سوريا الديمقراطية “قسد” المدعومة من التحالف الدولي وأطراف دولية أخرى.
الرفض الأمريكي، لم يخف أحقية تركيا في الدفاع عن نفسها في مواجهة الهجمات الإرهابية، إلا أن موقفها من العملية العسكرية التركية كان بـ “الرفض” إذ قال منسق الاتصالات في مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض جون كيربي “لا نريد أن نرى عمليات عسكرية تُجرى في شمال غرب سوريا، والتي ستعرض المدنيين لخطر أكبر مما هم عليه بالفعل وتهدد جنودنا وأفرادنا في سوريا وكذلك مهمتنا في مكافحة تنظيم الدولة”.
وأضاف المسؤول الأمريكي: “ندرك الخطر الذي يتعرض له الشعب التركي لكننا لا نعتقد أن فكرة العمليات العسكرية في شمال غرب سوريا هي أفضل وسيلة لمواجهة ذلك الخطر”.
الموقف الأمريكي من العملية العسكرية التركية، واكبه رفض روسي أيضا، حيث قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف: “سنعمل بحزم لضمان منع أي اعتداءات على وحدة أراضي سوريا”.
لتعود موسكو للحديث مجددا عن اتفاقية “أضنة” بين تركيا وسوريا، الموقعة عام 1998 والتي تمنح أنقرة الحق في ملاحقة “الإرهابيين” داخل الأراضي السورية وصولا لعمق 5 كيلو مترات فقط، واتخاذ الإجراءات الأمنية اللازمة حال تعرض أمنها القومي للخطر.
في حين أن القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية “قسد” رفض المقترح الروسي القائم على تسليم النظام السوري مناطق حدودية مع تركيا في الشمال السوري، لتجنيب المنطقة عملية عسكرية لوحت بها أنقرة.
ونقلت وسائل إعلام كردية عن مظلوم عبدي قوله إن قواته “لم تستلم هذه المناطق لتسلمها، إنما حررتها من تنظيم الدولة” الإسلامية.
وأضاف عبدي أنه لا يمكن تفكيك قواته في حال التوصل إلى أي تسوية سياسية بشأن الأوضاع في سوريا، معتبرا أن هذه القوات تستطيع أن تكون جزءا من المنظومة الدفاعية السورية مستقبلا.
النظام السوري يتنظر المكاسب
الأكاديمي والباحث في العلاقات السورية-الروسية محمود الحمزة، رأى من جانبه، أن واشنطن وموسكو تتفقان في غالبية المواقف التي تخدم النظام السوري ولا تلبي المطالب التركية، مشيرا لوجود دعم روسي-أمريكي لقوات سوريا الديمقراطية “قسد” وينسقان معها، وهو ما أدى إلى تصعيد الحراك والضغوط التي يقودها الرئيس التركي اردوغان على الدول الضامنة في مسار أستانا “روسيا وإيران” بالإضافة للولايات المتحدة لطرد قوات سوريا الديمقراطية من الشريط الحدودي السوري المحاذي لتركيا إلى مسافة 30 كم عن حدود بلاده.
إبعاد قوات سوريا الديمقراطية عن الحدود السورية-التركية يصب وفق ما قاله الحمزة لـ “القدس العربي” في صالح النظام السوري، وهو رغبة تركية أيضًا، معتبرا قوات “قسد” ذراعا لدمشق ولموسكو وواشنطن وطهران معا، وبأنها هي التهديد الأكبر للأكراد السوريين ومساعيها الانفصال يقودها حزب العمال الكردستاني.
الضغوط متعددة الجبهات التي يقودها الرئيس التركي حول هذه القضية، أدت إلى تحرك روسي عاجل رغم انشغال موسكو الكبير بحربها على أوكرانيا، بغية منع عملية عسكرية تركية برية تستهدف مواقع سيطرة قوات “قسد” على الشريط الحدودي، وهو ما أدى لطرح مبادرة روسية لتركيا، عنوانها سحب قوات قسد لقواتها العسكرية لمسافة 30 كم، مقابل الإبقاء على القوات الشرطية الكردية، وقوات النظام السوري، وهو ما رأى فيها المتحدث، التفافا روسيا على المطالب التركية، حيث أن قوات “قسد” من السهل أن تبقى في المنطقة بعد استبدال ملابسها العسكرية بالشرطية.
في حين لم يستبعد الحمزة في النتيجة النهائية، انسحابا أمريكيا وروسيا من منبج وتل رفعت في الشمال السوري لتصبح ضمن المناطق الخاضعة للسيطرة التركية وانحسار جديد في خريطة تمدد قوات “قسد” مستبعدا في ذات الوقت اضطرارا تركيا لعملية عسكرية برية.
تصادم مصالح على الأرض السورية
مصدر عسكري فضل حجب اسمه، قال لـ “القدس العربي”: فكرة الاجتياح البري للجيش التركي للمدن والبلدات الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية “قسد” في الشمال السوري تواجه برفض أمريكي وروسي وتأييد لضربات جوية تركية محدودة ومحددة الأهداف على أهداف عسكرية لـ “قسد” في عين العرب وعين عيسى وتل رفعت.
وأشار المصدر، إلى طلب واشنطن إبلاغها عبر غرفة العمليات قبيل تنفيذ ضربات ضد مواقع “قسد” وأن الأطراف الدولية المنخرطة في ملف قوات “قسد” لا تمانع بتنفيذ اغتيالات باستخدام الطيران التركي المسير.
كما رأى أن واشنطن من الصعب أن تتخلى عن مشروع قيام الحكم الذاتي بقيادة قوات “قسد” في الشمال السوري، معتبرا أن أصل ذلك يعود لفكرة ومشروع إسرائيلي-أمريكي، وأن الغاية منه، الإبقاء على سوريا بدون مقومات دولة وذات بنية هشة وضعيفة.
في حين أن روسيا، تسعى لاستغلال حالة الفوضى الحاصلة لنشر ميليشيات الفيلق الخامس في المنطقة، أما تركيا تحاول استغلال الأوضاع الدولية، خاصة ما يفرزه الغزو الروسي لأوكرانيا، لتحقيق أهداف أمنها القومي من خلال السيطرة على كامل الشريط الحدودي مع سوريا، في حال تمكنها من دخول المدن الخاضعة لسيطرة قوات قسد.
المصدر، أرجع رفض النظام السوري للعملية العسكرية التركية لعدم امتلاك الأسد لأي ملفات يمكنه تقديمها لأنقرة، وأن دمشق تتمسك بموقفها لعدم منح تركيا أوراق قوة قبيل الانتخابات الداخلية.
وأن الوضع الراهن في الشمال هو عبارة عن تصادم مصالح دولية على الساحة السورية، حيث استبعد المصدر، أن يؤدي ذلك إلى إحداث متغيرات جوهرية في خريطة الصراع الحالية، خاصة مع حالة التحالف القوية التي تربط “قسد” بالأمريكان كقوى محلية في سوريا، وتمتلك خبرة ميدانية في قتال تنظيم “الدولة”.
كما أن قسد تمتلك سجونا سرية لقيادات التنظيم، ممكن أن تطلق سراحهم في حال تم التخلي عنها، وبالتالي تشكيل ضغط على الأطراف الدولية لإعادة التنسيق معها.
مكاسب تركيا
مدير وحدة تحليل السياسات في مركز الحوار السوري محمد سالم، رأى أن تركيا ستظفر بنتائج مهمة فيما لو دخلت إلى مدينتي منبج وعين العرب في الشمال السوري، وأن تغير خريطة الصراع لصالحها سيحمل في جعبته العديد من التطورات، لعل أهمها نجاح أنقرة في السيطرة على كامل الشريط الحدودي مع سوريا، بعد تطهيره مما تصفه تركيا بالتهديد الأكبر لأمنها القومي.
كذلك ستكون تركيا قد نجحت أيضا بتقليل مستوى الهجمات التي تنفذها قوات سوريا الديمقراطية “قسد” ضمن المدن والبلدات التركية.
أما فيما يخص الحلول البديلة كالعروض الروسية الأخيرة التي تضمنت انسحاب قوات سوريا الديمقراطية مع أسلحتهم من عين العرب ومنبج بريف حلب، ومقترح الإبقاء على قوات الأسايش بعد دمجمها بالمؤسسة الأمنية للنظام السوري، فقد رأى فيها سالم، مجرد عروض روسية لتحقيق مكاسب لموسكو ودمشق من هذا الأمر من خلال توسيع مناطق النفوذ الروسية ونفوذ نظام النظام السوري، وهذا ما ظهر أيضا في العرض الروسي الأخير، حيث ستصبح المنطقة تحت سيطرة قوات دمشق، مع اندماج قوات الأسايش الخاصة بقسد في المنظومة الأمنية الخاصة بنظام الأسد، الأمر الذي قد لا يكون مريحا للأتراك، لكنهم قد يقبلوه على مضض مرحلياً، وقد لا يقبلوه لصعوبة تطبيقه.
وفي دراسة، أعدها مركز “جسور” للدراسات، يظهر أن التصعيد الحالي في الموقف يمثل إحدى مراحل التفاوض بالقوة بين الفاعلين الدوليين في سوريا، ويهدف إلى وضع قسد تحت الضغط الأقصى، بحيث تكون أمام خيارين، إما سيطرة تركيا على عدّة مناطق، لا سيما تل رفعت وعين العرب (كوباني) وعين عيسى، أو سيطرة النظام عليها من دون أي عمليات قتالية. وستكون قسد في كِلا الحالتين الطرف الخاسر.
وأن السيناريو الأمثل بالنسبة لتركيا، هو ذلك الذي يخول المعارضة السورية من السيطرة على مناطق نفوذ قوات سوريا الديمقراطية.
في المقابل، فالنظام وحلفاؤه يرغبون بإنهاء جيب تل رفعت شمال حلب، والذي أُنشئ في ظروف لم تعُد قائمة حالياً، كما أن لديهم رغبة في إنهاء موقف قسد المتعنّت خلال التفاوض مع النظام. وقد ينظَر في هذا الصدد إلى استخدام تركيا للقوة بمثابة فرصة لإخضاع قسد للشروط المقبولة من قِبل إيران وروسيا.