الرئيسة \  واحة اللقاء  \  تصريحات خامنئي وحسابات أمريكا في الأخذ والعطاء

تصريحات خامنئي وحسابات أمريكا في الأخذ والعطاء

14.09.2015
وائل مرزا



المدينة
الاحد 13/9/2015
تصريحات خامنئي وحسابات أمريكا في الأخذ والعطاء لم تمضِ ثلاثة أيام على توقيع الاتفاق العتيد بين إيران وأمريكا؛ حتى خرج المرشد علي خامنئي بتصريحات نارية، كان مما قاله فيها: "إن سياستنا تجاه حكومة الولايات المتحدة المغرورة لن تتغير".
كان المرشد يخطب، وأمامه منصةٌ كُتبت عليها بالفارسية عبارة: "سوف نسحقُ أمريكا"، في حين كُتب تحتها بالإنجليزية "نحن نهزم الولايات المتحدة".. أكثرَ من ذلك، انتبهت بعض وسائل الإعلام إلى أن المرشد كان يتحدث؛ في حين سُنِدَ إلى المنصة أمامه رشاشٌ حربي!
من المؤكد أن (الاستهلاك الداخلي) أحدُ أسباب تلك التصريحات والرموز. لهذا، ربما، قال وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، عندما سُئل عن الموضوع يومها: "أنا أعلم أنه يحدث عادةً أن تُطلق بعض التصريحات بشكلٍ علني، في حين أن القضايا تتبلور، عمليًا، بشكلٍ مختلف".
رغم هذا، تقتضي مصلحتنا ألا نقف عند ذلك التفسير، خاصةً في معرض فهم سياسة الولايات المتحدة، في المنطقة تحديدًا، بحثًا عن مداخل التعامل معها بشكلٍ محترفٍ وخلاق، يصل بنا إلى تحقيق الأهداف الاستراتيجية المطلوبة من العلاقة معها.
فخلال الأسبوع الماضي مثلًا أعرب الرئيس الإيراني، حسن روحاني، عن استعداد بلاده لـ"الجلوس على أي طاولة مفاوضات في أي مكان من العالم، مع دول داخل المنطقة وخارجها". كان هذا إشارةَ (انفتاح) من المؤكد أن أمريكا مقصودةٌ بها، ولو أن الحديث كان موجهاً للأوربيين أيضاً، بِحُكم إدراك إيران لدور واشنطن الحاسم والنهائي في صناعة القرارات المتعلقة بالمنطقة، بغض النظر عن الهوامش المتروكة لأوروبا.
هنا أيضًا، خرج المرشد بتصريحات نارية أخرى تتعلق بأمريكا. وكان مما تناقلته وكالات الأنباء منها حديثه عن "الخطوة التاريخية للإمام الخميني في إعطاء لقب الشيطان الأكبر لأمريكا"، متسائلًا: "أي عقل وضمير يسمح أن نُصوّر مجرمًا مثل أمريكا على أنها صديق وجديرة بالثقة؟".. ومُحذرًا من "سياسات أمريكا وأساليبها للتغلغل" في إيران، ومن أن "الشيطان الذي طرده الشعب من الباب، يعتزم العودة من النافذة، وعلينا ألا نسمح بذلك". هذا دون أن ينسى الحديث عن العناصر الضرورية لـ"المواجهة المقتدرة مع العداء الذي لا ينتهي للشيطان الأكبر"، ويؤكد بعد ذلك أن إيران قبلت "التفاوض مع أمريكا في الملف النووي فحسب، ولأسباب معيّنة.. لكننا لم ولن نسمح بالتفاوض مع أمريكا في قضايا أخرى".
لنتأمل، مرةً أخرى، في العبارات والألفاظ والاتهامات الحادة الواردة في كلام المرشد عن أمريكا. ثم نتساءل: هل كانت التصريحات الأولى مدعاةً لأي تأثير سلبي في العلاقات والتفاهمات الأمريكية الإيرانية؟ لا، بكل وضوح. وهذا نصيبُ التصريحات الأخيرة بالتأكيد.
لا يمكن تفسير الظاهرة، كما يُبسُّطها البعض، بغرامٍ مفاجئ بين البلدين يصبح فيه النقدُ عتابَ أحباب. ولا هو اتفاقٌ (أيديولوجي) سري بين الشيعة وأوباما!.. كما يَهرِفُ آخرون.
إنه توزيع أدوار باستراتيجية (الصقور والحمائم) في مجال السياسة، أو (الشرطي الطيّب والشرطي المتوحّش) في مجال التحقيق الجنائي. وهذه استراتيجيةٌ تستجيبُ لها حتى أمريكا، بأكثر مما نتصور، إذا تم استعمالها بإتقان وجدية.
في إطار استعمال تلك الاستراتيجية، جاءت التصريحات السعودية الإيجابية بخصوص الاتفاق النووي خلال زيارة الملك سلمان إلى واشنطن، ومعها فتحُ الباب للاستثمارات الأمريكية. ومن جانبٍ آخر، كان مقصودًا تزامنُ ذلك مع تصاعد الحزم السعودي في اليمن باتجاه الحسم.
بشيءٍ من حسابات (الأخذ والعطاء) السياسي، قد يكون هذا، تحديدًا، الوقتَ المناسب لجرعةٍ مماثلةٍ من الحزم في الموضوع السوري