الرئيسة \  واحة اللقاء  \  تضرب أميركا..أو تتخلى عن زعامة العالم

تضرب أميركا..أو تتخلى عن زعامة العالم

12.09.2013
خيرالله خيرالله
المستقبل



المستقبل
الاربعاء 11/9/2013
تضرب أو لا تضرب؟ كلّ ما يمكن قوله أن لا خيار آخر أمام الادارة الأميركية سوى أن تضرب. الضربة الاميركية آتية يوما. قد تتأخّر، لكنّها آتية...على الرغم من أنّ ما يفعله الرئيس باراك اوباما حاليا يصبّ بكل بساطة في اطالة الحرب على ارض سوريا من أجل الامعان في تفتيت هذا البلد العربي المهمّ، بما في ذلك مؤسسة القوات المسلّحة التي لم تنخرط في معظمها في الحرب التي يشنّها النظام الفئوي على شعبه منذ ما يزيد على ثلاثين شهرا.
لو كان أوباما صادقا في نيّته مساعدة الشعب السوري، لما كان تردّد في الاعلان صراحة أنّ الهدف الانتهاء من النظام. قال ذلك، في بداية الثورة السورية، ثم تراجع. ما لبث أن نسي، أو تناسى ما يتعرّض له السوريون. انتظر استخدام النظام السلاح الكيمياوي من أجل أن يستفيق مجددا ويتوعّد بتوجيه ضربة ما قد لا تؤدي الغرض المطلوب في حال لم تكن قاصمة.
هل المشكلة في السلاح الكيمياوي الذي قتل نحو الف وخمسمئة مواطن سوري في الغوطة أم في سلوك نظام سبق له ولجأ الى هذا السلاح في مناطق سورية أخرى وقتل، في أقلّ تقدير، ما يزيد على مئتي الف سوري بكل الوسائل المتاحة منذ آذار- مارس 2011؟
انه نظام لم يتردد يوما في اللجوء الى القتل في سوريا أو في لبنان. قصف مدنا لبنانية وحاصرها في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي وقتل من الشعب الفلسطيني أكثر بكثير مما قتلت اسرائيل وهو يرفع شعار "المقاومة" و"الممانعة". فوق ذلك كلّه، لا ينسى السوريون انه ارتكب مجزرة حماة في العام 1982 كي يؤكد أن الموت مصير كلّ من يتجرّأ على قول كلمة لا. أما اللبنانيون، فانهم لا يستطيعون أن ينسوا انه قاتل كلّ الشخصيات اللبنانية التي سعت في يوم من الايّام الى تأكيد أن لبنان بلد مستقل له خصوصيته وليس محافظة سورية...
لا شكّ أن ليس في الامكان تجاهل أنّ الادارة الاميركية تعاني من عقدة حربين خاضتهما حديثا، في أفغانستان والعراق ولا تزال غارقة في احداهما، أي في أفغانستان. كذلك ليس في الامكان تجاهل أنّ الاميركيين عموما ليسوا متحمّسين لحرب جديدة قد تكلّف الاقتصاد الاكبر في العالم غاليا.
ولكن ما لا يمكن تجاهله في أيّ حال من الاحوال أن زعامة اميركا للعالم باتت على المحكّ وأن عصر القوة العظمى الوحيدة في العالم مهدّد بالانتهاء باكرا أي بعد أقلّ من ربع قرن على انهيار جدار برلين في خريف العام 1989. كان انهيار الجدار مؤشرا الى انتهاء الحرب الباردة وقرب تفكيك الاتحاد السوفياتي الذي كان طوال نحو اربعة عقود قوة عظمى استطاعت ايجاد توازن معيّن مع الولايات المتحدة وحلفائها على الصعيد العالمي.
كان وجود الاتحاد السوفياتي عاملا ساهم الى حدّ كبير في تعطيل أيّ مبادرة يمكن أن تقدم عليها الولايات المتحدة في اتجاه المساعدة في دعم المجتمعات التائقة الى التقدّم والحرية. وقد قبلت الادارات الاميركية بهذا الواقع وشاركت في بعض الاحيان في دعم أنظمة ديكتاتورية من منطلق أنها معادية للاتحاد السوفياتي لا أكثر...
اضافة الى ذلك كلّه، راهن الكرملين في الخمسينات والستينات والسبعينات والثمانينات من القرن الماضي على الانظمة العسكرية التي تعتمد على اجهزتها الامنية لاذلال المواطن والتي خرّبت المجتمعات العربية وحولت بلدانا مثل مصر وسوريا والعراق وليبيا وحتى الجزائر...وصولا الى ما كان يسمّى اليمن الجنوبي، الى بلدان محكومة من انظمة توتاليتارية تؤمن بكلّ شيء باستثناء حرّية المواطن وكرامته.
انتهى العصر الاميركي أم لم ينته؟ كلّ شيء يتوقف على ما سيجري في سوريا حيث الخيار واضح . انّه بين تفتيت البلد وبين اعادة بنائه على اسس تلبي طموحات السوريين الذين ثاروا على الظلم والحرمان والتخلّف وعلى العائلة التي حاولت، ولا تزال تحاول استعبادهم منذ ما يزيد على اربعين عاما.
ليس مطلوبا ولا مقبولا أن تدفع سوريا ثمن الحربين الاميركيتين في افغانستان والعراق ولا ثمن الازمة الاقتصادية الداخلية التي تسببت بها هاتان الحربان. يفترض أن يعي الاميركيون أنّ انقاذ سوريا من نظام العائلة لا يعني فقط المراهنة على الشعب السوري وعلى اعطائه فرصة كي يعيد بناء البلد استنادا الى اسس جديدة في مقدّمها اعتماد القانون مرجعية لكل مواطن. ما يعنيه العمل على انقاذ سوريا، أكثر من أي شيء آخر، أنّ اميركا ترفض العودة الى الحرب الباردة والرضوخ للابتزاز الروسي والايراني.
صحيح أنّ ليس ما يضمن انقاذ سوريا، حتى لو اقتُلع النظام من جذوره، لكنّ الصحيح أيضا أن سوريا تستأهل جهدا اميركيا ودوليا صادقا من أجل وقف المجزرة التي يتعرّض لها شعب بكامله. اذا كانت الاشهر الثلاثين الماضية دلّت على شيء، فانّها دلّت على أن الشعب السوري يقاوم وانّه شعب اصيل وفريد من نوعه ليس بين الشعوب العربية فحسب، بل بين شعوب العالم ايضا.
من كان يتوقّع كلّ هذا الصمود في وجه الوحشية التي يمارسها النظام والتي لم تقتصر على الاسلحة الكيمياوية؟ قبل الاسلحة الكيمياوية، كان القصف المدفعي والبراميل المتفجّرة. كان هناك قتل من أجل القتل ومن أجل أن يقول بشّار الاسد انه لا يواجه شعبه في حمص وحماة وحلب ودمشق ودرعا واللاذقية وادلب وكلّ مدينة وقرية سورية، بل يواجه "ارهابيين".
صار هناك "ارهابيون" في سوريا بعدما اعتمدت ادارة اوباما الاجندة الاسرائيلية وقرّرت اطالة الحرب التي يشنّها النظام على السوريين. كلما طالت هذه الحرب، كلّما زاد عدد "الارهابيين". هل هذا ما تريده اميركا في سياق قبولها بالرضوخ للروسي والايراني، كما لو أنّ العالم لم يتغيّر وأّنه في عز الحرب الباردة!