الرئيسة \  واحة اللقاء  \  تطهير ديني في سوريا

تطهير ديني في سوريا

17.08.2015
سمير الحجاوي



الشرق القطرية
الاحد 16/8/2015
دخلت الثورة السورية في منعطف جديد، يتمثل بتكالب "الأعداء والأصدقاء" بازار التصفية العملية للثورة، من أجل ترتيب الأوضاع هناك على قاعدة "لا غالب ولا مغلوب" و"الشراكة بين المتنازعين" من خلال حل "توافقي" تجمع عليه الأطراف الإقليمية والدولية للخروج مما يطلقون عليه "المأزق السوري".
فهم "الطبخة الإقليمية الدولية" حول سوريا يتطلب جمع الخيوط في المشهد الإقليمي لتحديد مؤشرات الاتجاه في المرحلة المقبلة، وهذا يتطلب تسليط الضوء على مواقف اللاعبين الفاعلين في الملف السوري.
لا شك أن فرسي الرهان في ترتيب الأوضاع في سوريا هما نظام الأسد والثوار، فهما العنوانان الرئيسيان للمنازلة الدامية المستمرة منذ أكثر من 4 سنوات، وبينما يتمتع نظام الأسد بتأييد "أصدقاء حقيقيين" في إيران وروسيا وحزب الله والمليشيات الشيعية العراقية، فإن الثوار السوريين دون "أصدقاء حقيقيين"، وبالتالي فهم يقاتلون وظهورهم إلى الحائط، وبينما تقدم إيران وروسيا وحزب الله، المال والسلاح والرجال والدعم السياسي، فإن "أصدقاء الثوار السوريين" يقدمون "المبادرات من أجل حل سلمي" مع تقديم بعض الأسلحة لهذا الفصيل أو ذاك من أجل منع الأسد وإيران وحزب الله من التفرد بالسيطرة على سوريا، وانتفاء إمكانية التفاوض معهم، ولهذا فإن الدعم الذي يقدمه هؤلاء "الأصدقاء" ليس أكثر من "دعم وظيفي" للثورة، يصب في مجرى الحلول السياسية على قاعدة "الشراكة بين نظام الأسد والثوار" مع إخراج بشار الأسد من المشهد، وهذه العقلية هي السائدة منذ بداية الثورة السورية وحتى الآن.
المطروح من الناحية العملية "وقف الثورة مقابل اختفاء الأسد" من المشهد، مما يعني بالضرورة تقاسم السلطة بين "المعارضة والنظام" وهو ما تتبناه روسيا وإيران وأمريكا ولا تعارضه الأطراف العربية "المؤيدة" للمعارضة السورية.
هذه "الطبخة" لم تنجح حتى الآن، رغم الزخم السياسي والدعم العلني والسري لها، بسبب تعقيدات الوضع على الأرض، وهي تعقيدات ناتجة عن تعدد فصائل الثوار، ورفض البعض منها، خاصة جبهة النصرة وبعض الفصائل الإسلامية، لأي تواجد لأركان نظام الأسد في المستقبل مهما كان الثمن، وهو ما دفع هذه الفصائل إلى الإصرار على القتال والاستمرار بمنازلة نظام الأسد في كل أنحاء سوريا، مما خلق حالة من "توازن الرعب" بين الطرفين.
إيران تفهم هذه المعادلة، وهي أكثر خبرة ودراية ومعرفة وذكاء وحنكة من الأمريكيين، ولذلك بدأت بنسج خيوط "الحل الواقعي" المنسجم مع الأوضاع على الأرض، في استجابة مرنة للتطورات العسكرية التي تمكن خلالها الثوار من بسط سيطرتهم على أجزاء واسعة من سوريا، وتقوم الإستراتيجية الإيرانية في سوريا على أساس "العمليات الجراحية الموضعية"، وبدلا من التعامل مع سوريا على أنها "وحدة واحدة"، فإنها تتعامل "بالقطاعي"، وهذا ما يفسر إصرار الإيرانيين ومعهم حزب الله على إجراء عملية "تطهير عرقي وديني" لمنطقة الزبداني، وتهجير سكانها ونقلهم إلى مناطق أخرى، مقابل نقل سكان قريتي "الفوعة وكفريا" الشيعة إلى مناطق قرب دمشق، أو حتى إلى الزبداني نفسها، وذلك لضمان التواصل الجغرافي والبشري بين دمشق والمناطق العلوية في الساحل السوري، وتأمين المناطق اللبنانية الشيعية المحاذية على الطرف الآخر من الحدود، مما يؤسس لتقسيم سوريا وقيام دولة علوية في المناطق الساحلية، مع وصول الإيرانيين إلى قناعة أن سوريا تحولت إلى حرب استنزاف، وأن إمكانية السيطرة على كل الأراضي السورية أمر بعيد المنال، وغير وارد في الظروف الحالية، وأنه يمكن أن يكون أكثر تعقيدا في المستقبل.
هذه الإستراتيجية الإيرانية تؤيدها الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وأطراف عربية، وهذا ما يفسر الحركة السياسية الدءوبة للروس والأمريكيين، فالروس يستضيفون اجتماعات "للمعارضة المعتدلة"، والأمريكيون يجتمعون سرا مع أركان النظام السوري، والأطراف العربية الفاعلة تعلم أنها في ظل وجود توافق "أمريكي- روسي"، فإنها ستكون مرغمة على القبول "بالطبخة "الإيرانية الروسية الأمريكية" على غرار الاتفاق النووي، ولن تملك هذه الأطراف العربية القدرة على المناورة. وهي ستبادر إلى بيع "الأصدقاء السوريين" بثلاثين من الفضة، دون حتى أخذ مصالحها بالاعتبار، مع حقيقة تحول إيران إلى اللاعب الإقليمي الأقوى والأكثر نفوذا باعتراف أمريكي أوروبي روسي.