الرئيسة \  تقارير  \  تطورات شرق المتوسط وعرض بوتين لأوروبا : هل اقتربت تركيا من حلم “الممر الاستراتيجي للطاقة”؟

تطورات شرق المتوسط وعرض بوتين لأوروبا : هل اقتربت تركيا من حلم “الممر الاستراتيجي للطاقة”؟

17.10.2022
إسماعيل جمال


إسماعيل جمال
القدس العربي
الاحد 16/10/2022
إسطنبول ـ “القدس العربي”: عقب أيام من توقيع اتفاق استغلال غاز شرق المتوسط بين تركيا وليبيا وتوقيع اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل وما يحمله من دلائل على إمكانية حل الخلافات البحرية بين تركيا واليونان، قدم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عرضاً لأوروبا يقضي بإنشاء مركز في تركيا لنقل الغاز إلى القارة عبر الأراضي التركية، في تطورات متسارعة ترى فيها أنقرة خطى نحو تحقيق حلم البلاد في التحول إلى “ممر استراتيجي للطاقة” في المنطقة. ومنذ سنوات طويلة، تعمل تركيا من أجل أن تتحول إلى “ممر استراتيجي” لنقل الطاقة العالمية لا سيما بين الشرق المنتج والمصدر الأول للبترول والغاز الطبيعي، والغرب الذي يزيد طلبه وحاجته وبات يبحث عن بدائل مختلفة لمصادر الطاقة، ورغم الصعوبات الكبيرة إلا أن أنقرة قد نجحت بالفعل في السيطرة على حصة الأسد من خطوط نقل الطاقة من الشرق إلى الغرب، على أن تبقى التطورات المتسارعة في أوكرانيا شرقي البحر المتوسط حاسمة فيما يتعلق بالطموح التركي برسم خريطة خطوط الطاقة العالمية.
وتعتبر أنقرة أن “موقعها الاستراتيجي” يخولها بأن تكون ممرا رئيسيا لكل خطوط الطاقة العالمية الرئيسية، لكن الخلافات والاضطرابات السياسية والأمنية الكبيرة التي شهدتها المنطقة في السنوات الأخيرة، أجلت الكثير من مشاريع خطوط الغاز، وجمدت مباحثات بين تركيا وإسرائيل لمد خط غاز شرق المتوسط من خلال الأراضي التركية، قبل أن يتم استبعاد أنقرة عبر حلف شرق المتوسط الذي ضم إسرائيل ومصر واليونان وقبرص، إلا أن هذه المعادلات بدأت تتغير سريعاً عقب تفجر الحرب الأوكرانية الروسية ودخول أوروبا في أزمة طاقة صعبة.
خطوط استراتيجية
ومن أبرز خطوط الطاقة التي تمر من تركيا خط “السيل التركي” الذي يتكون من أنبوبين لنقل 15.75 مليار متر مكعب من الغاز سنويا من روسيا إلى تركيا وأوروبا مرورا بالبحر الأسود، حيث يغذي الأنبوب الأول من المشروع تركيا بالغاز الطبيعي، بينما يغذي الأنبوب الثاني دول شرقي وجنوبي أوروبا. ويمتد الأنبوب من روسيا إلى تركيا ودول أوروبية، مروراً بالبحر الأسود إلى البر التركي، لينتهي عند الحدود التركية-اليونانية، حيث تقام مستودعات ضخمة للغاز، ومن ثم توريده للمستهلكين في أوروبا.
كما ربطت تركيا بين خط أنابيب تاناب الذي يعبر الأراضي التركية، مع خط أنابيب تاب العابر للبحر الأدرياتيكي، وهو أحد فروع البحر المتوسط الذي يفصل شبه الجزيرة الإيطالية عن شبه جزيرة البلقان، وسبق ذلك افتتاح الجزء الأول العابر للأناضول في ولاية أسكي شهير التركية. ويمتد تاناب من الحدود التركية مع جورجيا، عبر 20 ولاية تركية، وينتهي عند الحدود اليونانية في ولاية أدرنة، وتبلغ طاقته السنوية 16 مليار متر مكعب، ستوصَّل 6 مليارات منها إلى تركيا وتُخصَّص المليارات العشرية المتبقية للأسواق الأوروبية عبر تاب.
وتعتبر تركيا أن مشروع نقل الغاز الطبيعي الأذري إلى أوروبا عبر أراضيها، خطوة استراتيجية مهمة إذ لعب دوراً محوريّاً لتأمين أنقرة لإمدادات الطاقة لنفسها ولأوروبا. كما يتيح المشروع إمكانية نقل الدول المالكة لاحتياطي واسع من الغاز الطبيعي، وعلى رأسها دول منطقة بحر قزوين، مصادر الطاقة إلى الأسواق العالمية عبر تركيا، حيث بدأت تزيد بشكل لافت كميات الغاز التي تعبر من دول بحر قزوين إلى أوروبا عبر تركيا.
حلم شرق المتوسط
منذ سنوات طويلة تسعى تركيا لأن تكون أراضيها الممر الرئيسي لخط ينقل الاكتشافات الضخمة من الغاز في شرق البحر المتوسط إلى أوروبا، إلا أن هذه المساعي واجهت صعوبات كبيرة طوال السنوات الماضية في ظل خلافاتها العميقة مع دول المنطقة التي تحالفت وتكاتفت من أجل مشروع بديل يستثني تركيا وهو ما تمثل في مشروع ميد إيست الذي أعلن عن فشله رسمياً عقب سحب الدعم الأمريكي وتغير الحسابات والتحالفات في المنطقة.
فتركيا التي نجحت في توقيع اتفاق لترسيم الحدود البحرية مع ليبيا كان بمثابة فيتو على كافة مشاريع شرق المتوسط حيث يفرض الاتفاق على أي دولة الحصول على إذن تركيا، ما أعقب ذلك مسار إعادة تطبيع العلاقات وإنهاء الخلافات مع الإمارات والسعودية اللتان دعمتا اليونان سابقاً وإسرائيل التي يعتبر قراراها حاسماً في هذا المسار، إلى جانب محاولات إعادة تطبيع العلاقات مع مصر.
كل المتغيرات السابقة، أضيفت لها ارتدادات الحرب الروسية الأوكرانية ودخول أوروبا في أزمة طاقة حادة جداً دفعت كافة الأطراف لإعادة التفكير عميقاً في أي طريقة يمكن أن تساعد في إنشاء خط غاز لنقل شرق المتوسط إلى أوروبا وهو الخيار الاستراتيجي الوحيد للاستغناء على الغاز الروسي أو تقليل الاعتماد عليه حتى، وفي ظل الحاجة العاجلة أيضاً فإن المقترح التركي هو الأسرع والأوفر والأسهل في التطبيق وهي نظرية تؤكد عليها أنقرة منذ سنوات.
وفي ظل هذه التطورات، جاء الاتفاق المفاجئ بين لبنان وإسرائيل على ترسيم الحدود البحرية ليدعم التكهنات التي تقول إن الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا يتوقع أن يمارسون ضغطاً كبيراً من أجل إنهاء الخلافات في شرق المتوسط من أجل الوصول إلى توافق وإنشاء خط يوصل الغاز من هناك إلى أوروبا، حيث مارست إدارة بايدن ضغوطاً كبيرة ومباشرة على بيروت وتل أبيب وهو ما أفضى إلى توقيع الاتفاق، وكخطوة مقبلة يتوقع أن تمارس الدول الغربية ضغوطاً على تركيا واليونان لإنهاء الخلافات وهو ما يرى محللون أتراك أنه سيصب في صالح أنقرة بشكل مباشر.
ومع زيادة قدرات أسطول التنقيب التركي، والاتفاق الأخير بين أنقرة وطرابلس الذي سيسمح ببدء التنقيب في مناطق ترسيم الحدود البحرية بين البلدين، يتوقع أن تشهد السنوات المقبلة اكتشافات تركية ليبية وفي حال نجحت بالفعل مخططات تمرير خط أنابيب من شرق المتوسط إلى أوروبا عبر الأراضي التركية، سوف تكون أنقرة الممر الاستراتيجي الأول للطاقة بكل ما يحمله ذلك من أبعاد سياسية واقتصادية استراتيجية.
مقترح بوتين
أعادت حادثة التفجير لخطوط “نورد ستريم” لنقل الغاز من روسيا إلى أوروبا عبر بحر البلطيق مجدداً إبراز مكانة تركيا كمرر استراتيجي “إجباري” لنقل الطاقة إلى أوروبا. وعلى مدى العقود الماضية، لم ترغب العديد من الدول الأوروبية في ربط امداداتها بالطاقة من تلك الخطوط التي تمر من تركيا لأسباب مختلفة أبرزها عدم الرغبة في منح تركيا مكانة أكبر كمرر استراتيجي للطاقة، بينما لا تخفي دول أوروبية أن تستخدم تركيا هذه الورقة من أجل ممارسة ضغوط سياسية على الاتحاد الأوروبي، إلا أن تفجير نورد ستريم والحاجة الماسة يمكن أن يدفع دول القارة للبحث عن بدائل وحلول وسط.
أبرز البدائل المتوقعة ما اقترحه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الخميس، عندما قال إن تركيا أثبتت أنها الطريق الأكثر موثوقية لتزويد الاتحاد الأوروبي بالغاز، وأضاف قبيل لقاء جمعه مع الرئيس التركي رجب طيب اردوغان في أستانة: “نشحن الغاز إلى الدول الأوروبية عبر تركيا، التي أثبتت أنه يمكنها أن تكون الطريق الأكثر موثوقية لتوريد الغاز إلى الاتحاد الأوروبي” معتبراً أن ذلك حصل “بفضل نهج اردوغان حيال خط أنابيب السيل التركي”.
وسبق ذلك بيوم تأكيد بوتين أن قوة خطوط أنابيب “قوة سيبيريا” و”السيل التركي” أثبتت فعاليتهما، لافتاً إلى أن “روسيا تسلم كميات ليست كبيرة، ولكن جيدة من الغاز إلى أوروبا عبر أنابيب السيل التركي” مقترحاً جعل تركيا “الطريق الرئيسي” لشحنات الغاز الروسي إلى أوروبا، عبر بناء مركز للطاقة في تركيا لهذا الغرض. وعن تفاصيل المقترح قال بوتين: “في إطار عمل هذا المركز، الذي يمكننا إنشاؤه معا سيكون منصة ليس فقط للإمدادات ولكن أيضا لتحديد السعر، لأن هذه قضية مهمة للغاية – قضية التسعير.. الأسعار مرتفعة اليوم، ويمكننا بسهولة تنظيمها على مستوى السوق العادية، بدون أي تدخلات سياسية”.
وتعقيباً على اقتراح بوتين، قال وزير الطاقة التركي فاتح دونماز أنه يمكن لتركيا تقييم الاقتراح في جعل تركيا “الطريق الرئيسي” لشحنات الغاز الروسي إلى أوروبا، لافتاً إلى أن بلاده استكملت العديد من المشاريع الدولية في مجال الطاقة في الوقت المحدد، وأن المقترح الروسي ممكن تقنيا ويتطلب إجراء دراسات جدوى وتقييما فنيا وتجاريا وقانونيا.
من جهته، أكد الرئيس التنفيذي لبورصة اسطنبول للطاقة، أحمد تورك أوغلو، أن البنية التحتية في تركيا جاهزة لإنشاء مركز غاز كبير، وقال: “بنيتنا التحتية جاهزة لتكون مركزا لتبادل الغاز”. وأشار إلى أنه لا يعرف بعد ما هو بالضبط جوهر إنشاء مركز للطاقة في تركيا “لكن في رأيي، يجب أن تكون مثل البورصات من نوع TTF البنية التحتية في تركيا جاهزة للتداول الفوري وسوق العقود الآجلة”.
واعتبر المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، بأنه سيتعين على أوروبا شراء الغاز الروسي، و”السيل التركي” هو المسار الوحيد الموثوق به، لذلك تم اقتراح إنشاء مركز غاز في تركيا، مشيراً إلى أن تركيا مهتمة بتأسيس مركز جديد للغاز، وقال: “كان هناك رد فعل إيجابي للغاية ومهتم”.