الرئيسة \  واحة اللقاء  \  تعالوا إلى جنيف لإنقاذ سوريا: إمكانية نجاح المؤتمر بعد تجاوز الصعاب

تعالوا إلى جنيف لإنقاذ سوريا: إمكانية نجاح المؤتمر بعد تجاوز الصعاب

07.12.2013
د.عبد الحميد صيام


القدس العربي
الجمعة 6/12/2013
جنيف 2 على الأبواب. الأمم المتحدة تحضر للمؤتمر بكل دقة وحذر. الدولتان الراعيتان للمؤتمر، روسيا والولايات المتحدة، تحاولان التوصل إلى اتفاق قبل الاجتماع حول قائمة المشاركين في المؤتمر وحول مستقبل سوريا بعد المؤتمر ولا تريدان للمؤتمر أن يفشل لأن اللوم سيقع عليهما حتى لو لم يكونا يقصدان ذلك. النظام يؤكد أن الأسد باق ولن يلتزم بأية نتيجة إذا لم يوافق عليها الرئيس. أما المعارضة فما زالت منقسمة بين مقاطع للمؤتمر ومشارك بشروط مسبقة أهمها ضمان ألا يكون هناك مكان لنظام الأسد بعد المؤتمر. رغم الصعوبات الجمة فإننا نتمنى على كل الحريصين على سوريا الوطن والشعب والتاريخ والحضارة والمستقبل والعمل على إنقاذ ما تبقى من حبيبتنا سوريا وشامة عروبتنا دمشق ‘فالماء يبدأ من دمشق …والعشق يبدأ من دمشق… والدهر يبدأ من دمشق وعندها وبأرضها تتشكل الأحقاب’.
لقد وصلت الحرب الأهلية داخل سوريا أو الحرب بالوكالة/ سمها ما شئت، وبعد أكثر من 33 شهرا إلى نقطة التوازن، بحيث لم يعد الحسم العسكري ممكنا ولم يبق أمامهما إلا الجلوس الى طاولة المفاوضات والاستعداد لتقديم تنازلات مهمة للخروج من الأزمة القاتلة التي دمرت البنية الأساسية للدولة السورية ومزقت نسيج المجتمع السوري وشردت ثلثه خارجيا أو داخليا وأودت بحياة الآلاف وألحقت الأذى بالموروث الحضاري العظيم لبلد يعتبر موطئ أول حضارة إنسانية بقيت متواصلة لم تنقطع عبر القرون. لهذا تستعد الدول الكبرى الآن لعقد مؤتمر ‘جنيف 2 استكمالا للقاء سابق في نفس المدينة عقد في 30 حزيران/يونيو 2012 صدر عنه إعلان جنيف لحل الأزمة السورية سياسيا. وقد شارك في اللقاء الأول الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي وتركيا وقطر والعراق وغابت عنه كل من إيران والسعودية ومصر. في هذه المرة نعتقد أن الجميع سيكون حاضرا في اللقاء لأن غياب بعض الدول أخطر من حضورها وإبقاء بعض اللاعبين المهمين خارج الملعب قد يؤثر على قواعد اللعبة كلها. كما نتوقع أن تكون نقطة انطلاق جنيف 2 من آخر ما توصل إليه لقاء جنيف 1 أي موضوع وقف إطلاق النار والسماح لمنظمات الإغاثة بالوصول إلى كافة أرجاء سوريا وإطلاق سراح المعتقلين وعددهم بالآلاف ومن ثم الاتفاق على ولوج المرحلة الانتقالية بقيام حكومة ذات صلاحيات فعلية تنقل البلاد إلى مرحلة الاستقرار والإعمار والبناء وتشييد نظام سياسي تمثيلي تعددي يعكس نسيج سوريا الاجتماعي ذا الألوان المختلفة والأطياف المنوعة. ومع كل هذا التفاؤل إلا أن هناك من يشكك في إمكانية عقده في موعده المحدد، وإذا عقد فعلا فقد تشهد قاعة الاجتماعات انهيارا سريعا بسبب تعنت الأطراف وتمترسها خلف مواقفها الثابتة بدون تقديم تنازلات، كما أن خلافات قد تظهر بين أطياف المعارضة المشاركة فتنقسم في ما بينها مما يؤدي إلى انسحاب أطراف منها من جلسات المؤتمر، وفي حال تذليل كل تلك العقبات هل سيتمكن المؤتمر من الاتفاق على حل شامل وحقيقي يخرج سوريا الوطن والشعب من دوامة العنف والقتل والتدمير والتشريد والتجويع والتجاذب الطائفي؟ هذه أسئلة ما زالت قيد البحث والتمحيص، خاصة من قبل اللاعبين الأساسيين الولايات المتحدة والاتحاد الروسي. لكننا نرى أن هناك أسبابا عديدة تشير إلى إمكانية نجاح المؤتمر.
مؤشرات النجاح
في كل القضايا التي تم توافق دولي حولها، خاصة بين الولايات المتحدة والاتحاد الروسي انتهت إلى اتفاق يؤدي إلى حل النزاع. حدث هذا في البوسنة وكوسوفو وكمبوديا وناميبيا وسيراليون وليبيريا والكونغو وساحل العاج وليبيا ومالي وهايتي وغيرها. أما الصراعات التي لم يتبلور فيها الإجماع فما زالت قائمة كما هو الحال في فلسطين ودارفور وقبرص وكشمير وغيرها. فالاتفاق الحالي بين الدولتين يبدو جادا فعلا رغم بعض التصريحات المتناقضة. كما أن إدارة أوباما تراجعت عن دعم المعارضة بالسلاح والمال، يبدو أن إدارة بوتين أيضا لديها استعداد لإظهار المرونة في مواضيع شائكة مثل مصير بشار الأسد. تلاقت مصالح الطرفين أيضا في حرمان المتطرفين الإسلاميين أي نجاح أو نصر وهم يعلنون كل يوم عن تشكيل جبهة جديدة أو تحالف موسع أو إمارة إسلامية إضافية. وهذه المصلحة قد تشمل أيضا بعض أطراف المعارضة الوطنية والليبرالية من جهة وبعض أطراف النظام من جهة أخرى.
ومن المؤشرات الأخرى التي قد تدفع باتجاه نجاح المؤتمر مصلحة دول الجوار الأربع التي تحولت إلى مراكز تجميع للاجئين السوريين بشكل يفوق قدرات البلاد الاستيعابية، خاصة الأردن ولبنان. توقفت تركيا منذ زمن عن قبول مزيد من اللاجئين. لكن آثار الحرب السورية بدأت تعكس نفسها توترا ومصادمات وانقسامات حادة بين أطياف المجتمع الواحد والبيت الواحد، خاصة في لبنان حيث يشهد شبه مواجهات يومية خاصة بعد الاعتراف العلني بتورط عناصر من حزب الله في الصراع الداخلي في سوريا. إذن من مصلحة الدول المجاورة أن تسعى إلى التهدئة بعد الانعكاسات الحادة للأزمة السورية على الأوضاع الداخلية لكل هذه الدول.
بين السعودية وإيران
هناك طرفان قد يلعبان دورا مهما في نجاح المؤتمر وقد يلعب أحدهما أو كلاهما دورا تخريبيا يوصل المؤتمر إلى فشل مؤكد وهما السعودية وإيران.
الفيتو السعودي على مشاركة إيران، الذي تردده بعض فصائل المعارضة، لم يعد ممكنا بعد توقيع اتفاقية الأنشطة النووية بين إيران والدول الغربية يوم 24 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي وانفتاح إدارة حسن روحاني على العالم بما في ذلك منطقة الخليج. لقد كان أول الزائرين لإيران بعد الاتفاقية وزير خارجية الإمارات العربية الشيخ عبد الله بن زايد مما يعني أن إمكانية ضبط تحركات دول مجلس التعاون على النغمة السعودية لم يعد ممكنا. فكل دولة تنظر إلى العلاقات مع إيران من منظارها الأمني والسياسي والاقتصادي الخاص بها بدون تشبيك تلك المصلحة بموقف أصبح وحيدا في العراء. ثم جاءت زيارة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إلى الكويت فعُمان لتثبت هذا الانفلات بعيدا عن الرؤية السعودية حول الخطر الإيراني التي لا تتماهى إلا مع الرؤية الإسرائيلية. لقد كان الترحيب الكويتي بالمشاركة الإيرانية في مؤتمر جنيف واضحا لا لبس فيه. فإذا ما أضفنا إلى هذا التأييد كلا من المواقف القطرية والعمانية والإماراتية إذن لا تستطيع السعودية أن تدعي تمثيل مجلس التعاون الخليجي. فإذا أرادت أن تشارك في المؤتمر ممثلة لمجلس التعاون فعليها أن تتبنى موقفا وسطا مقبولا من كافة دول مجلس التعاون يرفع الحظر عن المشاركة الإيرانية.
كي لا يفشل المؤتمر
التعنت في المواقف هو ما قد يؤدي إما إلى عدم انعقاد المؤتمر أو فشله في حالة عقده. على النظام أولا أن يترجل عن ظهر الفرس ويعترف أنه لم يعد قادرا على حسم المعركة لصالحة حتى لو جاءت جيوش الملالي بنفسها للحرب إلى جانبه. فالمعادلة الدولية الآن لن تسمح له أبدا أن يخرج منتصرا على خصومه. إن وصف المعارضة السورية بأنها جماعة من الإرهابيين فقط لم تعد تقنع أحدا. إن الغالبية الساحقة من المعارضة السورية هم أبناء الوطن الغيورون على بلدهم وشعبهم وأن دخول مجموعات متطرفة تكفيرية من الخارج لا يعني أن المعارضة كلها كذلك. لقد آن الأوان لمصارحة مع الذات والاعتراف بأن هذا النظام بتشكيلته الأمنية لم يعد يعبرعن مصالح الغالبية الساحقة من أبناء الشعب السوري. ولو أتيحت الفرصة لانتخابات حقيقية فعلا ولو مرة واحدة لما بقيت عائلة الأسد في السلطة 42 سنة.
وعلى المعارضة الوطنية أيضا، على افتراض اتفاقها لحضور المؤتمر في وفد موحد، ألاّ تتسبب في فشل المؤتمر بوضع شروط تعجيزية مسبقة وهي التي فشلت في استقطاب الغالبية الساحقة من الجيش أو تحييده على الأقل كما ساهمت بسبب فرقتها وتشتتها في إغراق الساحة السوريا بالعديد من التيارات والمواقف والجماعات غير المعنية بسوريا ومستقبلها.
وكما أن هناك قوى ليس من مصلحتها هزيمة المعارضة هناك قوى أكثر تشبثا بالنظام وأكثر استعدادا لحمايته من نهاية مروعة كنهاية نظام القذافي. لقد وصلت الحرب شبه الأهلية إلى نقطة التوازن. فهذه فرصة يجب أن يغتنمها الطرفان وأن يشجعهما المجتمع الدولي ودول الجوار والدول المؤثرة على كل طرف من أجل نجاحها فالنار قد تصلي المنطقة بأسرها إن لم تتوقف هذه الحرب الظالمة والتي يتحمل النظام مسؤولية إشعالها وتتحمل دول عديدة مسؤولية إبقاء أوراها مشتعلا. نتمنى على الطرفين الأساسين أن يعطيا فرصة لنداء العقل وأن يسمحا للوسيطين أن يطفئا حرب داحس والغبراء بعد أن ‘تفانوا ودقوا بينهم عطر منشم’ لأن الخاسر الأكبر سوريا والمنطقة وفلسطين والعرب عموما والمستفيد الأهم من كل ما يجري حصريا هي إسرائيل.