الرئيسة \  واحة اللقاء  \  تعديل المشروع الإسلامي

تعديل المشروع الإسلامي

15.04.2013
جهاد عدلة

مختارات من الثورة السورية
الاثنين 15/4/2013
“بناء شبكات مسلمة معتدلة”. هذا ليس كلاماً لزعيم عربي، أو قائد علماني في المنطقة العربية، وإنما هو هد ف استراتيجي لمؤسسة “راند” البحثية التي تتبع للقوى الجوية الأمريكية، برمجته وأظهرته إلى العلن عام 2007.
ولكن، كيف يتم بناء تلك الشبكات، وهل بدأت تظهر ملامح تحقق هذا الهدف؟
الجواب يكمن في تفاصيل الحراك الدائر في الشارع العربي الثائر، وأكثر ما يتجلى في بلدان ثلاثة: تونس ومصر، وسوريا.
تظهر الحالتان المصرية والسورية أكثر وضوحا وعمليةً. فكل من يتابع يدرك تماماً أن مصر تحترق على نار هادئة. وربما يفهم كثير من المتعاطفين مع الفكرة الإسلامية، أن القوى المتحركة في الشارع المصري، إنما هي مدفوعة من جهات خارجية بهدف إسقاط الإسلاميين من سدة الحكم في مصر. وهذا تصور عاطفي للغاية، يجافي الواقع تماماً. فالغرب بزعامة الولايات المتحدة يرى في وصول الإسلاميين إلى الحكم مصلحة بعيدة المدى، وذلك بعد “الانفجار” الإسلامي الذي اكتسح المنطقة برمتها. مصلحة قادرة على تفسير تداعي الأمريكيين إلى “احترام” إرادة الشعب المصري الذي رفع الإسلاميين إلى سدة الحكم. لكن ثمة بعداً لا يلحظه كثيرون، وهو أن ما يسمى بجبهة الإنقاذ تتحرك في إطارٍ يتجاوز مداها الحيوي، بمعنى أن حركتها في الشارع، سواء كانت بقصدٍ منها أو بغير قصد، تأتي ضمن المنظور الأمريكي الذي يعيد تشكيل المنطقة بما ينسجم مع المتغيرات الجذرية التي طرأت على بنى المجتمعات العربية والإسلامية. فالجبهة تحولت، وفق مبدأ “الفوضى البنَّاءة” الأمريكي، إلى أداةٍ عمليةٍ تساهم في تطويع الجموح الإسلامي، حتى في حده الأدنى الذي يمثله لون الفريق الحاكم في مصر وتونس، ومنعه من وضع أي تصور فكري وعملي جديد للبلاد.
وفق هذا المنظور، تصبح الصورة كالتالي: تحرك للقوى العلمانية على الأرض، يرافقه متابعة حثيثة من مطابخ القرار السياسي في الغرب لكيفية تعامل السلطات مع المتحركين، يتولد عن ذلك شعور الحاكم بالضغط، وعدم رغبته في فقدان الرضى الأمريكي والغربي الهش، كي لا يصبح بين مطرقة علمانيي الداخل، والسندان الأمريكي الخارجي، فتصبح النتيجة النهائية: مزيد من القرارات التي تحمل صبغة تنازلية، ومزيد من التهدئة، ومزيد من التسامحية، وصولاً إلى شبحٍ إسلامي لا رصيد عميق له في العقيدة والفقه، أي بمعنىً آخر: إسلام معتدل وفق المنظور الأمريكي.
الأمر تكرر في تونس وإن كان في صورة مختلفة، فرضها اختلاف طبيعة المجتمع التونسي، واختلاف التجربة التاريخية ما بين البلدين.
لكن الواقع الأكثر مأساوية يتجلى في سوريا، حيث المحاولات المستميتة ليل نهار لإنهاك المشروع الإسلامي الصاعد فيها، والذي أخذ يتجذر وبقوة في الشارع السوري، بعد الإنجازات العسكرية الكبيرة على الأرض.
مأساوية المشهد في سوريا تبرز في الثبات والتبدل في المواقف السياسية الدولية في آن واحد. فالأمريكيون حافظوا على برودة أعصاب هائلة في تعاملهم مع صلف النظام السوري تجاه الشعب، رامين من وراء ذلك إلى تفريغ الحراك الثوري من أي مضمون إسلامي حقيقي، وإلى وصول الشعب السوري إلى حالة من اليأس، يبحث معها عن قشة الإنقاذ حتى لو كانت مع “الشيطان العلماني”. وتبرز أيضاً مع الإصرار العجيب على حصر الحل السوري بالجانب السياسي، رغم أنه من الناحية العسكرية يكاد الثوار يحسمون الموقف لو تيسر لهم الحد الأدنى كماً ونوعاً من الأسلحة المطلوبة لمعركتهم النهائية مع النظام.
وتبرز المأساوية في تبدل الموقف التركي، فبعد الوعيد والتهديد الذي أطلقه أردوغان بحق الأسد، لجهة أنه لن يسمح بحماة ثانية، وبأن حلب خط أحمر، وبأن وبأن، ها هو يصادر كمية من الأسلحة على حدوده مع سوريا، ويقول إنه لن يسمح بأي تهديد أمني يمس بلاده.
يأتي هذا السيناريو العام ليضع النقاط على مشروع “الشبكات الإسلامية المعتدلة” الذي يقوم على ترويض القوة الإسلامية المتعاظمة في الثورة السورية، ولجعلها أكثر اعتدالاً بحسب المفهوم الأمريكي للإسلام المعتدل، ولجعل الحل سياسيا مدنياً يتساوى فيه من حمل السلاح وقاتل وفقد كل ما يملك، مع من لم يغبرّ حتى حذاؤه وهو يسير في أروقة السياسة الدولية.
في ضوء ذلك، فإنه يخطئ من يعتقد أن الأمريكيين يعارضون سقوط الأسد، بل على العكس هم متحمسون لإبعاده من المشهد، بعدما احترقت ورقته، وانتهى دوره، ولكن لن يساعدوا في حدوث ذلك، إلا بعد أن يطمئنوا إلى البديل، وهو هنا: “إسلام معتدل”.