الرئيسة \  تقارير  \  "تعزيز" للعلاقات أم سيطرة روسيَّة؟ قراءة في التقارب الروسي الإيراني بعد غزو أوكرانيا

"تعزيز" للعلاقات أم سيطرة روسيَّة؟ قراءة في التقارب الروسي الإيراني بعد غزو أوكرانيا

15.09.2022
ساسة بوست


ساسة بوست     
الاربعاء 14/9/2022
“في حالة أوكرانيا، لو لم تأخذ زمام المبادرة، فسيأخذها الطرف الآخر وسيبدأ الحرب. لن يعرف الناتو أي حدود إذا كان الطريق مفتوحًا له، وإذا لم يجر إيقافه في أوكرانيا، فستبدأ هذه الحرب نفسها في وقتٍ لاحق باستخدام ذريعةٍ أخرى”. كانت هذه الكلمات جزءًا من دعمٍ كبير قدمه المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خلال قمة طهران، في 19 يوليو (تمُّوز) 2022، والتي تعد ثاني زيارة خارجية يقوم بها الرئيس الروسي، منذ الحرب الروسية الأوكرانية.
كانت قمة طهران في 19 يوليو الماضي، ولقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وآية الله علي خامنئي، والتقاط الصور الودودة التي أظهرت الزعيمين وهما يبتسمان في حالةٍ من الانسجام، في وقتٍ يتعرض فيه الرجلان لضغوطات داخلية وخارجية، وعزلة إقليمية، كانت تعد دعمًا كبيرًا من طهران إلى موسكو، وتعزيزًا لغزوها أوكرانيا.
في السنوات الماضية، وأمام الضغط الغربي على إيران بشأن برنامجها النووي، رأى المرشد الإيراني، آية الله علي خامنئي، أنَّ “التطلع إلى الشرق” وتوسيع العلاقات مع قوى الشرق المتمثلة في روسيا والصين، هو أفضل حل لمواجهة ما أسماه “الاستكبار الأمريكي والغربي”.
زادت رغبة خامنئي والقادة الإيرانيين في معسكره لتنفيذ سياسية “الاتجاه شرقًا”، خاصة بعد انسحاب إدارة الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، من خطة العمل الشاملة المشتركة، أو ما يعرف بالاتفاق النووي الإيراني لعام 2015، وإعادة فرض العقوبات الاقتصادية على إيران.
لذلك طوال السنوات الماضية، اتخذ القادة الإيرانيون خطواتٍ واسعة نحو توسيع العلاقات مع روسيا، وزادت وتيرة توطيد العلاقات الإيرانية الروسية، بعد الحرب الروسية الأوكرانية، وسط انتقادات من البعض داخل إيران، بسبب سنواتٍ من عدم الثقة الإيرانية في الأفعال الروسية تجاه إيران.
الغزو الروسي لأوكرانيا.. هل هو فرصة جديدة حقًّا لإيران؟
لا يمكن إغفال التداعيات التي جاءت نتيجةً للحرب الروسية الأوكرانية وتأثيرها في أسواق الطاقة والغذاء عالميًّا، وظهور الكثير من التحديات والتهديدات للعديد من الدول من بينهم الجمهورية الإسلامية؟ لكن في الوقت نفسه، يرى المعسكر المؤيد لتوسيع العلاقات مع روسيا، أن تأثير الحرب الروسية الأوكرانية على إيران كان إيجابيًّا.
في هذا الصدد، يقول الباحث السياسي المختص بالشأن الروسي، والمقيم في طهران، محسن صادقي، لـ”ساسة بوست” إنَّ “الغزو الروسي لأوكرانيا، سلاحٌ ذو حدين بالنسبة لطهران، هناك من يري أنَّ ارتفاع أسعار النفط نتيجة هذه الحرب هو فرصةٌ كبيرة لإيران لتحلَّ محل روسيا، لكن في الوقت نفسه هي تهديدٌ جاد للجمهورية الإسلامية بسبب نقص الحبوب وارتفاع أسعار السلع الغذائية في البلاد”.
يرى صادقي أن كلا الرأيين على حق، ولدى كلا المعسكرين تحليلاتٌ منطقية وعقلانية.
أمَّا ما يخص مسألة التأثير الإيجابي للحرب الروسية الأوكرانية في صادرات النفط الإيرانية، فعلى ما يبدو إلى الآن، أنَّ الجمهورية الإسلامية لم تستطع أن تعوِّض بعد الطاقة الروسية، بل على العكس، نافست موسكو طهران في أسواق النفط المُخفَّض.
وعلى سبيل المثال، في عام 2020، أي في ذروة حملة “الضغط الأقصى”، التي تبنتها إدارة دونالد ترامب لإيصال الصادرات النفطية الإيرانية إلى “صفر”، كانت طهران تستطيع تصدير نحو ما يقرب من 300 ألف برميل يوميًّا، وفق مصدر في وزارة النفط الإيراني، تحدث لـ”ساسة بوست”، مفضلًا عدم الكشف عن هويته.
لكن، بعد وصول الديمقراطيين إلى الحكم برئاسة جو بايدن، وتعهده مرارًا وتكرارًا بالعودة إلى الاتفاق النووي، حصلت إيران على بعض التسهيلات البسيطة فيما يخص تصدير نفطها، حتى وإن لم تكن علنية. فاستطاعت طهران تصدير ما يقرب من 900 ألف برميل من النفط يوميًّا في الربع الأول من 2022.
يقول الباحث السياسي في الشان الروسي، محسن صادقي لـ”ساسة بوست”: “الصين هي دائمًا المشتري الأول والرئيسي للنفط الإيراني المُخفَّض، وتأتي بعدها الهند، لكن بعد الحرب الروسية الأوكرانية، حدث تدهور في المبيعات النفطية الإيرانية”.
فبعد أسابيع من الغزو الروسي لأوكرانيا، فُرضت الكثير من العقوبات الغربية المشددة على موسكو، التي لجأت إلى بيع نفطها بسعرٍ مُخفَّض في الأسواق الآسيوية، لتنافس بذلك طهران.
يقول المسئول الإيراني في وزارة النفط لـ”ساسة بوست”، مفضلًا عدم الكشف عن هويته: “بعد الغزو الروسي لأوكرانيا انخفضت مبيعات النفط الإيراني بشدة، بسبب عرض روسيا نفطها بأسعارٍ مُخفَّضةٍ أدنى من الأسعار الإيرانية؛ مما قيَّد وصول إيران إلى الأسواق والزبائن الرئيسيين”.
ووفقًا لتقارير الطاقة، فإن الهند وحدها والتي كانت تعد مشتريًا رئيسيًّا للنفط الإيراني، استوردت من النفط الروسي أكثر من 30 مليون برميل في الأشهر الثلاثة الماضية فقط.
العزلة الروسيَّة تدفع لتوسيع التعاون الاقتصادي
لكن بخلاف مسألة التنافس الروسي الإيراني في الأسواق النفطية بعد الحرب الروسية الأوكرانية، دفعت العزلة الاقتصادية المفروضة على كلٍّ من موسكو مؤخرًا، وطهران، بسبب حزمة العقوبات الغربية على البلدين، إلى توسيع التعاون الاقتصادي بينهما.
يقول صادقي لـ”ساسة بوست” إنَّ “العقوبات الغربية المشددة والهائلة التي فُرضت على موسكو مؤخرًا، جعلت روسيا في وضع مقارب للوضع الإيراني، وبدأ الرئيس بوتين في اتخاذ خطوات إيجابية تجاه إيران للاستفادة من خبرتها في انتهاك العقوبات، وتوسيع التعاون بين البلدين”.
في الجهة الأخرى لتوجه بوتين تجاه إيران، رأى القادة الإيرانيون في العزلة الاقتصادية والدولية الجديدة المفروضة على روسيا، فرصةً ذهبية في تشكيل حلف ضد الولايات المتحدة، خاصة مع تعطُّل محاولات إحياء الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015، حتى يومنا هذا.
وفي وقتٍ سابق، صرَّح علي أكبر ولايتي، كبير مستشاري المرشد للشؤون السياسية الخارجية، بأنه “يجب على طهران توسيع العلاقات مع روسيا في ظل الوضع الراهن لخلق نوع من التوازن الإستراتيجي”، كما أكد موقف روسيا الداعم للجمهورية الإسلامية في الكثير من الأحيان.
في هذا السياق، يرى السياسي الإيراني الأصولي، ميثم عابديني أنَّ الوقت مناسب حاليًّا لتوسيع التعاون الاقتصادي بين موسكو وطهران. قائلًا في حديثة لـ”ساسة بوست”: “المتأملون في أن يجري إحياء الاتفاق النووي وأن تُرفع العقوبات عن إيران، يرون أنه لا يوجد فائدة من التعاون مع روسيا خاصة بعد فرض العقوبات عليها، لكن الواقع يقول إنه من الصعب رفع العقوبات بالكامل عن إيران، وحتى إن حدث ذلك، لن يستمر الأمر كثيرًا”.
ويرى عابديني أنَّ تطبيع العلاقات التجارية الإيرانية مع روسيا، هو الاتجاه الصحيح لبلاده. إذ إنَّ توطيد العلاقات الاقتصادية مع قوة عظمى مثل روسيا من شأنه أن ينجح محاولات المسؤولين الإيرانيين في تحييد العقوبات الأمريكية على المدى الطويل، وهو ما يفتح مجالًا لفرص كثيرة للاقتصاد الإيراني.
على ضوء هذه الخلفية، اتخذت كلٌّ من طهران وموسكو – في الأشهر القليلة الماضية – خطواتٍ واسعةٍ لتعزيز التعاون الاقتصادي بينهما.
على سبيل المثال، وقَّعت روسيا وإيران، اتفاقيات – ستدخل حيز التنفيذ قريبًا – لاستبدال نظام “سويفت” المصرفي وهو الذي يسمح بانتقال سلس وسريع للمال عبر الدول، بأنظمة الرسائل المالية المحلية، لإحياء العملة الوطنية لكلا البلدين.
كما وقَّعت موسكو وطهران العديد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم في الآونة الأخيرة من أجل توسيع التعاون التجاري المشترك بين البلدين، ووفق وزير النفط الإيراني جواد أوجي، الذي رأس اللجنة الاقتصادية الروسية الإيرانية المشتركة، يهدف البلدين إلى زيادة حجم التجارة السنوية لتصل إلى 40 مليار دولار أمريكي، والجدير بالذكر هنا أن حجم التجارة الثنائية بين البلدين وصل إلى 4 مليارات دولار أمريكي فقط في عام 2021.
هذا بالاضافة إلى توقيع روسيا وإيران مؤخرًا، على مذكرة تفاهم لإنشاء مركزين تجاريين في مدينتي طهران وبطرسبرج لتسهيل التجارة بينهما.
كما شهدت زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للعاصمة الإيرانية في 19 يوليو 2022، توقيع مذكرة تفاهم بين الشركة الوطنية الإيرانية للنفط مع الشركة المنتجة للغاز الروسي غازبروم، تبلغ قيمتها 40 مليار دولار أمريكي، بالإضافة إلى دعم “غازبروم” الروسية لتطوير حقول الغاز الإيرانية (كيش وشمال بارس).
لن يقتصر الأمر على الاقتصاد فقط! زاد التعاون العسكري
لم يتوقَّف التعاون بين البلدين على الاقتصاد فقط، بل اتخذا الكثير من الخطوات لزيادة التعاون العسكري، ووفقًا لمستشار الأمن القومي الأمريكي جاك سوليفان، من المقرر أن تسلِّم إيران مئات الطائرات بدون طيار لروسيا.
في هذا الصدد يقول الباحث الإيراني في الشأن الروسي محسن صادقي لـ”ساسة بوست”: “مع رفع حظر بيع الأسلحة وشرائها عن إيران، سيكون من السهل التعاون العسكري بين موسكو وطهران، وفي العديد من المناسبات أبدت روسيا إعجابها بالطائرات المسيرة الإيرانية”.
لكن حتَّى الآن لم تؤكد كلٌّ من روسيا وإيران، مسألة بيع طهران طائرات بدون طيار لموسكو.
كما ساعدت موسكو طهران في إطلاق قمر صناعي استخباراتي في 9 أغسطس (آب) 2022. وفي الآونة الأخيرة شهدت إيران تعاونًا متزايدًا في مجال الأقمار الصناعية مع روسيا، لتعزيز قدراتها الاستخباراتية، هذا الأمر ما كان أن يتم قبل الحرب الروسية الأوكرانية، وفقًا لصادقي.
من ضمن المكاسب التي من الممكن أن تحققها إيران بتوسيع تعاونها مع روسيا المعزولة دوليًّا حديثًا، هو تعزيز النفوذ الإقليمي لإيران في المنطقة، ونجاح طهران في تجاوز منطقة الشرق الأوسط لتوسيع عمقها الإستراتيجي في دولٍ آسيوية أخرى.
يقول الباحث الإيراني في الشان الروسي، محسن صادقي في حديثه مع “ساسة بوست” إنَّ “البعض داخل إيران يرى أن موسكو من الممكن أن تستغل طهران في أزمتها الحالية، من أجل تهديد الغرب بتشكيل حلفٍ مُعادٍ له. لكنَّ إيران إلى الآن تسير في مسار معقول لتعزيز نفوذها الإقليمي من خلال التعاون مع روسيا، بعيدًا عن إملاءات الغرب”، وفق صادقي.
في هذا السياق، تحاول الحكومة الإيرانية إقناع نظيرتها الروسية باستكمال مشروع الممر الدولي بين الشمال والجنوب المؤجَّل منذ سنوات، هذا المشروع عبارة عن شبكة من خطوط السكك الحديدية والطرق البحرية والبرية تمتد لـ700 كيلومتر، تبدأ من مومباي في الهند وتمر عبر أذربيجان وتصل روسيا عبر المرور بإيران.
وإذا استُكمل هذا المشروع، فسيكون طفرة في جذب التجارة والاستثمار إلى إيران؛ إذ سيساعدها كثيرًا في نبذ الولايات المتحدة والغرب، وعدم القلق من تداعيات العقوبات الأمريكية، وفق تحليل صادقي.
يُذكر أنَّ وزير النقل والتنمية الحضرية الإيراني، خلال زيارته إلى موسكو في شهر أبريل (نيسان) 2022، وقع مع الحكومة الروسية اتفاقية تعاون شامل في مجال النقل، من الممكن أن تساهم بشكل كبير في استكمال مشروع الممر الدولي المذكور أعلاه.
لكن يبقى السؤال: هل وقعت طهران تحت سيطرة روسيا؟
مع كل خطوة تتخذها طهران تجاه توسيع علاقاتها وتوطيدها مع موسكو يزداد النقاش وقلق الرأي العام الإيراني بأنَّ إيران أصبحت دولة تهيمن عليها روسيا، والذي يساعد في زيادة هذا القلق، هو “التاريخ الطويل” من عدم الثقة في موسكو.
في هذا الصدد، يقول مصطفى قاسمي لـ”ساسة بوست”، وهو محلل السياسية الخارجية ومقيم بطهران: “من ضمن مبادئ الجمهورية الإسلامية هو عدم دعم غزو دولة لأخرى، لكن القادة الإيرانيين انتهكوا هذا المبدأ بدعمهم الغزو الروسي لأوكرانيا، مما جعل الكثيرين يتكهنون بأن طهران تريد إرضاء موسكو بأي ثمن”.
مضيفًا أنَّه “لا يمكن إنكار أن التعاون الروسي مع إيران، سيفيد طهران كثيرًا في العديد من الجوانب. وعلى رأسها امتلاك موسكو حق الفيتو في مجلس الأمن الدولي، مما يؤهلها للتصويت ضد أي قراراتٍ غربية ضد طهران، وهذا ما يطمح إليه المسؤولون الإيرانيون”. ولكن في الوقت نفسه – يضيف قاسمي – صوَّتت روسيا في الماضي على قراراتٍ بفرض عقوبات دولية على إيران، لذلك فهي شريكٌ غير موثوق به.
في المقابل، يحلل قاسمي، وجهة النظر الأخرى التي تقول بأن إيران ليست واقعة تحت السيطرة الروسية بأنَّ القادة والمسؤولين الإيرانيين يعلمون جيدًا تاريخ الهيمنة الروسية على إيران في القرنين الماضيين. وبالرغم من انتهاكهم مبدأ عدم دعم أي غزو لدولة ضد دولة، فإنهم ما زالوا يحافظون على استقلال الجمهورية الإسلامية من أي تبعية، مهما كانت المغريات.
ويرى القادة الإيرانيون أن مسألة تبعية إيران لروسيا أمر غير صحيح، ويبرهنون على ذلك بعدم وجود أي قوات روسية أو مستشارين عسكريين على الأراضي الإيرانية، وإذا قطعت إيران علاقتها مع روسيا في أي وقت، فلن تتأثر الجمهورية الإسلامية أو تضعف كما حدث في الماضي.
في هذا الصدد، يقول مصطفى قاسمي إنَّ البعض قد يري أن إيران تريد توطيد العلاقات مع روسيا وفقط، “لكنَّ روسيا تريد الهيمنة على إيران كما حدث في الماضي، لكن في حقيقة الأمر، أدوات موسكو الحالية للسيطرة على القرارات الإيرانية محدودة للغاية حتى الآن”.
ترى طهران في موسكو شريكًا قويًّا للأيديولوجية الإيرانية نفسها المعادية للغرب، وهي أحد أهم الأسباب للتقارب بين البلدين، خاصة فيما بعد الحرب الروسية الأوكرانية، ويدرك المسؤولون الإيرانيون أن ما دفع روسيا للتقارب مع إيران مؤخرًا هو عزل الغرب لها دوليًّا، لا أكثر.