الرئيسة \  واحة اللقاء  \  تغريدة ترمب عن الجولان وسوريا المريضة

تغريدة ترمب عن الجولان وسوريا المريضة

25.03.2019
شعبان عبود


سوريا تي في
الاحد 24/3/2019
أثارت تغريدة الرئيس الأميركي دونالد ترمب التي قال فيها إنه حان الوقت لاعتراف الولايات المتحدة بالسيادة الإسرائيلية على الجولان، الكثير من ردود الأفعال المنتقدة على المستوى الدولي، حيث أعلن الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي، إضافة إلى دول كل من فرنسا وألمانيا وغيرهم، عن رفضهم الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان وأكدوا جميعهم تمسكهم بالقرارات الدولية الصادرة عن الأمم المتحدة بهذا الخصوص التي تعتبر أن الجولان أرضاً سورية محتلة.
والحقيقة أن تغريدة ترمب حول الجولان تعني علامة ونقطة تحول بارزة في السياسة الأميركية منذ عقود تجاه هذه المسألة حسب صحيفة نيويورك تايمز.
الصحيفة اعتبرت أن موقف ترمب أتى بعد محاولات ضغط لم تهدأ من قبل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، محاولات وحملة ضغط بدأت في وقت مبكر منذ عام 2017 وتكللت أخيرا بهذا الإعلان. معلقون وباحثون أميركيون ربطوا بين تغريدة ترمب والانتخابات البرلمانية التي ستشهدها إسرائيل في نيسان المقبل، حيث قدّم الرئيس ترمب "أكثر من هدية" لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، وأيضا منهم من اعتبر أن ترمب بدأ مبكرا حملة مبكرة لكسب أصوات اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة في الانتخابات الرئاسية التي ستشهدها الولايات المتحدة في عام 2020.
معلقون وباحثون أميركيون ربطوا بين تغريدة ترمب والانتخابات البرلمانية التي ستشهدها إسرائيل في نيسان المقبل
لكن وبغض النظر عن الظروف والخلفيات التي دفعت ترمب لمثل هذا الإعلان، لا بد من الاعتراف أن الأوضاع في سوريا والتمزق الذي يعيشه الكيان السوري بفعل الحرب والتدخلات الخارجية منذ 2011 لحظة اندلاع الثورة ضد نظام الأسد، ومن ثم خيار العنف الذي اتبعه النظام لمواجهة المتظاهرين، كل ذلك يجب أخذه بعين الاعتبار حين الحديث عن احتمال حصول اعتراف رسمي أميركي بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان السورية المحتلة.
إن مقدمات ذلك موجودة على الأرض، ولم يكن الضغط والحشد الإسرائيلي من أجل الاعتراف بالسيادة على الجولان إلا نتيجة متوقعة، فنظام الأسد يعيش حالة من الضعف دفعته لاستحضار ميليشيات أجنبية وقوى إقليمية ودولية للدفاع عنه ومنع سقوطه، مثل إيران وروسيا، كان من نتيجتها مع الوقت أن أصبحت مسألة السيادة في مهب الريح. ليس الإيرانيون والروس وحدهم من وجدوا على الأرض السورية، بل هناك الولايات المتحدة وتركيا أيضا التي توجد قواتها وميليشيات تابعة لها على مساحة كبيرة من الجغرافية السورية، أو بالأحرى جغرافية الدولة السورية الممزقة والمريضة.
يبدو أن إسرائيل أدركت أن لحظة الحشد من أجل الاعتراف بسيادتها على الجولان، هي اللحظة المناسبة في ظل استعصاء الحالة السورية
لقد استند رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو في حملته وضغوطاته لذرائع أمنية، وعبّر عن مخاوف من وصول إيران إلى الحدود الإسرائيلية عبر قيام طهران ببناء شبكات حرب عصابات في الجزء السوري من منطقة الجولان وفي جنوب سوريا عموما، لقد قالها ذلك صراحة وأكثر من مرة وفي كل مناسبة، لعل آخرها خلال لقائه مع وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو خلال زيارته لإسرائيل.
ورغم أن مسؤولين أميركيين كانوا يردون دائما على المخاوف الأمنية الإسرائيلية باستمرار التزام الولايات المتحدة بدعم ومساندة إسرائيل عسكريا وأمنيا لمواجهة كل التهديدات الأمنية والعسكرية الإيرانية المحتملة، إلا أن هذه التطمينات لم تكن ما تبحث عنه إسرائيل فقط، لقد كانت تريد اقتناص الظرف الراهن، وما تعيشه "الدولة" السورية من تمزق وضعف، وما يشهده المجتمع الدولي من انقسام، من أجل الانقضاض على الجولان وكسب دعم الولايات المتحدة في الاعتراف بسيادتها، لتفتح الطريق أمام دول أخرى ليحذو حذوها.
ويبدو أن الحملة والضغط الإسرائيليين قد أثمرت عن نتائج مبكرة سبقت تغريدة ترمب عن الجولان، فقد كان لافتا تصويت الولايات المتحدة هذا العام ضد قرار الأمم المتحدة الرمزي والاعتيادي الذي يدين استمرار احتلال إسرائيل لهضبة الجولان وهي المرة الأولى التي تتخذ الولايات المتحدة مثل هذا الموقف.
موقف ترمب سبقه أيضا تغيير في توصيف وزارة الخارجية لهضبة الجولان حيث استخدمت رسميا مصطلح هضبة الجولان التي تسيطر عليها إسرائيل بدلاً من هضبة الجولان المحتلة
والحقيقة هي أنها ليست مسألة مصطلحات دقيقة أو واقعية، بقدر ما هي سياسة مقصودة كان يتم العمل عليها، هذا ما أكدته تغريدة الرئيس الأميركي عن أن الوقت "قد حان للاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان".
لكن يبقى السؤال متعلقا بقدرة الولايات المتحدة أو استعدادها لتعلن ذلك رسميا وبالتالي ظهورها بمظهر المخالف والمنتهك للقرارات الدولية والقانون الدولي. كذلك يبقى السؤال حول مصير هذه "التغريدة" وهل سيكون مصيرها يشبه تغريدة ترمب حينما أعلن الانسحاب من شمال شرق سوريا ثم تراجع عنه بعد انكشاف تسرعه وتعارضه مع رأي أركان إدارته ومع المصالح الأميركية نفسها؟