الرئيسة \  واحة اللقاء  \  تغيير النظام أم تغيير سوريا؟!

تغيير النظام أم تغيير سوريا؟!

14.09.2015
ماجد كيالي



المستقبل
الاحد 13/9/2015
تعرّضت قضية السوريين إلى تلاعبات كثيرة، إذ جرت محاولات عرضها باعتبارها نوعا من حرب أهلية ـ طائفية، أو كنوع من حرب أكثرية على أقليات، في حين أن الأكثرية بالذات هي التي كانت تتعرض للتدمير والإبادة والتشريد. كما عرضت على انها حرب ضد الإرهاب، والجماعات التكفيرية، وبيئاتها الحاضنة، في حين كان النظام يشتغل وفق سياسة الأرض المحروقة، على قاعدة: "الأسد أو نحرق البلد"، مسنودا في ذلك من نظام الولي الفقيه في إيران والميلشيات اللبنانية والعراقية التابعة؛ التي تشتغل كذراع إقليمية له.
الآن، وبعد كل ما مرّ، من أحداث مهولة وتضحيات جمة، تبدو قضية السوريين ازاء طور جديد، من التلاعبات، أولها، يتمثل بمحاولة تعويم النظام، أو إعادة تأهيله، بعد أن استنفد قواه، وشرعيته السياسية والأخلاقية، وهو ما تحاوله إيران وروسيا في المبادرة التي تطرحها كل منهما، على حدة، واللتان ربما تتقاطعان في منطقة ما مع مبادرة المبعوث الدولي ديمستورا. وثانيها، يتمثل بمحاولة تجريد قضيتهم من طابعها السياسي، بتحويلها إلى مجرد قضية انسانية، أو قضية لاجئين، وفي ذلك يتم تمييع هذه القضية، إن بتبرئة النظام المتسبب بهذه الجريمة، بعد أن حول كثيراً من مدن سوريا وقراها، إلى مناطق محاصرة، وإلى حقل رماية لمدفعيته ولبراميله المتفجرة، أو بالتنكر لهؤلاء اللاجئين بوصفهم مشردين، يبحثون فقط عن مكان آمن للعيش، بوصفهم ضحايا حرب مدمرة، أخذت بيوتهم واملاكهم ومصادر عيشهم، كما أخذت بعضاً من أحبابهم. هذا مع علمنا أن قضية اللاجئين السوريين هي نتاج سياسة النظام، في محاولته إعادة رسم الخريطة الديمغرافية السورية، وفي سعيه للتخلص من ما يسميه البيئات الحاضنة للثورة، وأن هذه القضية لم تنشأ اليوم، ولا تقتصر على الذاهبين إلى الدول الغربية، فثمة ملايين اللاجئين منذ أربعة أعوام، في الأردن ولبنان وتركيا ودول اخرى، كما ثمة ملايين من مشردين/نازحين في مدن وقرى سوريا ذاتها.
طبعا، هذا الكلام لا يخفف من تبعات التلاعبات الأخرى، المسؤول عنها ما يسمى معسكر "أصدقاء" الثورة السورية، ولا يغطّي عليها. فمنذ البداية، اشتغلت القوى الفاعلة في هذا المعسكر، عن قصد أو من دونه، على تشجيع التحول للعمل المسلح تحديداً، من خلال الحديث عن أن مدينة حماه أو مدينة حلب بمثابة خط أحمر، غير مسموح للنظام بالبطش بهما، أو عبر الايحاء بإمكان حدوث نوع من تدخل دولي، بفرض منطقة حظر جوي أو مناطق آمنة، ما أدى إلى تقويض السياق الذاتي لتطور ثورة السوريين، وادخالها في مواجهات لم تكن مهيأة لها، ووضعها في مراهنات أكبر من امكانياتها وأكبر من قدرة مجتمع السوري على التحمل.
في ما بعد، أي بعد أن حصل ما حصل، وبعد أن لم يعد ثمة مجال للتراجع، استمر هذا التلاعب، وهو ما تمثل بفرض اطارات سياسية على الثورة السورية، وفرض جماعات عسكرية معينة عليها، ذات طابع أيديولوجي ـ ديني، وحصر الدعم بها، لاسيما على حساب جماعات "الجيش الحر"، وعلى حساب المنشقين عن الجيش النظامي، مع التدخل في كيفية عملها، بتصعيد العمل العسكري حينا، أو بالتخفيف منه حيناً آخر، وبفتح معركة في مكان، أو الانسحاب من مكان آخر؛ وهكذا.
بالنتيجة، فإن عديدا من الأطراف، وبغض النظر عن خطاباتها أو نواياها، اشتغل، كل بطريقته ولأهدافه وبحسب حجمه، بطريقة أدت إلى تقويض سوريا، وتخريب ثورة السوريين، وتفكيك مجتمعهم، مع التأكيد بأن النظام هو الذي يتحمل المسؤولية الأساسية، أولاً، عن اندلاع ثورة السوريين، بإغلاقه كل الطرق الأخرى للتطور. وثانياً، عن التحولات الحاصلة فيها، بذهابه مباشرة نحو استخدم القوة العسكرية والجيش لوأد تطلعات السوريين للحرية. وثالثاً، عن الأهوال والعذابات التي عاشها السوريون، وعن كل مآلات الوضع السوري، وما سيفضي إليه آجلاً أم عاجلاً.
ولعل معضلة السوريين الأساسية، في هذا السياق، أن بلدهم يجاور اسرائيل، وان سوريا ليست بلدا نفطيا، وأنها بلد مفتاحي في المشرق العربي، بمعنى أنها، من بين كل الثورات الحاصلة في مصر وليبيا وتونس واليمن، هي التي تفتح على تغييرات أخرى، في عموم المنطقة، ولاسيما في المشرق العربي، وهو ما لا يلائم عديداً من الأطراف.
وربما، كانت هذه الحقيقة، أو هذا الوضع الدقيق والمعقد والحساس لسوريا، هو وحده الذي يمكن أن يفسّر الصمت المشين إزاء الأهوال التي يتعرض لها السوريون، والتسامح غير المفهوم الذي يلقاه هذا النظام الذي يقتل شعبه ويدمر عمرانه، كما يفسر السكوت عن "الزعرنة" الإيرانية من اليمن مروراً بالعراق إلى سوريا ولبنان.
هكذا بتنا اليوم ازاء الحالة السورية، في مواجهة واقع شاذ وغير مفهوم ولا مقبول، لا سياسياً ولا قانونياً ولا أخلاقياً، فرئيس النظام يعتبر أن "سوريا ليست لمن يسكنها أو يحمل جنسيتها، وإنما هي لمن يدافع عنها"، في محاولته نزع المواطنة عن معظم السوريين، الذين لم يكن نظامه يعترف لهم، من الأصل، بمكانة المواطنين، باعتبار أن سوريا ملكية خاصة، وفقا لشعار: "سوريا الأسد إلى الأبد"، وكأنه ليس فيها لا شعب ولا دولة، ما يفسر كل ما يحصل. وبالمقابل لا يوجد جهد دولي، ولا عربي، فاعل لوضع حد لمأساة السوريين، بمعاقبة النظام، أو بوضع حد للمقتلة السورية.
الأنكى انه فوق كل ذلك، وبدلاً من ترحيل الأسد يجري السكوت عن ترحيل السوريين، وبدلاً من العمل على تغيير النظام يجري العمل على تغيير سوريا. هذا ما يبدو أن النظام الدولي متواطئ عليه، حتى الآن، وهذا ما يبدو الأكثر ملاءمة لرؤية الإدارة الأميركية ولمصالح إسرائيل.