الرئيسة \  واحة اللقاء  \  تغيير موازين القوى في سوريا

تغيير موازين القوى في سوريا

21.07.2013
عمر كوش

المستقبل
الاحد 21/7/2013
التدخّل السافر لكل من النظامين، الإيراني والروسي، ليس جديداً في الأزمة السورية، لأنه بدأ منذ أن أعلن النظام السوري الحرب الشاملة المدمرة على الثوار السوريين، وعلى حاضنتهم الاجتماعية في مختلف المناطق السورية. تولى الساسة الروس مهمة الدفاع عن النظام في مختلف المحافل الدولية، وبخاصة في مجلس الأمن، فعرقلوا صدور أي قرار يدين النظام السوري، أو يحمّله مسؤولية أعمال القتل والمجازر، التي ارتكبها ضد غالبية الشعب السوري. ولم يكتفوا بذلك، بل راحوا يمدّونه بمختلف أنواع الأسلحة، وبالخبراء العسكريين، وبالمعلومات الاستخباراتية، فيما راح ساسة النظام الإيراني يخوضون معركة الدفاع عن النظام السوري، ويدفعون مليارات الدولارات على حساب لقمة عيش الشعب الإيراني. ولم يكتفوا بذلك أيضاً، بل أوعزوا إلى حزب الله اللبناني لدخول الأراضي السورية والقتال إلى جانب النظام، والتضحية بعناصره، كي لا يسقط النظام. في المقابل، تبنّت الدول الغربية خطاباً داعماً لفظياً للثورة السورية، مركزة على الجانب الديبلوماسي والإغاثي، وعلى وجود إرهابيين بين صفوف المجموعات المسلحة. وفرضت دول الاتحاد الأوروبي حظراً شاملاً على توريد الأسلحة إلى سوريا، مساوية بذلك بين النظام والمعارضة. وكذلك امتنعت الولايات المتحدة الأميركية عن إعطاء السلاح للفصائل المقاتلة ضد النظام السوري، بل ومنعت حلفاءها من توريد أي سلاح نوعي للمقاتلين.
وبعد اقتحام بلدة "القصير" من جانب ميليشيات حزب الله اللبناني، برزت دعوات إلى تغيير موازين القوى على الأرض في سوريا، وتولى ساسة كل من الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا إطلاق تصريحات حول تسليح المعارضة، خصوصاً بعد قرار الاتحاد الأوروبي رفع حظر توريد الأسلحة إلى المعارضة السورية، وحديث الرئيس الأميركي، باراك أوباما عن تسليح المعارضة، بعدما أكدت له أجهزة استخباراته استخدام النظام السوري للسلاح الكيميائي ضد مناطق تسيطر عليها فصائل المعارضة المسلحة. بمعنى أنه تأكد من اجتياز الخط الأحمر، الذي وضعه بنفسه، ثم محاه وتغاضى عن تجاوزه، في أكثر من مرّة. لكن الضغط الذي مارسه أعضاء في الكونغرس، جعله يخرج عن تطنيشه، وراح يتحدث عن قرار تسليح المعارضة "المعتدلة"، بهدف تغيير موازين القوى، بما يفسح المجال أمام الحل السياسي.
ويبدو أن تغيير موازين القوى السورية، يعني بالمفهوم الأميركي تزويد الفصائل المسلحة "المعتدلة" بسلاح يمكنها من الصمود أمام هجمات قوات النظام وميليشيا حزب الله، وجعل النظام يقتنع بالذهاب إلى جنيف 2، وليس الهدف منه، كما هو معلن منذ بداية الثورة، الدخول في أتون الصراع السوري، بالرغم من التدخل السافر لروسيا وإيران وحزب الله اللبناني وسواه من الميليشيات المذهبية العراقية وغيرها.
والواضح أن تردد الساسة الأميركيين حيال التدخل في الأزمة السورية، وعدم اكتراثهم بالقتل والدمار الذي لحق بالسوريين، جعلهم يفتقدون استراتيجية محددة للتدخل، وينتهجون سياسة مربكة ومعقدة، غير واضحة الأهداف، حيث يعتقد باراك أوباما أن التسليح المشروط، والمقنن، لقوات المعارضة المعتدلة، تحت قياده اللواء سليم إدريس، سيجعلها قوية، بما يكفي للتفاوض على إقامة حكومة انتقالية، لكن ما لا يدخل في فهم أوباما لتغيير موازين القوى هو أن النظام السوري لن يوافق على أي حل سياسي ما لم يتلقَ ضربة قاصمة تجعله يفقد توازنه، وتفهمه جيداً أن التشبّث بالسلطة لم يعد ممكناً.
غير أن الساسة الأميركيين والبريطانيين والفرنسيين يريدون إدارة الصراع في سوريا، بحيث يصلون إلى تسوية سياسية، يحكمها تفضيلهم الحل السياسي، وهو حل يتمناه كثير من السوريين أنفسهم، إلا ما يجمع الساسة الغربيين والروس من مشتركات تفضيل للحل السياسي مع دول أخرى، وإقليمية وعربية، لا يحذوه سعي كاف لتحقيق هذا الحل، بل إن الأمر يبدو، وكأن مختلف القوى الدولية، الداعمة للثورة والداعمة للنظام، لا تكترث في الحقيقة للثمن الذي يدفعه السوريون، بل تنحاز إلى ترك الوضع يتعفن ويتفكك ويهترئ، وبشكل يعم الدمار والخراب سائر أنحاء سوريا.
وجّه سوريون كثر نداءات استغاثة للعالم أجمع، وجهها أهالي داريا ودوما وحلب ودير الزور وحمص وسواها، ولم تلق أي اهتمام. وكأن ساسة الغرب ينتظرون المجازر والجرائم ترتكب، كي يخرجوا بتصريحات تدين أو تعبّر عن قلق أصحابها.
واليوم تخرج نداءات استغاثة من أحياء حمص القديمة، التي يحاصرها النظام منذ أكثر من عام، ويشن عليه حرباً طاحنة، بمساندة ميليشيات حزب الله، وفق منهج التدمير الشامل والأرض المحروقة، ولا حياة لمن تنادي، بل إن أقصى ما تفعله الإدارة الأميركية حيال ذلك، هو "التنديد بالهجمات المستمرة التي ينفذها نظام الرئيس السوري بشار الأسد على حمص ودمشق"، ودعوة "المجتمع الدولي لأن يوضح له أن عليه وقف ذلك، ومطالبة حزب الله وغيره من المقاتلين الذين تدعمهم إيران إلى مغادرة سوريا فوراً"، وكأن مقاتلي حزب الله وسواهم سيرضخون للمطالبة الأميركية الخجولة.
لقد باتت سوريا بلداً محتلاً احتلالاً مزدوجاً، داخلياً وخارجياً، والساسة الغربيون يتحدثون عن تغيير ميزان القوى، في حين أن ما وصل من سلاح "نوعي" إلى أيدي الفصائل المقاتلة ضد النظام محدود جداً، ولا يكفي لتغيير ميزان القوى المزعوم.
وإذا أخذنا الجانب الإنساني والأخلاقي، فإن النظام السوري ضرب بهما عرض الحائط، إذ تسبب هذا النظام بكارثة إنسانية في سوريا، وهو لا يسمح للمنظمات الإنسانية ولا للأمم المتحدة أو الصليب الأحمر الدولي بالدخول، من أجل الجرحى والمصابين، بل إنه يعمد إلى تعذيب الجرحى وقتلهم والتمثيل بجثثهم، وكل العالم يعلم ويشاهد أفلاماً وصوراً موثقة عن هذه الممارسات. والأنكى من ذلك كله، هو أن الساسة الروس والإيرانيين يبررون كل هذه الأعمال، ويتحدثون عن شرعية النظام رغم كل ذلك. إذ لم يخجل الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، من نفسه، حين راح يتبجح بالقول إن بلاده تورّد السلاح إلى حكومة شرعية، والأنكى من ذلك البروبوغاندا الإيرانية، إذ من السخرية، والشعور بالقرف، أن يدعو رئيس الأركان الإيراني الشعبين، المصري والتركي، "دعم رئيسيهما المنتخبين، مثلما يدعم الشعب السوري رئيسه المنتخب". إنه تزوير وافتراء، يرقى إلى الانحطاط بعينه. انحطاط نظام الملالي في وحل معياريته.