الرئيسة \  تقارير  \  تقرير حول الإعلام وصناعة الكذب

تقرير حول الإعلام وصناعة الكذب

24.10.2013
أ.عبد الرحمن صالحة


المقدمة:
لم يعد التعامل مع الاعلام ، باعتباره حلقة الوصل بين أفراد المجتمع وجماعاته ومؤسساته ، بحاجة الي التبرير ، وانما أصبح من الامور اليومية البديهية  .
وربما لا نبالغ بقولنا ان المجتمع الانساني سوف يتعرض للارتباك والفوضى في حال غياب الفعل الاعلامي أو وسائل الاعلام ، فلم تعد أهمية وظائف الاعلام وتأثيراته محل : القبول أو الجدل ،وإنما أصبح الاعلام ضرورة مجتمعية من أجل الاسهام في خلق بنيه اجتماعيه جديدة ، وأنماط سلوكيه حضارية ، وتنمية طموحات الافراد والجماعات وبالإضافة الي انه أصبح من أقوى العوامل التي تدفع  الي التغيير الاجتماعي  وتوجيه الرأي العام بحكم كونه الوسيلة الرئيسة الي حد ما ، لتبادل الآراء والمعلومات والافكار الجديدة ، لكن قد تجد في المقابل وسائل اعلام ليس الهدف منها تبادل الآراء والمعلومات والافكار بقدر ما تهدف الي التلاعب بعقول المجتمع أو الجمهور المستهدف لتحقيق أهداف معينة سواء كانت سياسية أو اقتصادية او غيرها من الاهداف الباطنية ،وحيث يزداد تأثير الوسيلة الاعلامية في المجتمع  وتسطيع التلاعب بعقول الناس كلاما احتلت الوسيلة الاعلامية موقع قريب من عقول وقلوب الناس ، وقتها نستطيع أن ندرك ما هو تأثير هذا الإعلام؟
وعند النظر لواقع  وسائل الاعلام تجد ان هناك  عناصر تؤثر وبدرجة كبيرة  في وسائل الاعلام ابرزها التمويل والملكية لوسائل الاعلام  وبالتالي تصبح الوسيلة الاعلامية رهينة لقرار وتمويل  رجل الاعمال او للقائمين علي هذه الوسيلة من أجل التسويق السياسي والاقتصادي للأفكار في المجتمع  ولبث المعلومات المطلوبة ، ولذلك سوف  نستعرض في الورقة البحثية  " الإعلام وصناعة الكذب " محاور هامة تشمل :
* دور الإعلام في توجيه الرأي العام .
* القوى المؤثرة على وسائل الإعلام .
* خطاب سياسي مضلل .
* لغة الاتهام والتخوين .
* حالة التشكك المطلوبة في مواجهة الإعلام .
* نماذج تطبيقية .
 
* دور الإعلام في توجيه الرأي العام
عندما نتحدث عن دور الاعلام في المجتمع بشكل عام ودور الاعلام في توجيه الرأي العام بشكل خاص  نجد ان وسائل الاعلام يقع عليها دور كبير في توجيه الرأي العام نحو مسلك او هدف معين وهذا يتطلب خطط اعلامية شاملة لان شرائح المجتمع غير متجانسة مما يتطلب وقت وجهود كبير
 فدور وسائل الإعلام أنها تقوم بدور التهيئة ثم دور الاستمرارية ورعاية الحدث أو أن تكون ضد هذا الحدث ثم مراعاة عملية التغيير وتهيئة الناس لتغيير المستقبل بعد ذلك.
مثلاً عند حدوث حدث او قضية ما  على الأرض يبدأ الإعلام أن ينتقل إليها بالمناقشة وبالحوار وبالتنقيح وهكذا.. إلى أن تصل هذه الجدالات الإعلامية وتفاعل الإعلام مع الرأي العام ودرجة استقباله لهذا الحدث إلى صناعة حدث جديد، وهكذا كل حدث يفرز تهيئة مباشرة، يعني يفرز بالبداية تفاعل للرأي العام و ثم الرأي العام يشكل أو يطوع الحدث الجديد، وبالتالي أن الأحداث الكبرى في حياة المجتمعات لا تتم هكذا إنما تم بشكل منظم وهي من صنع وسائل الاعلام بعد ان سلط الضوء عليها .
* القوى المؤثرة على وسائل الإعلام
ان طبيعة وسائل الإعلام بحد ذاتها تقوم بدور التسويق، ولكن بدرجات متفاوتة ومتنوعة  بين وسيلة اعلامية وأخرى فتقوم بتسويق الأفكار ، والتسويق السياسي ،  والتسويق الاجتماعي ، وتسويق السلاح، وتسويق المنتجات، فكل ما سبق يعتبر أحدى أنواع وأشكال التسويق في وسائل الاعلام وأيضا تعتبر من القوي المؤثرة علي وسائل الاعلام  ، لذلك نجد ان الوسيلة الاعلامية نجاحها أو فشلها مرتبط بمصدر تسويقها وأن استمراريتها مرتبطة بمصدر تمويلها ،حيث ان وسائل الإعلام  جزء منها يقبع تحت سيطرة السلطة بشكل كبير و جزءٌ كبير منها  تحت سيطرة رجال أعمال
* دور الإعلام في التأثير على الجمهور، وكيف يتم التلاعب في الإعلام؟
 
يقول باسكال بونيفاس/مدير مركز الدراسات الجيوسياسية باريس: التلاعب بالمعلومات أمرٌ - معروفٌ و موجودٌ منذ زمنٍ طويل، وتطور الاهتمام بالرأي العام على المستوى الدولي جعل هذا التلاعب أكثر وضوحاً، وكلما كان لرأي الجمهور وزنٌ وتأثير في تحديد توجهات السياسة الخارجية، كلما صارت هناك حاجة ملحة للتلاعب في حد ذاته، من أجل تحقيق غاياتٍ سياسية، آليات التلاعب معروفة وهي إعطاء قدرٍ معين من الأخبار الصادقة والصحيحة لإخفاء القدر الأكبر المغلوط أو المزيف في محاولة لصناعة أمر ما، أي أن تقترن بعض المصداقية بكذبةٍ كبيرة، على سبيل المثال عام 2003l مع علمنا بأن صدام حسين كان له آنذاك بعض النوايا الغير ودية، ولكن لم يكن لديه أسلحة نووية، وقد تمّ اللجوء إلى التلاعب الإعلامي وإقناع الجمهور أو الرأي العام بأن هناك أسلحةً نووية من أجل تبرير الحرب عليه، إلا أن التلاعب تكشف دائماً حقيقته لأن تعدد المصادر يجعل وسائل إعلامية تكتشف الحقيقة التي أخفتها وسائل إعلامية أخرى، يعني في النهاية التعددية والتنوع الإعلامي يساعدان ضد تطور التلاعب والتزييف الإعلاميين .
 
ويمكن لوسائل الاعلام التأثير في الجمهور من خلال بث الوسائل الرسائل والمعلومات  للمتلقي أنه يعيش في حالة مؤامرة كونية كما فعل البعض بأن جعل الناس يعيشون في مسلسل نظرية المؤامرة .
 
* خطاب سياسي مضلل
استخدام اللغة في حد ذاتها هي قضية محورية في علم الخطاب الإعلامي، هذا يكاد أن يكون علم مستقل، بمعنى  أنني استطيع أن استخدم مصطلح في الوقت الذي استطيع أن استخدم له مصطلح بديل .
ومن الأمثلة الحية التي أستخدمها الإعلام ضد جماعة الإخوان المسلمين كمثال أنهم أصحاب مشروع أممي, وهي على وجهين فالإعلام رسم صورةً لهذا المشروع وقربه وبينّه للملتقى على انه عيب، في الوقت الذي كل التيارات القومية والتيارات الناصرية هي في الأساس مشروع أممي، يعني التيار الناصري أو التيار القومي ما هي إلى مشاريع أممية ، بل إن التيار الليبرالي مثلاً هو مشروع أممي يسعى إلى أن يجعل الدولة تنخرط في المنظومة الدولية، وتطبيق فكرة العولمة والاتفاق على مجموعة من القيم الأساسية التي يقوم عليها العالم ككل.
* لغة الاتهام والتخوين
 هذه اللغة هي أكبر خطيئة يمكن أن يقع فيها الإعلام بأي بلد ، لأن الدور الأساسي للإعلام هو الحفاظ على التماسك المجتمعي وهذا دور أساسي وثابت في كل الدول من أجل الحفاظ على التماسك المجتمعي  حيث نصت عليه كافة قوانين ودساتير العالم ومواثيق الاعلام والصحافة في كل بلد ، لكن هناك مؤسسات اعلامية تحاول شيطنة الأخر عبر تسميات وتوصيفات منبوذة وغريبة وقد تطلقها علي الاحداث أو علي الاشخاص أو المواقف ، من اجل النيل منها لتحقيق مكاسب رخيصة سواء كانت اعلامية او سياسية او اجتماعية .... وغيرها .
وخير مثال واقعي علي لغة الاتهام والتخوين الهجمة الاعلامية المنظمة التي مارستها و مازا لات تمارسها الوسائل الاعلامية المصرية .
 
* حالة التشكيك المطلوبة في مواجهة الإعلام
 إذا أردنا ان نتحدث عن هذا العنصر فحتى لا نقع  في ظلم الناس وإطلاق الأحكام عليهم يبنغي أن نجلي هذا العنصر جيداً وأول ما نقول فيه للعامة ولكل المتلقين إذا كنت تريد أن تنجو من فخ أن يتم التلاعب بعقلك عليك أن تتشكك ينبغي أن تقرأ، ينبغي أن تقارن، لا تصدق أي شيء يعرض لك الأمور باعتبار أنها الحقيقة الكاملة الواضحة المبينة، هذا شيء غير موجود، الذي يقول لك صدقني لا تصدقه، الذي يقول لك اسمع كلامي هو الصواب الذي لا يصله خطأٌ لا تصدقه، لابد أن تتشكك، حالة التشكيك هي التي تؤسس لحالة الوعي وحالة الوعي هي التي تخرج الناس من كونهم ضحايا للتلاعب بالعقول.
 
نموذج عربي " الإعلام وصناعة الكذب "
عبد الرحمن صالحة .
في الفترة الأخيرة دأب العديد من رموز الإعلام المصري والقنوات والفضائيات  المصرية  الحديث عن قطاع غزة وزج  واقحام القطاع  بالأحداث المصرية الجارية وتحميل الفلسطينيين مسؤولية ما يجري   في مصر  في أعقاب التطورات الأخيرة التي شهدتها جمهورية مصر العربية حيث تصاعدت حملة قامت بها بعض وسائل الإعلام المصرية تحرَّض على الفلسطينيين وتسارع إلى نشر أخبار غير دقيقة تسهم في التشهير بالفلسطينيين والتحريض عليهم، كما جرى اتخاذ مجموعة من القرارات المؤسفة تتعلق بحركة المواطنين الفلسطينيين من خلال المعابر والمطارات المختلفة من وإلى أراضي جمهورية مصر العربية،
بعد ان كانت الشفافية والموضوعية شعار  الإعلام المصري فى السنين الأخيرة ولكن ما خرج  من الاعلام المصري في الآونة الخيرة من اتهامات وتهم منسوبه للفلسطينيين لا يمثل الشفافية والموضوعية الاعلامية علي الاطلاق .
أن وسائل الإعلام المصرية، لعبت دوراً أساسياً في تشكيل رأي عام مصري "حاقد" تجاه قطاع غزة عبر تزييف الحقائق ونقلها بمبالغة كبيرة وتضخيم غير موضوعي للحدث حيث أصبح هناك وجهة نظر سائدة عتد المجتمع المصري ان الفلسطيني ارهابي وقاتل  ونحن للأسف غير ذلك نحن شعب بسيط لا نمتلك  سوى رسالة الحب والسلام لإخواننا المصريين وغيرهم من العرب  فأن  الروابط والعلاقات التاريخية بين الشعبين المصري والفلسطيني والدور التاريخي الذي لعبته مصر في احتضان القضية الفلسطينية وما قدمته عبر تاريخها وحاضرها لأهلنا في قطاع غزة على وجه الخصوص اكبر من ان تحقد مصر علينا وان نتهم بتخريب و التدمير و التدخل في الشأن المصري لطرف علي حساب الاخر  ،
نتيجة الصورة الإعلامية  الغير دقيقة والغير الصحيحة  التي رسمها الاعلام المصري علي الفلسطينيين ادت الي ان أصبح الفرد الفلسطيني  الذي يوجد في مصر يخفي جنسيته أثناء تنقله بالحافلات حتى لا يبطش به او يتعرض للقتل من اخوانه المصريون .
نموذج  " غربي  " " الإعلام وصناعة الكذب "
تساءلت الباحثة البريطانية " فرانسيس ستونز" من الذي يدفع للزمّار؟  في كتابها "الحرب الباردة الثقافية.. المخابرات الأميركية وعالم الفنون والآداب"، والذي أوردت فيه كيف أن المخابرات الأميركية المركزية "السي آي إيه" قد تولت إنشاء واجهة ثقافية تحارب الشيوعية بالوسائل الثقافية، واستخدمت في ذلك المنشقين عن الشيوعية والمراكز الثقافية وأفلام السينما والمحاضرات والموسيقى والغناء والفن، وكان الاتحاد الدولي للحرية الثقافية التابع للمخابرات الأميركية قد اصدر أكثر من عشرين مجلة ذات تأثير كبير، وكيف أن هذه المنظمة وقفت خلف عدم فوز الشاعر "التشيلي نيرودا" في جائزة نوبل عام1990 ، وكانت أيضا وراء إخضاع أرنست همنغواي للمتابعة والتحقيق حتى أصيب بالاكتئاب وانتحر، ماذا تريد الكاتبة البريطانية أن تقول، وماذا نريد أن نبحث الليلة في العمق؟
 
إن الاختراق السياسي شمل مجالات الفكر والثقافة والفن والأدب والمسرح والسينما وكذلك الاعلامي ، وقد كان لأجهزة المخابرات الغربية مطبوعاتها وقنواتها التلفزيونية و دور نشرها وإعلاميها، وقامت على عملية استئجار المثقفين لخوض غمار الحرب الثقافية ودعم الكُّتاب بشكل مباشر أو عن طريق الوكلاء المحليين وصولاً إلى المتاحف مثل متحف الفن الحديث في نيويورك وكذلك الكثير من وسائل الإعلام في أكثر من بلد وهي تزود هذه الوسائل بكل ما تريد، تعطيها الأفلام الكبيرة والمهمة والجديدة والبرامج بالمجان وتشتري الطبعات الغالية والخاسرة

من دور النشر المتعثرة، المهم أن يتحدث كل هؤلاء باللغة الأميركية ووفق المصلحة الأميركية، وأن لا يرى أحدٌ الأشياء إلا بعين أميركا، أيُّها السادة يقول المفكر العربي منير العكش في كتابه "أميركا والإرادات الثقافية"، إن أميركا ككيان مهيمن قامت على أنها تملك حق التضحية بالآخر أي سكان البلد الأصليين وغيرهم من الشعوب المستعمرة، وأوضح العكش أن هذه التضحية بالآخر لا تتم إلا عبر شيطنته أولاً، ويقول الباحث العراقي سالم عبود في دراسة هامة عن اللغة والعنف.. دور الكلمة في الخطاب الإعلامي يقول: "لا توجد كلمة بريئة وأخرى أقل براءة في علم اللغة، وأن الإعلام الغربي أفاد إفادة عظيمة من تطور علم اللغة وكان أهم ضحايا هذه الدعاية هو المتلقي"، أنا وأنت.