الرئيسة \  واحة اللقاء  \  تفكيك المنطقة يبدأ من لبنان؟

تفكيك المنطقة يبدأ من لبنان؟

03.12.2013
رأي القدس
رأي القدس


القدس العربي
الاثنين 2/12/2013
حصدت الاشتباكات الدائرة بين جبل محسن وباب التبانة في طرابلس اللبنانية عدداً جديداً من القتلى والجرحى يضاف الى ضحايا النزاع الدائر فيها.
لولا وجودها ضمن الحدود اللبنانية، فان مدينة طرابلس تكاد تشبه بوضعها كثيراً من المدن السورية، فهي المدينة اللبنانية الوحيدة التي يتألف سكّانها من أقلّية علوية، تقيم في جبل محسن، وهو حال يشابه حال الكثير من العلويين في سورية، والذين يسكنون في جبال او مناطق عالية تطلّ على المدن، كما هو الحال في اللاذقية ودمشق.
العلاقة السورية بالحالة الطرابلسية تتعزز مع ادراك أن عدداً كبيراً من علويي المدينة يتحدّرون من سورية، ونال الكثيرون منهم الجنسية اللبنانية أثناء السيطرة السورية على لبنان، بحيث بلغت نسبتهم 11 من عدد سكان المدينة.
يعود اشتغال النظام السوري على هذا التعزيز الطائفيّ لطابع المدينة اللبنانية لفترة بعيدة وتتصادى فكرة التغيير الديمغرافي لمكوناتها الاجتماعية والمذهبية مع اسلوب النظام السوري في التلاعب على المفاتيح الطائفية للتحكم بشؤون بلده والبلدان المحيطة به، واضعاً في حساباته كسر التوازن في علاقات أهل المدينة الوثيقة بسكان القرى والمدن السورية القريبة منها، بحيث تكون الديمغرافيا الطائفية الجديدة في شمال لبنان موازناً لثقل وزن حزب الله وأمل في جنوبه.
ومن المفارقات التاريخية أن القيادات الشعبية لسكان طرابلس رفضت في اربعينيات القرن الماضي الانضمام الى جمهورية لبنان وقام سكانها بمظاهرات مطالبين بضم المدينة الى الجمهورية السورية فصاروا اليوم يعانون من محاولات النظام السوري فرض ارادته عليهم.
ولعلّ تعامل القيادات السياسية اللبنانية مع الأزمة في طرابلس بالبيانات والتصريحات فحسب، عائد لإدراكها تلك العلاقة الوثيقة الالزامية بين الوضع فيها والوضع في سورية، بحيث يغدو أي حلّ ‘لبناني’ للشأن الطرابلسي أمراً غير قابل للتطبيق.
ومن هنا يمكن فهم الرابط بين تصعيد النظام السوري حربه ضد المعارضة في مناطق القلمون القريبة من طرابلس، وتصعيد توابعه الأمنية والسياسية في جبل محسن نزاعها مع باقي المدينة.
فقد أعلن من سموا أنفسهم ‘قادة المحاور في جبل محسن’ في بيان لهم النية في ‘فرض حصار كامل على مدينة طرابلس حتى تسليم كل من حرّض وهدر دم أبناء جبل محسن’، معتبرين ان ‘المدينة ستكون من يوم الإثنين مرمى لعملياتنا’، كما أعلن أحد شيوخ جبل محسن تصعيداً في النزاع الدائر لأن ‘الأمور خرجت من السيطرة’، وهو ما ينذر بتصعيد كبير يوازي التصعيد الآخر في سورية.
هذا السيناريو المؤسف للتقاتل على أسس طائفية والذي حصد خلال اليومين السابقين فقط عشرات الضحايا، يعتاش على الحقد الأهلي والكراهية العبثية ولا يستفيد منه غير النظام السوري الذي لا يكفّ عن المحاولة في اطالة عمره بخلق النزاعات الأهلية في بلده ومحيطه الجغرافي الأوسع.
لقد حافظ لبنان على وحدته السياسية بسبب تركيبته التي تقوم على توازن طائفي وتغطية دائمة، وإن تكن متبدّلة بين مرحلة وأخرى، لكنها تعتمد دائما على اتفاق بين بلدان الاقليم والدول الكبرى.
من خداع النفس، ضمن التوازنات السياسية الحالية، والصراع غير المحسوم في سورية، الاعتقاد بقدرة القيادات السياسية اللبنانية وحدها، على حلّ جذري للأزمة في طرابلس، وهي القيادات التي لم تستطع تشكيل حكومة جديدة منذ 6 نيسان /ابريل الماضي.
لكن الخداع الأكبر هو قبول أي طرف سياسي / عسكري لبناني العمل ورقة في يد نظام مستبدّ استخدم في ‘علاج’ معارضة شعبه له منهج غروزني الروسي في تدمير المدن وتهجير أهاليها.
فما يبدو سيناريو بسيطاً للشحن الطائفي المدفوع الأكلاف يمكن أن ينتهي بحرب لا تتوقف حتى تفكّك أحشاء لبنان وتدمّر بناه التحتية كما حصل في ‘الشقيقة’ سورية.
النظام السوري لن يتردد في تفكيك لبنان لو كان ذلك ثمن بقائه في الحكم.
… وتفكيك لبنان سيعني تفكيكاً للمشرق العربي كله.