الرئيسة \  واحة اللقاء  \  تمدد "داعش"..!

تمدد "داعش"..!

14.08.2014
محمد خلفان الصوافي



الاتحاد
الاربعاء 13/8/2014
استدعت الجرائم الإنسانية التي يرتكبها ما يطلق عليه تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش) إلى أذهان الرأي العام العالمي أعمال العنف والإرهاب المنسوبة إلى الدين الإسلامي. وبدأت القضية تثار على هذا النحو. وهذا الاستحضار يعيد إلى أذهان الكثيرين بمن فيهم الجيل الجديد ما كان يرتكبه تنظيم "القاعدة" من جرائم ضد الإنسانية تسببت في التشديد على إجراءات دخول المسلمين الدول الغربية. الأمر الذي يدعو إلى الظهور بموقف إسلامي لحماية المسلمين ودينهم، وكذلك إلى التحرك نحو التذكير بأهمية التسامح الديني والتعايش السلمي وما كان يعرف "بحوار الحضارات". وبدون ذلك سيعاني المسلم مرة أخرى تهمة الإرهاب لأن المسألة لم تنته وإن "خمدت" بعض الشيء.
قال أحد الخليجيين يدرس في إحدى الدول الأوروبية في تعليقه على ما يفعله "داعش": لو خرج علماء المسلمين في مؤتمر دولي وقالوا إن ما يفعله "داعش" ليس له بالإسلام والمسلمين أي صلة، لتحقق لنا شيئان على الأقل: الأول؛ أنه سيخفف علينا مسألة الدفاع عن الدين الإسلامي الذي بات "كأنه متهم" بسبب جرائم بعض الحركات التي تدعي أنها تمثل الإسلام (داعش والنصرة) وبعض رجال الدين المتشددين. فهم يذكرون شعوب العالم بما كانت تفعله "القاعدة" قبل أعوام من فظاعات! المسألة اليوم مع "داعش" كما نراها تتوسع ليس جغرافياً فقط ولكن في نوعية الجرائم عبر ترهيب الناس الذين لا يعتنقون الدين الإسلامي أو يختلفون في الطائفة مع "داعش". الشيء الثاني، كما يقول الصديق الخليجي، أن موقف علماء المسلمين سيحمي المنطقة من حرب طائفية بدت ملامحها قادمة، وهي لن تكون بين طائفتين فقط، كما هو معروف تقليدياً. لكنها ستتوسع لتشمل العديد من الطوائف. وإذا كانت هذه الحرب موجودة أصلا فإنه يمكن القول إنها جزئية وفي بعض الأنحاء من المنطقة مثل البحرين والعراق، لكنها اليوم ربما تتوسع وتأخذ أبعاداً أكبر لأن "داعش" على حدود دول مجاورة للعراق مثل السعودية والأردن وهو موجود في أجزاء من سوريا. ومن الناحية العرقية فرغم أن "داعش" حركة سنية إلا أن المؤشرات تقول إن الأمر بصدد المواجهة مع الأكراد وهم سنّة أيضاً.
اعتقد بعض المراقبين والمحللين السياسيين والأمنيين عند ظهور "داعش" في العراق بأن أمر انتهائه لا يحتاج إلى مواجهة عسكرية ضده. على اعتبار أن الناس في منطقة الشرق الأوسط "ملت" الإرهاب وأفعاله من قتل الأبرياء بطريقة وحشية، وبالتالي فإن الرهان على الوقت كفيل بأن ينهيه مثله مثل بعض الحركات المتطرفة الأخرى التي ظهرت في منطقة آسيا الوسطى وكانت تعرف "بالسلفية الجهادية". لمركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية كتاب يتناول ظاهرة السلفية الجهادية قبل ظهور "داعش" بفترة. لو نظرنا إلى تحليل المراقبين والمحللين الأمنيين سنجد فيه شيئاً من الواقعية باعتبار أن هناك نماذج لهذه الحركات تعجلت في استعداء العالم بجرائمها فانتهت. لكن ما نراه اليوم من تمدد "داعش" يجعل السياسيين وغيرهم يشعرون بالقلق. مثل ذلك الخطاب الذي ألقاء العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود قبل أيام يتهم فيه العلماء بالتقصير تجاه الدين الإسلامي.
تلك التحليلات لمستقبل "داعش" في المنطقة جعلت من مسألة التفكير في مواجهته عسكرياً أو بالاهتمام به من حيث توعية الرأي العالم الداخلي ليس في أولويات الدول والمجتمعات العربية. ربما لأن لهذا التنظيم هدفاً سياسياً "دغدغ" مشاعر الناس وهذا الهدف يتمثل في التأثير على سياسات رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي الطائفية ضد السنة في العراق. وكانت هذه السياسة سبباً في زيادة شعبية "داعش" في العراق. لكن الخطر بدأ يتضح من خلال وجود بعض المؤيدين له في بعض الدول العربية والإسلامية، وهنا مكمن الخطر! الخطر لم يعد عراقياً فقط؛ بعدما بدأ ينتشر تأييده في وسائل التواصل الاجتماعي، وهذا ما يجعل فكرة تمدده في المجتمعات أمراً قابلاً لأن يكون تهديداً جديداً.
بلا شك؛ هناك عوامل عربية وأخرى عراقية وربما عالمية أيضاً تتسبب في أن ينمو "داعش" في المجتمعات ويحقق انتصارات على الأرض. فحالة الانقسام العربي حول ما يحدث في المنطقة "شل" آلية العمل العربي وتسبب في أن يختفي الموقف العربي من أي حدث وبقيت فقط مواقف فردية للدول، هذا الحال أثر على العمل الإسلامي أيضاً. وبالتالي فانتظار أي جهد إسلامي أو عربي تجاه "داعش" قد يكون أمراً مستبعداً. أما من الناحية العراقية؛ فإن سياسات المالكي وتشدده في تمسكه بالسلطة يوفر للتنظيم الشرعية في أن يجد له قبولا في المجتمع السني. أما تراجع السياسة الأميركية في مواجهة الإرهاب فهي بلا شك سبب رئيس لحالة "الترهل" الذي تعيشه الدول العربية.
وفي ظل هذه التطورات فإن مسألة الرهان على العامل الزمني للقضاء على "داعش" لم يعد مقبولاً خاصة وأنه يحقق انتصاراته من خلال "خلايا نائمة" وليس بحجم القوة التي يمتلكها فعلاً؛ والتي لا يعرف أحد حجمها الحقيقي. ويبقى التحدي الأكبر أن لا يتعدى هذا التأييد إلى التفكير في القيام بأعمال تتجاوز الإقليم إلى العالم وربما الدول المجاورة. وكما يبدو فإن "داعش" بدأت تختصر المسافات وتقوم بتحركات غير متوقعة. سيحتاج العالم إلى وقت كي يعرف حقيقة "داعش" ومن يقف وراءه. وهل هو مليشيا تمارس حرب العصابات، أم أنه -كما يدعي- "دولة"؟ وهل هو نتيجة لحالة الفوضى السياسية التي تشهدها المنطقة أم أنه في الحقيقة "خلافة إسلامية".
وقبل كل ذلك، سيكون من المعيب لو استمر الموقف الإسلامي صامتاً حول ما يفعله "داعش"، باعتبار ذلك من علامات القبول به. كما أنه من الصعب الركون إلى عامل الوقت أو ترك العراق يتعامل مع "داعش" على أنه حالة خاصة به. لأن النتائج السلبية له بدأت تنتشر في المنطقة بأكملها. المطلوب موقف إسلامي واضح تجاهه، فهو لم يحارب سياسات المالكي فقط، ولكنه ارتكب جرائم ضد الإنسانية. ترك الموضوع من دون إدانة واضحة قد يسيء للدين الإسلامي والمسلمين وإلى السنة تحديداً!