الرئيسة \  واحة اللقاء  \  تناقضات عجيبة في المنطقة!

تناقضات عجيبة في المنطقة!

27.10.2013
عبدالعزيز التويجري


الحياة
السبت 26/10/2013
ما حدث ويحدث بين القوى الكبرى من مناورات ومفاهمات بشأن العالم الإسلامي وقضاياه، وبخاصة القضية الفلسطينية والوضع السوري المأسوي، وما آلت إليه الأمور في دول ما سمي بالربيع العربي وفي طليعتها مصر، من تدهور وانتكاسات، كل ذلك يوحي بأن المنطقة مقبلة على تغيرات كبيرة ومفاجآت مذهلة.
والغريب في هذا الخضم المتلاطم من الأحداث المتلاحقة، هو التناقضات العجيبة التي نتجت من هذه الأحداث؛ فالولايات المتحدة الأميركية، المتهمة من النظام الحاكم في مصر الآن، بالتعاطف مع الإخوان المسلمين المزاحين عن الحكم، والتي تعادي النظام الحاكم في إيران الداعم للنظام الحاكم في سورية، تتفاهم مع روسيا وإيران على الإبقاء على نظام بشار الأسد الذي قتل حتى الآن أكثر من مئتي ألف مواطن ومواطنة، وهجَّر أكثر من أربعة ملايين سوري، ودمر المدن والقرى، واستخدم السلاح الكيماوي ضد مواطنيه، والثمن هو نزع سلاحه الكيماوي حماية لإسرائيل. بل تذهب الولايات المتحدة الأميركية أبعد من ذلك في التفاهم مع إيران، وتغيير مواقفها العدائية ضدها، لإعادة رسم خريطة المنطقة سياسياً واستراتيجياً، والتنكر لحلفائها التقليديين. والنظام الحاكم في مصر، الرافض للتدخل الأميركي في شؤون مصر، والمدعوم من غالبية دول الخليج التي تدعم المعارضة السورية، يتجه نحو النظام السوري ويلطف الأجواء معه في انسجام مع الموقف الأميركي. والسلطة الوطنية الفلسطينية الممولة من دول الخليج، والتي أعلنت من قبل دعمها للمعارضة السورية، ترسل مندوباً عنها إلى دمشق يلتقي بالرئيس الأسد ويشيد بنظامه. هذه معضلة تحار فيها العقول ولغز يصعب حل تعقيداته، ودليل على التخبط الكبير الذي يطبع السياسات العربية والغربية والمكر المريب الذي يقبع خلف مواقف القوى الكبرى وتخطيطاتها المشبوهة المريبة.
لقد أدى هذا التقلب في المواقف السياسية والفوضى العارمة التي تغرق فيها المنطقة، إلى اشتداد العنف الطائفي والعرقي، واحتدام الخلافات السياسية والفكرية في المنطقة العربية، الأمر الذي يؤكد صحة ما قلته مراراً وحذرت من خطره، في مقالات سابقة في «الحياة»، وفي محاضرات عدة ألقيتها في محافل عربية ودولية عن الفوضى الهدامة التي سمّاها المخططون لها الفوضى الخلاقة التي تستهدف العالم الإسلامي برمته لإضعافه وتمزيقه ونشر الخلافات بين أبنائه.
فهل تعي دول العالم الإسلامي وعددها اليوم سبع وخمسون دولة، وبالأخص الدول العربية، خطورة الأوضاع الحالية والمتغيرات المقبلة على استقلالها وسيادتها وعلى مصالحها وهويتها، وتبادر إلى العمل الصادق المخلص للحفاظ على وجودها ومستقبل أجيالها؟ أم أنها ستبقى عاجزة عن اتخاذ القرار الصائب والفعل المؤثر، وتترك الساحة للقوى الكبرى وللاعبين الإقليميين ليحققوا أهدافهم على حساب مصالحها وأمنها واستقرارها.
إن قرار المملكة العربية السعودية الاعتذار عن قبول عضوية مجلس الأمن، التي فازت بها للمرة الأولى منذ إنشاء هذا المجلس، هو رفض لهذه السياسات الدولية الماكرة وللعجز المفتعل الذي ترعاه الدول الكبرى التي أضرت بمصالح العالم الإسلامي وكادت له ولا تزال تكيد، وهو إلى ذلك قرار حكيم تنفرد به المملكة من بين الأسرة الدولية جميعاً، وتؤسّس به موقفـاً ديبلوماسياً رائداً قوياً ونافذاً ستكون له لا محالة تداعياته وآثاره في واقع السياسة الدولية. ولكن ينبغي استثمار هذا الموقف، ليس من جانب المملكة العربية السعودية فحسب، وإنما من جميع دول العالم الإسلامي، في رفض السياسة المجحفة المجافية للحق وللعدالة والمتعارضة مع حقوق الإنسان التي تنهجها الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن، التي أفقدت هذا المجلس مشروعيته، فأصبح لا جدوى منه ولا قيمة له، مما يتطلب موقفاً دولياً جريئاً في إطار الجمعية العامة للأمم المتحدة، لمراجعة قرار إنشاء المجلس والنظر في اختصاصاته في ضوء التجارب السياسية الدولية الفاشلة والمتغيرات التي يشهدها العالم. فإعادة النظر في تركيبة هذا المجلس وفي الاختصاصات المخولة له، وفي الامتيازات التي تتمتع بها الدول الدائمة العضوية، هو من اختصاص الجمعية العامة للأمم المتحدة. ولقد أصبح العالم اليوم يدرك جيداً أن مجلس الأمن لم يعد يخدم الأمن والسلم الدوليين، بل أصبح يسير في الاتجاه المعاكس للأمن والمهدّد لاستقرار الأوضاع في العالم.
ويبقى أن نتبع القول العمل وأن نستخدم كل الوسائل الممكنة التي نملكها لتطوير قدراتنا، وحماية أمن دولنا واستقلال قرارها ومصالح شعوبها، ونوقن تماماً أن السياسات الدولية مبنية على المصالح المتغيرة وليس على القيم والمبادئ والأخلاق الثابتة مهما تجمل القول ودغدغت العواطف. فالحق تحميه القوة، والضعفاء لا بواكي لهم.