الرئيسة \  واحة اللقاء  \  تنظيم "الدولة الإسلامية" يتعرض لحملة منسقة قد تجبره على التراجع

تنظيم "الدولة الإسلامية" يتعرض لحملة منسقة قد تجبره على التراجع

03.04.2016
وائل عصام


القدس العربي
السبت 2-4-2016
يدرك تنظيم الدولة أنه دخل مرحلة عصيبة قد تؤدي إلى تراجع نفوذه، فتمدده لمدن رئيسية جديدة أصبح أمرا مستبعدا في الوقت الراهن، والأهم من ذلك أن بقاءه بات مهددا في الكثير من المراكز بسبب الهجمة الدولية الشرسة المتواصلة عليه.
وعلى الرغم من المقاومة العنيدة التي أبداها التنظيم لأشهر طويلة، أمام هجمات خصومه المدعومين من قوتين عظميين أمريكا وروسيا، بالعراق وسوريا، إلا أن سياسة الأرض المحروقة والتفوق العسكري بالتدمير الهائل المركز في نقطة محددة، أدت لتراجع التنظيم من عدد من البلدات والمدن، كتكريت وبيجي والرمادي وتدمر والشدادي والمناطق المتداخلة مع القرى الكردية شمال سوريا. ولا بد هنا من الإشارة لملاحظتين سريعتين قبل الانتقال للحديث عن مستقبل تراجع تنظيم الدولة، وهما عدم تمكن أي طرف محلي في هذه الحرب الأهلية من تحقيق أي تقدم ضد تنظيم الدولة، بدون دعم من قوة دولية، رغم أن تنظيم الدولة هو بالنهاية طرف في نزاع اهلي، ويعتمد في أغلبه على مكون محلي ذاتي الإمكانات، وهي إمكانات عسكرية اقل بمراحل من جيوش دول كأمريكا وروسيا، والملاحظة الثانية هي أن القوات البرية التي قادت الهجمات الرئيسية ضد تنظيم الدولة في المدن السنية، إما قوات تابعة لحكومات بغداد أو دمشق الطائفيتين، أو قوات كردية، بينما لم تضطلع مجموعات العرب السنة كالصحوات إلا بدور ثانوي نسبيا، وفر شرعية معنوية وغطاء طائفيا لا أكثر، والحالة الوحيدة التي قاتلت قوات خالصة من العرب السنة ضد تنظيم الدولة في ريف حلب الشمالي كانت هي الأقل نجاحا وبلا نتائج حقيقية، ربما هذا يظهر تراجع بالحماسة لدى السنة في قتال التنظيم. وهكذا فإن المناطق البعيدة عن مراكز الثقل الديمغرافي المختلط ظلت عصية على التنظيم، خصوصا غرب خط حلب حمص دمشق، وشرق نهر دجلة، والمناطق الكردية شمال العراق وسوريا، وكلما توجهنا نحو غرب دجلة وشرق خط حلب دمشق وجنوب المناطق الكردية، وجدنا أن هذه المناطق أكثر ملاءمة لتحصن التنظيم، على الرغم من وجود عشائر وتجمعات سنية معادية بشدة للتنظيم، إلا أنها غير فعالة بحشد كتلة سنية إلا بمعونة حكومتي دمشق وبغداد، أو الاكراد وجميعهم يعتمدون على ثقل وزخم ديمغرافي يتقلص كلما توغلنا نحو بادية الشام والأنبار.
تبدو فرص التنظيم في المطاولة أكبر في سوريا منها بالعراق، لاتساع فضاء المناطق السنية الخالصة بسوريا، في العراق تبدو الموصل والفلوجة أكثر المواقع القادرة على المطاولة، وفي سوريا لا تزال الرقة وريف دير الزور والباب ومنبج. وجرابلس والسخنة مواقع حصينة للتنظيم، لكن كل هذه المناطق مهددة بعمليات عسكرية من اكثر من طرف دولي وإقليمي.
فالفلوجة محاصرة كليا اليوم، وكل طرق الإمداد لها باتت مقطوعة، خصوصا بعد عزلها عن الرمادي وسيطرة الحكومة على كبيسة وهيت، وتشرف على عملياتها قوات حكومية وميليشيات وصحوات مرتبطة بغرفة قيادة أمريكية، والموصل رغم أنها ما زالت بعيدة عن الحصار، إلا أن الامريكيين والاكراد يحاولون تضييق الخناق عليها، مع استبعاد او إضعاف دور الحشد الشعبي، وغربا نحو تلعفر فإن الأكراد سيحاولون الهجوم عليها بأقرب فرصة، كما فعلوا مع سنجار. أما الحويجة فهي تشهد تضييقا مزدوجا جنوبا من الحشد الشعبي الصاعد من بيجي، وشرقا من البشمركة الكردية، ومع خسارة التنظيم لجزيرة سامراء، فإن فرصه ضاقت باطلاق هجمات لفك الحصار عن بيجي والفلوجة.
في سوريا تبدو العمليات اكثر وضوحا، فدير الزور والرقة قد تتعرضان لهجوم مزدوج شمالا من ميليشات الأكراد، وجنوبا في حال استطاع النظام السوري الوصول لهما بعد اجتياز السخنة لها من تدمر، وكذلك الوصول إلى الطبقة وهو أمر يبدو مستبعدا حصوله قريبا بسبب الطبيعة الصحراوية لتلك المنطقة، التي تنتشر فيها مراكز للتنظيم وطول خطوط الإمداد التي تحتاج لتوفير أعداد كبيرة من الجنود.
أما ريف حلب الشمالي فهو يخضع لخطتين تتسابقان، خطة تركية تحظى بغطاء جوي أمريكي بدعم فصائل من ريف حلب الشمالي للسيطرة على قرى التنظيم هناك، ولم تتمكن تلك الفصائل من تحقيق أي تقدم يذكر في الأربعة شهور الماضية، وخطة يبدو أن الاكراد يسعون لها بالهجوم واجتياز غرب نهر الفرات نحو جرابلس ومنبج بتغطية أمريكية. كما النظام يسعى للتقدم من مطار كويريس إلى مدينتي دير حافر والباب معاقل التنظيم بريف حلب الشرقي، وكل هذه العمليات لم يكن النظام قادرا على الولوج فيها لولا الهدنة التي حصل عليها النظام من الفصائل، والتي مكنته من سحب اعداد كبيرة من جنوده وعتاده وغرف عملياته نحو جبهات قتال تنظيم الدولة. وهكذا فان التنظيم قد ينكمش مستقبلا، ويبدو بالافق احتمالان، او خريطتان من المواقع التي يمكن أن يتراجع إليهما التنظيم بالنهاية التي قد تعود به ربما إلى الصحراء مجددا.. الأولى هي أن يفقد كل خطوط الدفاع المتقدمة ويبقى محافظا على بعض المدن الرئيسية، من مدينتين إلى اربعة مدن، كالفلوجة والموصل والرقة وريف دير الزور. اما المرحلة الثانية الاكثر انكفاء، هي أن يفقد كل المدن الرئيسية ويعود لقلب المنطقة الصحراوية التي اعتاد على الاختباء في قراها ووديانها، وهي تمتد من البعاج جنوب غرب الموصل حتى الرطبة عند الحدود الاردنية العراقية ووادي حوران، نحو قرى جنوب دير الزور قرب الميادين حتى مناطق جوار السخنة في قلب بادية الشام، ورغم الخسارة المعنوية الكبيرة التي ستحل بالتنظيم، إلا انه سيتحرر من عبء إدارة المدن وسيتخلص من التمركز بمواقع مرصودة للطيران داخل المدن، بحيث سيصبح بإمكانه شن هجمات خاطفة ومباغته وإنهاك خصومه، الذين لن يكون بإمكانهم الاستفادة من الطيران لصد هذه الهجمات نظرا لانها تتم بسرعة، ومن ثم يعود لمواقع تحصنه في مناطق نائية بقرى واخاديد وادي حوران وسط الصحراء. وسينتظر التنظيم حينها فرصة مواتية للظهور مجددا في المدن، وسيكون حاله مشابها لما حصل معه في الانكفاء الاول بالعراق عام 2009 عندما اضطر للاختباء في مواقع صحراوية قاسية المعيشة.
هذه تبقى احتمالات التراجع الخاضعة للاعتبارات الحالية، بدون أن نعلم ما اذا كانت هناك معطيات جديدة قد تطرأ وتؤثر لصالح او ضد هذه الخيارات. يعتمد تنظيم الدولة على المطاولة في حربه لا المناجزة، بانتظار أن تأتي الرياح بما يثقل موازين القوى لصالحه، أو يخفف عنه الضغط كما يأمل بعض مناصرو التنظيم، كانفراط عقد المتحالفين ضده أو أن تدب الخلافات بينهم، كما يحصل احيانا بين الاكراد وحكومة بغداد، أو يتفاقم النزاع الكردي في تركيا، وهو أمر لا يبدو قريب الحدوث، أو أن تحصل مفاجآت بالمنطقة كاختلال الوضع الأمني في السعودية، الأمر الذي قد يفسح المجال لانضمام ساحة نزاع جديدة قد تمنح زخما للتنظيم المنكفئ في العراق وسوريا، تماما كما منح النزاع في الثورة السورية ساحة زخم سنية جديدة انعشت التنظيم الذي كان منكفئا بالعراق.
٭ كاتب فلسطيني من أسرة "القدس العربي"