الرئيسة \  واحة اللقاء  \  تواريخ غيرت التاريخ: كوفيد 19 أكثرها تأثيرا

تواريخ غيرت التاريخ: كوفيد 19 أكثرها تأثيرا

15.04.2020
رياض معسعس


القدس العربي
الثلاثاء 14/4/2020
مرت الإنسانية عبر تاريخها المعروف بتحولات كثيرة ذات تأثير كبير على مستويات عدة، منها ما أهمل ذكره، أو قلت أهميته، ومنها ما بقي في الأذهان ولا تزال انعكاساته تعيش معنا وتؤثر في حياتنا وعقليتنا تأثيرا مباشرا.
 
ما قبل الميلاد
وهذه التواريخ هي تواريخ مفصلية، ما قبلها يختلف عما بعدها. فلا شك أن تاريخ ميلاد المسيح يعتبر التاريخ الأكبر تأثيرا، ولهذا نقول: ما قبل الميلاد، وما بعد الميلاد، إذا أشرنا إلى تاريخ ما. فانتشار المسيحية في العالم قلب المفاهيم الدينية، وفي الوقت نفسه كان تأثيرها كبيرا جدا ولا يزال اجتماعيا وسياسيا وحضاريا.
وكذا فيما يخص هجرة الرسول محمد التي كان لها أكبر الأثر على البشرية جمعاء، وعلى مستويات مختلفة اجتماعية وسياسية وحضارية. وهناك تواريخ على مستوى آخر غيرت الكثير من المفاهيم، أو قلبت الموازين، وأنهت حقبا تاريخية، وأسقطت امبراطوريات من أهمها:
1096 نداء البابا اوربان الثاني بتوجيه الحملات الصليبية إلى فلسطين، 1258سقوط بغداد على يد المغول، 1453 سقوط القسطنطينية على يد الأتراك ونهاية بيزنطة ونشوء الإمبراطورية العثمانية، 1492 نهاية الحكم الإسلامي في الاندلس واكتشاف القارة الأمريكية. 1789 الثورة الفرنسية وسقوط الملكية.
1914 الحرب العالمية الأولى. 1917 الثورة الروسية وسقوط القيصرية ونشوء الاتحاد السوفييتي. 1939 الحرب العالمية الثانية وتقسيم البلقان وبدء الحرب الباردة. 1945 استخدام أول سلاح نووي وتدمير هيروشيما وناغازاكي من قبل الامريكان. 1948 إعلان قيام دولة إسرائيل وطرد الفلسطينيين من أراضيهم. 1967 حرب حزيران- يونيو واحتلال إسرائيل للأراضي العربية. 2001 تدمير برجي التجارة العالمي من قبل القاعدة. 2011 الثورة التونسية وانطلاقة الربيع العربي. 2020 انتشار فيروس كوفيد19.
كل التواريخ السابقة وسواها كانت من فعل الإنسان نفسه، صنعها بمحض إرادته وتكيف معها، لكن هذه هي المرة الأولى يقلب فيروس خطير تاريخ البشرية ويخل في موازينها الصحية والاقتصادية، ويدب الرعب في قلوب سكان المعمورة، ويصبح خارج السيطرة.
وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنغر توقع أن جائحة كورونا ستغيّر النظام العالمي للأبد، وتداعياتها قد تستمر لأجيال عديدة. فإن العالم قبل اعلان الصين عن انتشار هذا الفيروس كان يسير في اتجاه يختلف تماما عما هو اليوم. ولا أحد يشكك في أقوال كيسنغر ولا أقوال خبراء الاقتصاد والصحة العالمية.
لقد مر العالم بأوبئة خطيرة وفتاكة مثل الطاعون، والانفلونزا الاسبانية، وجنون البقر، وانفلونزا الطيور، وحمى الخنازير، والأيدز ( السيدا أو فقدان المناعة المكتسبة)، لكن الإنسان استطاع التكيف معها، وعلاجها أو الحد من تأثيرها، أما كورونا فقد وضع الإنسانية أمام تحد كبير لم يسبق أن تعرضت له على مستويات مختلفة: سلامة الأشخاص، فعداد أعداد الإصابات والوفيات في ارتفاع مستمر، وانتشاره السريع بين البلاد والعباد يثير القلق والذعر، خاصة وأن منظمة الصحة العالمية تشير إلى أرقام مفزعة: "انتشار المرض بوتيرة أكبر وربما تصل أعداد الإصابات إلى مئة مليون إنسان ووفاة نسبة واحدة في المئة على أقل تقدير أي حوالي مليون شخص"، وهذا ربما على أقل تقدير.
 
تأثير الوباء على المجتمع والاقتصاد
كما أن الأوساط الطبية وفي أكثر الدول تطورا تؤكد أن لا يمكنها انتاج لقاح واق قبل عام من الآن، ولا يوجد دواء يقضي على الفيروس كونه مجهول الهوية والمنشأ والتطور، فهو يهاجم رئة المصاب ويقتله خنقا، ويحبس أنفاس الناس خوفا.
أما على المستوى الاجتماعي فقد جعل هذا المرض الاتصال بين الأشخاص يصبح افتراضيا عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وخلت الشوارع والساحات، وقلت اللقاءات، وحتى تأثيره كان أيضا على المستوى الجنسي كما أشارت صحيفة لوموند الفرنسية. أما على المستوى الاقتصادي فإن الجائحة الكورونية عطلت العجلة الاقتصادية العالمية، فتوقفت المعامل، وشلت حركة المواصلات، وضربت السياحة في الصميم، وانخفضت مؤشرات البورصات العالمية، وخصصت كل دولة حسب امكانياتها مليارات الدولارات لمواجهة الوباء. وعلى مستوى التعليم فقد أغلقت المدارس والجامعات وتوقفت التظاهرات الثقافية، والنشاطات الرياضية.. هذا هو تأثير كوفيد 19 المباشر والمنظور، ولكن ما هي تأثيراته على المستوى المتوسط والبعيد؟
لا أحد يمكنه أن يتكهن تحديدا بما سيؤول إليه العالم، هل سينجح العلماء في انتاج لقاح ناجع، أو دواء شاف؟
هل ستتمكن المراكز الصحية من الحد من انتشاره؟ وهل أن البشرية لن تفاجأ مرة أخرى بفيروس أكثر تطورا ورعبا؟
كل المؤشرات اليوم تشير إلى أن الإنسان كان عدو نفسه، فهذا الفيروس وحسب بعض التحليلات ظهر بسبب الانحباس الحراري، وللمصادفة فقد كان الأكثر فتكا وانتشارا في أكبر دولتين منتجتين لثاني أوكسيد الكربون: الولايات المتحدة والصين. فهل تعيد واشنطن وإدارة ترامب او خلفه النظر في اتفاقية كيوتو للتغير المناخي؟
هل ستفكر الدول المنتجة لأسلحة الدمار الشامل في تفكيك ترساناتها وتحول الأموال الطائلة في تطوير هذه الأسلحة وانتشارها لمشاريع تنموية تفيد البشرية ولا تقتلها، هل يتعظ كل طغاة العالم أن مستقبل البشرية ليس بالسيطرة على الشعوب، وبسفك الدماء بل في تأمين سلامتها من قوة عظمى تتحدانا جميعا وتعيش بين ظهرانينا جيوشا لا مرئية تسمى فيروسات. فتاريخ البشرية اليوم ومنذ البدء سيكون ما قبل كورونا، وما بعد كورونا.