الرئيسة \  واحة اللقاء  \  توازنات جديدة في سوريا قبل "جنيف-2"

توازنات جديدة في سوريا قبل "جنيف-2"

04.01.2014
د. محمد عاكف جمال


البيان
الجمعة 2/1/2014   
في الوقت الذي تتعاظم فيه مأساة الشعب السوري على مختلف الأصعدة لم نشهد ما يُشير إلى تهيؤ إيجابي للذهاب إلى مؤتمر جنيف 2 الذي اقترب موعد انعقاده في الحادي والعشرين من يناير الجاري.
في العلن هناك كثرة من الأحاديث حول الحلول المقترحة لمعالجة الوضع في سوريا، كان الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر آخر من أدلى بدلوه حوله حين عرض في الثالث والعشرين من ديسمبر المنصرم ثلاثة أسس تُمثّل قاعدة لمحادثات سلام حول سوريا: إجراء انتخابات حرة واحترام نتائجها ونشر قوات لحفظ السلام. ولكن ما هو أهم من ذلك ما يدور في الخفاء من طبخات لم تنضج بعد.
الحقيقة أن دعوة الرئيس كارتر لإجراء الانتخابات ليست بالخيار الواقعي لسوريا، فبعد حكم شمولي دام نصف قرن وبعد ثلاثة سنوات من حرب داخلية طاحنة شحنت الأجواء بأشد حالات الاحتقان الديني والمذهبي والاثني لن تكون الانتخابات المتسرعة الخيار الذي يجلب السلم والاستقرار لهذا البلد الممزق. فالانتخابات المتسرعة التي أجريت في العراق وفي مصر لم تجلب السلم والاستقرار لهذين البلدين، وهي تجربة ينبغي أن لا تغيب عن بال من سيذهب إلى جنيف 2.
الأزمة السورية تعقدت كثيراً وهي مرشحة للمزيد من التعقيد بعد أن دخلت فيها قوى أساءت لقضية المعارضة السورية وأضعفتها. كما أضافت الخلافات التي ظهرت للعلن للمرة الأولى بين الدول المساندة للمعارضة السورية وبشكل خاص بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، بعداَ جديداً لهذه الأزمة.
فهل سيكون "جنيف 2 " مسرحاً للتوافق على القضية السورية لصالح الشعب السوري؟، أم لصالح قوى سياسية سمحت ظروف الاحتقان الشديد لصعودها؟، أم فرصة جديدة للتوافق على فرض المزيد من الإجراءات التي تحجم من قدرات تنظيم القاعدة التي تتعاظم في المنطقة خاصة في سوريا والعراق؟.
دخلت القاعدة إلى المنطقة لوجود أرضية خصبة فيها توفر لها "قضية" جاهزة للانخراط في القتال من أجلها وملاذات آمنة للاحتماء بها ودعماً لوجستياً يساعدها على إدامة نشاطاتها. فحيث يوجد صراع مسلح أو صراع مرشح لذلك نجد هناك تنظيمات قريبة من تنظيم القاعدة تنخرط فيه ويتعاظم دورها على حساب دور القوة الحقيقية صاحبة القضية التي يتراجع دورها وتضعف فرصها. تنظيم القاعدة هذا والحركات الإسلاموية القريبة منه قد ألحقت أضراراً بليغة بقضية معارضين لديهم أسباب مشروعة للمطالبة بإنصافهم من حكومات لا تُعير أهمية لذلك كما يحدث الآن في الاعتصامات في محافظة الأنبار في العراق.
ما هو جدير بالتطرق إليه هو أن موازين القوى في المعارضة السورية قد طرأ عليها الكثير من التغيير من خلال التدهور المستمر لموقف المعارضة المعتدلة لصالح القوى التي تقاتل النظام تحت هوية إسلامية.
وقد أسهمت الفوضى في السياسة الخارجية الأميركية والتردد الذي تتسم به إدارة الرئيس أوباما في هذا التدهور. فقد أعلنت هذه القوى الإسلامية في الثاني والعشرين من نوفمبر المنصرم عن تمكنها من توحيد صفوفها وتشكيل جبهة إسلامية موحدة من ستة فصائل تحت قيادة مشتركة، وليس من المستبعد أن تصبح هذه الجبهة الأكثر أهمية بين قوى المعارضة. ولم تخف هذه الجبهة أهدافها الحقيقية وهي "إسقاط النظام الأسدي في سوريا إسقاطاً كاملاً وبناء دولة إسلامية".
الإعلان عن تشكيل هذه الجبهة يأتي بمثابة تحد ٍللنفوذ المتزايد لجماعتين كبيرتين للمعارضة الإسلامية المسلحة مرتبطتين بتنظيم القاعدة وهما الدولة الإسلامية في العراق والشام وجبهة النصرة من جهة، وتجاهل للجيش الحر وقياداته من جهة أخرى.
والحقيقة أن النجاحات التي حققتها قوات الرئيس الأسد في السيطرة على بعض المناطق التي كانت بحوزة قوات المعارضة منذ تراجع الولايات المتحدة عن توجيه الضربة الصاروخية في أغسطس المنصرم قد أدت إلى تعزيز مواقف الجماعات الإسلامية المسلحة على حساب الجيش السوري الحر الذي وضع رهاناته على التدخل الأميركي وأسهمت في إضعاف نفوذ القادة العسكريين المدعومين من الغرب، فأضعفت بذلك من موقف المعارضة التي ستذهب إلى "جنيف 2".
لا شك أن الإسلاميين باتوا يُشكّلون القوة الأكثر بروزاً وأهمية في صفوف المعارضة السورية المسلحة ضد نظام الرئيس الأسد، ليس لأنهم الأكثر عدداً ولكن لأنهم الأكثر تنظيماً والأوفر تمويلاً، لذا لم تتردد الولايات المتحدة في السعي لإقامة الجسور للتواصل معهم.
حيث بادرت إدارة الرئيس أوباما إلى الاتصال بالجبهة الإسلامية على الرغم من أنها تضم العديد من السلفيين الذين يسعون لإقامة دولة إسلامية في سوريا. فقد تلقت الجبهة دعوة من الإدارة الأميركية عبر وسطاء، للتحاور حول إمكانية عودتها للعمل تحت مظلة الجيش الحر، حسب ما ذكرته مصادر الجبهة.
من جانبها ذكرت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية في الثالث عشر من ديسمبر المنصرم، أن مسؤولاً أميركياً كبيراً صرّح بأن "إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما مستعدّة للنظر في دعم تحالف موسّع للمتمردين في سوريا، يضمّ الجماعات الإسلامية بشرط ألا تتحالف مع الجماعات التابعة لتنظيم القاعدة، وأن توافق على دعم محادثات السلام القادمة في جنيف".
والحقيقة أن الولايات المتحدة تجاوزت مرحلة الإعراب عن نواياها بل قامت فعلاً بإقامة جسور للتواصل مع هذه الحركات الإسلامية، فقد التقى المبعوث الأميركي إلى سوريا، روبرت فورد، في زياراته إلى بريطانيا وتركيا في نوفمبر المنصرم قادة من الجبهة الإسلامية التي شُكّلت مؤخراً.
ويبدو أن الغرض من ذلك ليس جس النبض وتفهم نوايا وأهداف هذه الحركات فحسب كما أشار لذلك الجنرال مارتن ديمبسي رئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات الأميركية في الرابع من ديسمبر المنصرم وإنما تجاوز ذلك إلى تقديم الدعم المادي وإيصال المعدات غير الفتاكة التي ضُبط بعضها على الحدود السورية التركية.
السؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق هو كيف تُفسّر الولايات المتحدة مواقفها المتناقضة بين الدعوة للتغيير وتبني النظام الديمقراطي وبين مساندة حركات سياسية لا تؤمن بالديمقراطية من قريب أو بعيد؟