الرئيسة \  واحة اللقاء  \  توافقات لا بدّ منها

توافقات لا بدّ منها

28.12.2014
سمير العيطة



السفير
السبت 27-12-2014
كيف يُمكن قراءة سقوط معسكري وادي الضيف والحامديّة بيد المعارضة على الصعيدين العسكري والسياسي؟
كان هذان المعسكران محاصرين منذ عامين، لكنّهما كانا يمنعان سيطرة المعارضة المسلّحة المتواصلة على أراضي محافظة إدلب. كانت حالهما كحالة مطار الطبقة وقيادة الفرقة 17 في الجزيرة قبل أن يستولي عليهما تنظيم "داعش" ويخلق أرضيّة "دولته" في سوريا. لا يفتح سقوط هذين الموقعين الاستراتيجيين إمكانيّات خلق حالة جديدة على كلّ محافظة إدلب فحسب، بل أيضاً يفتح المجال واسعاً أمام احتمالات متعدّدة سواء بالنسبة لسهل الغاب وجبال اللاذقيّة أو في ما يخصّ معارك حلب أو جنوباً نحو حماه.
وعلى عكس ما يشاع، لم ينتج ذلك السقوط عن توحّد فصائل المعارضة المسلّحة هناك، بل قامت التنظيمات المتطرّفة وحدها بالمعركة، ضامّةً "جبهة النصرة" و"أحرار الشام" وغيرهما من الجماعات المرتبطة بـ "القاعدة" والموضوعة على لائحة الإرهاب العالميّ. لقد استخدمت هذه التنظيمات بعض الأسلحة النوعيّة التي حازتها خلال معارك الإقصاء التي جرت مع تنظيمات أخرى محسوبة على "الاعتدال". هكذا تثبت أنّها القوى الفاعلة على الأرض. وتستفيد من الأمر في معارك إقصاء أخرى تجري اليوم في القلمون وحوران والجولان. في الوقت نفسه، ما زالت محاولات توحيد المعارضة المسلّحة الأكثر اعتدالاً متعثّرة، خصوصاً من خلال مبادرة "واعتصموا".
هذا التطوّر لا يُمكن فصله عن التحرّكات الحثيثة التي تشهدها الساحة السياسيّة انطلاقاً من مبادرة المبعوث الدولي تحت عنوان "تجميد الصراع في حلب" والمبادرة السياسية الروسيّة لإرساء أسس تفاوض.
بالتأكيد تحتاج المبادرة التي أطلقها دي ميستورا كي تنجح أن يكون هناك نوع من التوافق بين فصائل المعارضة المسلّحة "المعتدلة" للانخراط بها. كما تحتاج أن تشعر السلطة القائمة بأنّ ألاعيبها المخابراتيّة على مضمون المبادرة غير مجدية، وأنّه لا بدّ من أن تنخرط في عمليّة سياسية حقيقيّة لن تكون الغلبة لها في نهاية الطريق. في المقابل، تحتاج المبادرة أن تتوقّف الدول الداعمة لحلّ عسكريّ لمصلحة المعارضة، وفي النهاية لمصالحها هي بما أنّها الداعم لها، عن النهج التي كانت تنتهجه، وأن تقتنع أخيراً بأنّ هذا النهج لن يفيد إلاّ تنظيم "داعش" وغيره من القوى المتطرّفة.
من هنا تكمُن القراءة الأساسيّة لتطوّر وادي الضيف، حيث انّه دفعٌ من هذه الدول لإفشال خطّة المبعوث الأمميّ ولخلق واقعٍ على الأرض يكرّس صراعاً مثّلث الأطراف: الجيش السوريّ وحلفاؤه، و"الدولة الإسلاميّة"، وجبهة "النصرة" وحلفاؤهنا، ما يعني إبقاء الصراع مفتوحاً في الأمد المنظور. وربّما كان التطوّر ردّاً على الموقف السعوديّ اللافت الذي برز مؤخّراً، القائل بأن ما يمكنه القضاء على الإرهاب هو إعادة اللحمة بين الجيش النظامي ومقاتلي المعارضة بعد تغييرٍ سياسيّ. كما يُمكن أن يكون تحذيراً جديّاً للسلطة بأنّ عليها الانخراط في عمليّة سياسيّة.
كذلك يأتي هذا التطوّر في سياق الاتصالات التي تقوم بها روسيا الاتحادية لخلق توافقات ضمن المعارضة تتخطّى الانقسامات والشرذمة، وعدم ممانعة الولايات المتحّدة ظاهريّاً لهذه الجهود. صحيحٌ أنّ توافقاً كهذا قد يخلق صدمة إيجابيّة في الشارع السوريّ، وأن يبعث برسالة للسلطة مضمونها وجوب الانخراط أيضاً في حلّ سياسيّ، ما يُمكن أن يكون مكمّلاً داعماً لمبادرة المبعوث الأمميّ.
إلاّ انّه في ظلّ الصراع على سوريا، يبقى الإشكال الأساسي هو إيجاد توافقات إقليميّة ودوليّة على الخروج من الحرب والشروع في حلّ الأزمة. أي أنّ مسار التنظيمات المتطرّفة في سوريا متعلّق بشكلٍ مباشر بما جرى ويجري في أروقة المفاوضات حول الملفّ النوويّ الإيراني وكذلك حول عقود الغاز، خصوصاً بين روسيا وتركيا.