الرئيسة \  واحة اللقاء  \  ثلاثة أعوام سورية بين تجريبيتين

ثلاثة أعوام سورية بين تجريبيتين

27.03.2014
غازي دحمان


الحياة
الاربعاء 26/3/2014
مرّت ثلاثة أعوام على الثورة السورية، لعل أبرز ما فيها أنها شكلت تجربة سياسية فريدة، إن لجهة التطورات التي حصلت في سياقها وبنيتها، أو لجهة تأثيرها التفاعلي في أطر العلاقات الإقليمية والدولية، فضلاً عن كونها حدثاً مرشحاً على الدوام للتطور على أفق واسع من الفرص والمخاطر.
في خضم ذلك، برزت على مدار أعوام الثورة ظاهرة السياسات التجريبية، وخصوصاً تلك التي اتبعها الرئيس الأميركي باراك اوباما، ورأس النظام السوري بشار الأسد، وهي ظاهرة ساهمت نتائجها بكثير من عناصر المشهد الحالية كما يتوقع أن تكون لها بصمتها في مستقبل الصراع وتطوراته.
ولعل الذروة في هذا النمط التجريبي تمثلت بإعلان اوباما لخطوطه الحمر ثم الإعداد العسكري لضرب قوات الأسد بعد أن تجاوزت بالفعل تلك الخطوط الحمر، ثم تراجعه عن ذلك، لكن ما بين الإعداد للضربة والتراجع حصلت متغيرات مهمة في السياق العملاني للثورة حيث عمل حلفاء بشار الأسد على تجهيز مسرح المعركة لاستيعاب ضربة نوعية من قبل دولة عظمى، مما يعني زيادة حزمة المحفزات القتالية وتحسين أدائها، بحيث صارت اكبر من قدرات الثورة على كسرها، أو على الأقل غيرت من معادلة القوى على الأرض وصارت تلك المعادلة بحاجة إلى إعادة تفعيل خصوصاً على جبهة الثوار لتصبح موازية في القوة والكفاءة والأداء لجبهة النظام التي جرت تغذيتها بخبرات وأفراد ومعدات من قبل أكثر من طرف.
حصل الأمر مرّة أخرى في إطار إعلان الإدارة الأميركية البحث عن خيارات جديدة بعد فشل "جنيف -2"، حينها جرى تسريب إمكانية إشعال جبهة حوران عبر تنسيق إقليمي، ما حصل أن النظام أيضاً حسّن من قدراته بمساعدة الروس، حيث تزامن ذلك مع بداية إحداث أوكرانيا، واشتداد العصب الروسي.
كثيراً ما يجري وصف سياسة اوباما بالمترددة، الواقع أنها أعمق من ذلك، هي سياسة ترتكز على نظرية الديبلوماسية الناعمة وفكرة إعادة صياغة الانخراط الأميركي على المستوى العالمي، أما منهجيتها فتقوم على إحلال بدائل سياسية للتفاعل الصراعي مع القوى الأخرى، كالمفاوضات في حالة إيران، والحوار والتقارب مع روسيا، غير أنها في الملف السوري تأخذ نمط التجريب، ربما بسبب سيطرة إدراك سياسي لدى اوباما ودوائر صنع القرار الأميركي أن الحالة السورية غير مؤثرة كثيراً في الأمن القومي، وربما بسبب تشابكها الحاد مع قضايا حساسة ومتناقضة في آن، امن إسرائيل مثلاً والمكون الأصولي في الثورة السورية، وكذا مصالح روسيا وعدم الرغبة باستفزازها للحاجة لها في ملفات أخرى ومصالح الحلفاء الخليجيين من جهة أخرى.
تحت ظلال تجريبية رئيس أقوى دولة كان يتوقع حضورها في الحدث السوري، تولّد نمط تجريبي لدى رأس النظام السوري، كان يجري تطويره بين الحين والآخر، وتمثلت مصادر تلك التجريبية بعنصرين، الأول: سبر اتجاهات السياسة الأميركية من جهة، والثاني: لم تكن لدى النظام حتى وقت متأخر من اندلاع الثورة ضده تقدير موقف حقيقي لممكناتها ومساراتها ولا حتى لردود الفعل الدولية تجاه تصرفاته، وطوَر جزءاً كبيراً من سياساته تجاه الثورة بناء على قرائنه اللحظية لتوجهات السياسة الدولية.
تميزت تجريبية الأسد بكونها تنويع على وتر واحد، فهي اتبعت سياسة تدرجية باستخدام العنف من حيث الكم والكيف، مستغلة المجالات الحيوية التي كانت تفتحها سياسات الرئيس اوباما له، فحين وضع الأخير استخدام الكيماوي خطاً أحمر منحه هوامش واسعة باستخدام كل أنواع الأسلحة ما عدا الكيماوي، وحين قبلت إدارة اوباما بشروط جنيف وتجريب تحريك قواعد اللعبة منحت للنظام مساحة كبيرة للتحرك تتجاوز حدود التمديد الرئاسي للأسد وإمكانية إعادة انتخابه.
ولكن ما تجب الإشارة له أن تجريبية الأسد لها جذور عميقة في شخصيته وسلوكه السياسي، وقد ظهرت بوادرها الأولى في نمط تعامله مع الاحتلال الأميركي للعراق وتجريبه مشاكسة أميركا والتعاون الاستخباراتي معها بنفس الآن.
بين تجريبيتين مرت سورية بمخاض عسير، لا يتوقع أن تنتهي معه من دون سياسات واضحة الأهداف، وذلك لن يحصل من دون تفكيك عناصر تلك التجريبيات وتغيير شروط ممارستهما، لا يبدو في الأفق ما يبشر بذلك، في حين أن خيارات كثيرة صارت تبدو أسهل وأكثر إمكانية للتحقق.