الرئيسة \  واحة اللقاء  \  ثمن الفشل الأميركي

ثمن الفشل الأميركي

03.05.2015
مصطفى زين



الحياة
السبت 2-5-2015
يحصد العرب وحدهم نتائج رهانهم على السياسة الأميركية الفاشلة في الشرق الأوسط. ويحصدون أيضاً عواقب تخليهم عن 99 في المئة من الأوراق لواشنطن، على ما كان يقول أنور السادات. والرهان لم يقتصر على إدارة رئيس واحد، ديموقراطياً كان أو جمهورياً، بل شمل كل الرؤساء من أيزنهاور إلى أوباما.
فشلت الولايات المتحدة في محاولاتها تحويل الخلافات الإيرانية - الإيرانية، بعد الثورة، إلى حرب داخلية تؤدي إلى تغيير النظام أو إحداث فوضى شاملة تسهل السيطرة على توجهاته السياسية الجديدة. فحاولت إطاحته من الخارج، من خلال تشجيع عراق صدام حسين على الاستمرار في حرب عبثية أنهكت البلدين. ولتعويض فشلها، لجأت إلى "الاحتواء" المزدوج. فرضت حصاراً اقتصادياً على البلدين على أمل أن يؤدي التضييق على الشعبين إلى ثورة أو انتفاضة تجبر إيران على التخلي عن تصدير الثورة إلى دول الجوار، والتراجع عن معاداة "الشيطانين، "الأكبر و"الأصغر". لكن لا الثورة اندلعت، ولا النظام غير سلوكه، فاضطرت إلى التفاهم معه سراً، عندما غزت أفغانستان ثم العراق.
مستغلة حاجة واشنطن إليها، لجأت إيران إلى خرق الحصار الاقتصادي، عبر دول محيطة بها وحليفة للولايات المتحدة، في مقدمها تركيا التي يبلغ حجم التبادل التجاري معها ما يزيد على 14 بليون دولار. وخرقت حظر الأسلحة بالتصنيع المحلي، مستفيدة من بعض البنى التحتية من أيام الشاه، فأصبحت أقوى من أي وقت مضى. ووجدت واشنطن نفسها أمام معضلة، إما أن تأخذ بحكمة نتنياهو وتشن عليها حرباً غير مضمونة النتائج، أو تلجأ إلى التفاوض معها وتقاسمها النفوذ في الشرق الأوسط، فلجأت إلى الخيار الثاني لأنه مضمون وأقل كلفة، ويضع العرب أمام واقع جديد يضطرهم إلى محاربة بعضهم بالنيابة عن طهران وواشنطن، باعتبار أن بعضهم موال لهذه الجهة والآخر موال للأخرى.
على المستوى العراقي، ما أن انتهت حرب الخليج الأولى حتى لجأت الولايات المتحدة إلى استغلال الوضع لفرض مزيد من العزلة على النظام الذي غرق في أزمات مالية واجتماعية لم يستطع الخروج منها فلجأ إلى تحدي الجميع، عرباً وأميركيين، متوهماً أنه خرج منتصراً وأنه يستطيع فرض شروطه على المحيط، إلى أن ارتكب الخطأ القاتل في غزو الكويت، فكانت حرب الخليج الثانية التي زادته عزلة وضعفاً، وفاقمت أزماته الداخلية.
مثلما نجح بوش الأب في تحجيم دور بغداد وإغراقها في جحيم الديكتاتورية والعزلة، انتصر بوش الابن في حربه ووضع أسساً متينة لتقسيم العراق، من خلال إعطاء الأكراد استقلالاً لا ينقصه سوى إعلانه رسمياً، ما شكل سابقة بالنسبة إلى المناطق الأخرى التي تطالب بالتحول إلى أقاليم مستقلة، خصوصاً محافظات الجنوب ذات الثروة النفطية الهائلة. أما في الغرب والوسط، حيث استمرت مقاومة الاحتلال، فاستطاعت واشنطن استقطاب العشائر (برنامج الجنرال بترايوس) وتشكيل "صحوات" تسعى إلى حماية نفسها في مواجهة السلطة المركزية، بالتعاون مع المحتل، ما أدى إلى نشوب حروب أهلية تتفاقم يوماً بعد يوم. وها الكونغرس يستعد لمناقشة مشروع قرار يطلب من البيت الأبيض التعامل مع السنة والأكراد وتسليحهم مباشرة من دون المرور ببغداد. وسواء أقر المشرعون الأميركيون المشروع أو رفضوه، تبقى النظرة الأميركية إلى العراق، من خلال "مكوناته" الطائفية والعشائرية، فيما تتعامل مع إيران باعتبارها دولة تحتضن كل مجتمعها الذي لا يقل تعدداً عن المجتمع العراقي.
العرب يدفعون ثمن الفشل الأميركي في احتواء إيران.