الرئيسة \  واحة اللقاء  \  ثوار سوريا بين الهامش و’داعش’

ثوار سوريا بين الهامش و’داعش’

08.02.2014
أحمد الشمام


القدس العربي
الجمعة 7/2/2014
دأبت أغلب الدراسات التي تتناول الوضع السوري على النظر للثورة السورية ككتلة مضادة للنظام؛ متوحدة في كليتها – مع بعض التمايزات – رغم تعريجها على بعض السلبيات في الداخل والخارج وحالات الخروج عن نمطية مفترضة تصب في صالح الثورة بشكل عام.
وأمام المفترقات الكثيرة التي مرت بها الثورة، وما اعتملها من أخطاء وتشويه وانحراف أخر انتصارها، رُصدت محاولات كثيرة انتقلت من حدود التوصيف؛ وتبادل اتهامات تحميل المسؤولية إلى طروحات وبدائل جديدة، قسم منها بدأ يظهر؛ وآخر لم يتجاوز حدود المحلية ‘المناطقية’، مازال يتلمس النور تحت وطأة انعدام التمويل الممنهج للمشاريع الثورية ذات البعد الاستراتيجي الوطني أو غير المرتجل الآني على الأقل؛ هذه المشاريع التي تسعى للانتقال بالداخل من كونه مشتت الرؤى والمناهج، وتحاول القفز به إلى مستوى التيارية لا الحزبية، وصولا إلى القواسم المشتركة العامة التي تفضي إلى مفهوم التعددية واحترامها، وهي لم تعدُ كونها اجتماعية ذات مدلول سياسي، لانشغال الداخل بالعسكرة واضطراره إلى عدم فضح مشاريعه ليستفيد من طاقات المال والدعم الداخليين اللذين تحولا إلى مال سياسي بل و’مليشياوي’ إلى حد كبير.
ومن الجدير بالقول ان طرح حلول تشكل أفقا جديدا وفضاء للعمل المشترك بعيدا عن التفكير ب’اقتسام جلد الدب قبل اصطياده’ لم يكن الائتلاف ليدركه بمعناه الحقيقي ويعمل عليه، ولا نكاد نجده إلا عند المثقفين السوريين في المهجر، أو في الداخل الذين دأبوا على رفد الثورة – رغم قلتهم وخذلان أكثرهم للثورة – وتقديم الرؤى الواعية الهادئة التي تستقرئ الواقع ومخرجاته بدقة، من دون الارتهان لمعادلات وتحالفات القوى الوازنة في الائتلاف وخلافاته التي صدرها للداخل أيضا، لكن هذه الرؤى والنظريات مازالت غير فاعلة لاعتساف الحراك المدني وانعدام الفعل الثقافي في الثورة بشكل عام.
قد تبدو مقولة ثوار الداخل وثوار الخارج متقاربة مع قراءة الواقع السوري في المرحلة السابقة، إذ لم يعد خافيا على أحد وجود انشطار أفقي بيِّن وهوة واسعة بين الداخل والخارج؛ الداخل الذي كان من خلال أسماء الجُمَع إبان الحراك السلمي يوجه الخارج في مواقفه العامة؛ ثم ما لبث أن أصبح تابعا له حينا، ومفترقا عنه حينا آخر، بعد العسكرة واحتياجاتها الضخمة، ودخول مفاعيل جديدة دولية باتت تفعل فعلها في مستقبل الثورة، حتى أصبح من حديث التندر اليومي لدى قادة ثوريين في الداخل قول ثائر، ‘كنا نذهب لأعضاء المجلس الوطني والائتلاف فيلاقوننا بالأحضان ويلتقطون معنا الصور ليبدوا أبطالا وممثلين لثوار حقيقيين على الأرض، والآن لا نتمكن من مجرد لقائهم وبتنا نحلم بالتقاط صور تذكارية معهم’.
وتحت ضغط الحاجة الملحة لقسم من كتائب الجيش الحر التي أنشأت نفسها من تمويل ذاتي أو تمويل لمرة واحدة وقد ضمت فيمن ضمت كل من كان ضد النظام بعيدا عن خلقه وسيرته، واعتمادا على الجرأة والشجاعة قامت هذه الكتائب بالتسابق في حيازة أكبر كم من الغنائم، ولم تفكر بإنجاز شكل مدني للدولة يسير شؤون البلدات والمدن التي حررتها، ثم انتقلت إلى اعتبار المال العام غنيمة أيضا، مما حدا بالكثير من الشباب النظيف للتوجه نحو الكتائب الإسلامية التي كان تمويلها جيدا للانضمام لها.
كما أن من خرج ضد النظام وحرق مراكبه من دون عودة، لن يقبل بالرجوع بأي شكل عن ثورته حتى لو دعته الحاجة للانضمام لمن يسلّحه ويذخّره من فصائل إسلامية لم يؤمن بها يوما، كما يقول ثائر ‘طلبنا من المجالس العسكرية أن تذخرنا وتسلحنا بعد أن بعنا قسما من سلاحنا للصرف ولم تجب، فطلبنا من الائتلاف فلم يستجب، وما بقي علينا إلا أن نستسلم للنظام ليفعل بنا ما نراه في الفضائيات من تنكيل وتعذيب، أو نذهب للجبهة أو داعش وقد قلنا لهم أيها الوطنيون نحن وطنيون أكثر، خرجنا ضد النظام بدمائنا ولحمنا ولم يبق لدينا طعام ولا ذخيرة فقدموا الطعام وإلا فليس غير داعش التي ستحاربونها بعد حين فقللوا من أعدائكم أم أنكم تريدون تدعيشنا للتخلص منا؟’.
لاشك إن مقولة كهذه تفصح عن عمق معاناة قسم ممن انتسبوا ل’داعش’ وجبهة النصرة من شباب سوري خرج للثورة وتُرِك ظهره مكشوفا في أشد الأوقات حرجا ليصبح عدوا مفترضا؛ فخسرناه وخسرنا توجيه رصاصته بالاتجاه الصحيح؛ تلك التي تقتل قسما من ثوارنا الآن، كما أن له حياته التي كان يمكن أن تصان وتستثمر في فعل ثوري له نتائجه المرضية، في ما لو تم تبنيه بفعل ثوري منظم يرفع الوطنية شعارا، ويلتزم بها منهجا ومتابعة لاختيار الأدوات الصحيحة له وفقا لبرامج ورؤى؛ الأمر الذي غاب عن قوى المعارضة في الخارج.
وعند سؤال أحد أعضاء الائتلاف وسفيره في فرنسا السيد منذر ماخوس عن آليات توزيع ما يدخل من طاقة تمويل وتسليح لفصائل الداخل أمام شكاوى الكثيرين من سرقتها عبر قنوات التوصيل أفاد ‘ما يهمنا أننا نحمل ما يصلنا ونرسله للداخل عبر من تعرفنا عليهم في البداية، ولا آليات لدينا لتقييم ذلك، فنحن مشغولون بالعمل السياسي وما يهمنا أننا لم نأخذ منه شيئا لأنفسنا’.
لكن ما تشهده الساحة السورية اليوم بداخلها وخارجها يظهر وجود تصدع شاقولي في جسم الائتلاف، يقابله وجود افتراقات حقيقية بين مشاريع القوى العسكرية الكبرى في الداخل، وقد التقط الثوار هذه اللحظة فبدأ الداخل يعمل لتنظيف نفسه وتشذيب قواه وهو يمر بعنق الزجاجة وأحلك الظروف.
أما الائتلاف فيشهد حالات تشظ وانشطارات وانقسامات جديدة في بنيته ومهماته واصطفافات لها مداليلها؛ وقد تفضي إلى مخرجات خانقة أو يبزغ منها النور في ما لو تواشجت القوى مع نظيراتها من الخارج، لبناء جسور عمل مجدٍ له دعمه الخارجي ويستنبط رؤاه من المعبرين عنه في نتاج مماحكات الائتلاف وافتراق القوى داخله، حسب مستوى قربها وبعدها مما يروم، ولا شك ستؤتي ثمارها ولو بعد حين، إذا رتب وفقا لأهداف تحقق ما خرج لأجله المحتجون سلميا في الشوارع، كحد أدنى، مع اعتماد آلية جديدة تلتزم مبدأ إعادة بث الروح في الحامل الاجتماعي الحقيقي لها، وهو الشارع الذي غُيِّب صوته واعتُسِف حقه في خضم مقولة ‘لا صوت يعلو فوق صوت الرصاص’ في مساحات الوطن المهتكة تحت وقع البراميل، ومقولة ‘التوازنات الإقليمية والدولية’ في أروقة السياسة.