الرئيسة \  مشاركات  \  ثورات الربيع العربي بين التفاؤل والتشاؤم

ثورات الربيع العربي بين التفاؤل والتشاؤم

15.07.2014
د. محمد أحمد الزعبي





يجسّد عنوان هذه المقالة ، خلاصة أهم الآراء التي قرأتها وتوقفت عندها الاسبوع الماضي ، والتي يعود بعضها إلى كتاب محترمين ، بغض النظر عن اختلافنا مع بعضهم في هذه القضية أو تلك ، فيما يتعلق بثورات الربيع العربي عامة ، وثورة آذار ٢٠١١ السورية خاصة . 
لابد من الاعتراف بداية ، انه لايمكن لأحد ان ينكر ان معظم ثورات الربيع العربي تواجه هذه الأيام صعوبات وإشكالات مختلفة ، ولا سيما في الدول المجاورة ل " إسرائيل " ذات العلاقة المباشرة و/ أو غير المباشرة بالقضية الفلسطينية ، كمصر وسورية والعراق ، ان تمركز وتركز تلك الصعوبات والإشكالات في الدول المشار إليها ، إنما يشير عملياً الى دور اسرائيل وحلفائها من الدول البعيدة والقريبة ، في خلق تلك الصعوبات والإشكالات ، بل وفي وضع العصي في عجلة ثورات الربيع العربي لمنعها أو لمنع اثارها من الوصول إلى دول الفساد والاستبداد الأخرى الحليفة للغرب وإسرائيل في المنطقة . إن الهجوم الوحشي الذي تقوم به " إسرائيل " على الشعب الفلسطيني عامة ، وعلى قطاع غزة تحديدا منذ أسبوع ، إنما يؤكد ما ذهبنا إليه من الترابط بين الصعوبات والإشكالات بل والإنتكاسات التي تواجه ثورات الربيع العربي في الأقطار العربية المشار إليها أعلاه والكيان الصهيوني وحلفائه في الوطن العربي وفي المحيط الإقليمي بل وفي العالم .
إن تبشير بعض من قرأت لهم ، بقرب نهاية الثورة السورية ، اعتمادا على هذا السبب أو ذاك ، إنما هو خروج عن جادة الصواب ، ذلك أن ثورات الربيع العربي ، لم تكن أمرا عابراً ولا طارئا ولا سطحياً . لقد مثلت هذه الثورات الرد الوطني والقومي والإسلامي والإنساني على ما يناهز دزينة من عقود الاستبداد والفساد، ومن الاستعمار والاستغلال ، ومن تغييب الحرية والكرامة ، ومن المنع المتعمد من التنمية والتطور الحر ، ومن الطبيعي إذن ألّا يكون طريق هذه الثورات مفروشاً بالورود ، بل ان الصعوبات والاشكالات والنكسات هي مايمكن أن تنتظره في مسيرتها الثورية التي يمكن أن تطول ، ولكنها لابد وأن تنتصر في نهاية المطاف .
 لقد كسر الثوار بدمائهم وبعزيمتهم حاجز الخوف الذي ضربته الأنظمة الدكتاتورية العميلة من حولهم ، بل إن الامر في الحالة السورية - وبعد وصول أعداد الشهداء والجرحى والمصابين والمعتقلين والمهجرين إلى أكثر من عشرة ملايين من أبناء الشعب السوري - قد أدى إلى اتساع الخرق على الراقع ، وما عاد بإمكان أية قوة في الأرض إعادة عجلة الثورة إلى الوراء ، او الحيلولة دون انتصار الثورة وتحقيق شعارها الأبرز " الشعب يريد إسقاط النظام " . إن سقوط أوراق الأشجار في فصل الخريف ، لا يلغي ولا ينهي - ياأيها المتشائمون - فصل الربيع ، ولا يمنع من عودة الأوراق ثانية إلى أحضان أمها الشجرة مع عودة هذا الفصل ، فالشجرة ومن ورائها وأمامها الغابة ، لا يميتها ولا ينهيها تساقط الأوراق طالما أن جذورها ضاربة في أعماق الأرض ، وطالما أنها ، ولهذا السبب ، ظلت قادرة على أن تعيد فصل الربيع وتعود هي معه من جديد.
ان التشاؤم الموضوعي هو أمر مبرر ، وهو ما ينطبق بطبيعة الحال على التفاؤل الموضوعي ، بيد أن الأمر غير المبرر في الموقفين هو المبالغة والتطرف . حيث لايرى المتشائم من الكأس إلا نصفها الفارغ ، ولا يرى المتفائل منها إلا نصفها المليان ، والأمر الطبيعي والصحيح ، هو ان يرى كل منهما الكأس بنصفيها ، الفارغ والمليء. 
وإذا كنت هنا منحازاً إلى المتفائلين ، فلأن المتفائل عادة ما ينظر إلى الأمام ، الى المستقبل ، إلى ما يجب أن يكون ، وليس إلى ما هو كائن فقط ، وبالتالي فهو يحاول أن يوظف إيجابيات كل من الماضي والحاضر في خدمة هذا المستقبل ، أما المتشائم فإنه لايرى إلا مايراه بصره وليس بصيرته ، بل إنه يرى المستقبل في صورة هذا الحاضر المليء بالسلبيات والإشكالات الذي يراه أمامه اليوم ، وشتان بين الموقفين .
إنني ، كمواطن عربي سوري ، ومعارض مخضرم لنظام عائلة الأسد ، لست غافلا عن خلفيات ما جرى ويجري بين الإخوة في الائتلاف في استنبول ، بيد أن ثقتي كبيرة ( إن لم أقل مطلقة ) ، في أن الخلاف في وجهات النظر بين أبناء ثورات الربيع العربي عامة ، وثورة آذار السورية خاصة ، من جهة يجب ألا يفسد للودّ بين أبناء الثورة قضية ، ومن جهة ثانية يجب ألا يؤدي إلى تشتيت جهد أبناء هذه الثورة وعرقلة تحقيق هدفهم المشترك ، المتمثل بإسقاط نظام عائلة الأسد الديكتاتوري العسكري والطائفي . وإقامة النظام المدني الديموقراطي والتعددي البديل أيضاً .