الرئيسة \  واحة اللقاء  \  ثورة أخلاقية

ثورة أخلاقية

02.10.2014
هيفاء بيطار



العربي الجديد
الاربعاء 1-10-2014
تكفي نظرة عابرة على محلات الألعاب في بلادنا العربية، لنرى كل آلات القتال ألعاباً، من البواريد إلى المسدسات بأحجامها وأشكالها المتنوعة المُطابقة تماماً للسلاح القاتل، إلى السيوف والدبابات، وعلب الرصاص إلخ! ولا أنسى صراخ طفلٍ، لا يتجاوز السادسة من عمره في محل الألعاب مطالباً والده بأنه يريد البارودة مع الأصفاد (اسمها العامي كلبشات)، ولا يريد البارودة وحدها. وحين طلبت من بائع الألعاب أن ينصحني بلعبةٍ لطفل في الثالثة، حدثني عن دميةٍ وصلت إليه حديثاً، وعليها طلب كبير، ووجدت شيئاً يتحرك على الأرض، ويطلق شرراً. اعتقدت أنها سلحفاةٌ من نوع خاص، فإذا هي دبابة. .. قلت له إنني لا أريد أن أهدي طفلاً صغيراً دبابة.
لست الوحيدة التي لاحظت أن أطفال سورية صاروا يلعبون لعبة القتال بين الجيش الحر وجيش النظام، ويرمي كل طرف الآخر برصاص وهمي، ويرديه قتيلاً، وينطرح المهزوم والمقتول أرضاً يمثل الموت. هذا اللعب سوف يتحول، ببساطة، إلى حقيقة بعد سنوات قليلة، لأن ترسيخ ثقافة العنف يبدأ منذ الطفولة. ولا أفهم، أبداً، أن غاية كل تلك الترسانة الحربية من الدمى لمجرد اللعب، بل هي تحفيز دائم لدماغ الطفل الأشبه بالعجينة يُشكلها الكبار، كيفما يريدون، لتقبل العنف والإعجاب به، بل والإدمان عليه. وقد شهدت، قبل أيام، حالات مُخيفة من أمراض نفسية عند بعض الأطفال، وأمراضاً تتظاهر، أيضاً، بآلام فظيعة في البطن، وتبيّن، بعد فحص طبي جسدي ونفسي، أن هؤلاء الأطفال مدمنون على أفلام العنف. وثمة فضائيات متخصصة، على مدار الساعة، بعرض أفلام عن العنف، بأفظع أشكاله، وبما يفوق خيال الشيطان نفسه على ابتكار كل صنوف الشر والعنف. وقد صرنا نلحظ في الكلام، فأقل شجار ينفجر الطفل بكلام عنيف وعبارات أقلها استعمال كلمة قتل مراراً. صار القتل سهلاً ويومياً، كما لو أنه فعالية يومية، كالأكل والشرب والمذاكرة. صار القتل لعباً، بل إن نشرات الأخبار تبدأ غالباً بقُتل كذا شخص.
يا لروعة الفعل المبني للمجهول، ثمة آلة قتل تعمل من دون توقف في عالمنا العربي، ثمة ترسيخ مُمنهج لثقافة العنف، كما لو أننا نُعد أطفال اليوم مُقاتلين الغد، ويكون مستقبلهم ساحة الوغى وحلمهم رصاصة، يطلقونها على صدر العدو، أو يتلقون مثيلها ويموتون والزغاريد تلاحقهم لأن جنات الخلد بانتظارهم. ويحضرني هنا كتاب قيم هو، حصار الثقافة بين القنوات الفضائية والدعوات الأصولية لمصطفى حجازي، ويبين فيه كيف أن العنف المتكرر ومشاهد العنف تؤثر فينا بطريقة غير واعية، وكيف يحصل تراكم عنفي في نفوسنا، والأطفال أكثر عرضة بكثير لهذا التراكم من العنف من الكبار، ونصبح عنيفين، وردود فعلنا وتعاملنا مع بعضنا موسوماً بالعنف. عقل شيطاني وشرير ذلك الذي يصمم ألعاباً للأطفال، تتماشى مع كل أدوات القتل، وتضاهيها في اتقان الشكل، عقل يريد أن يُدمن الطفل على العنف، وأن يكون جاهزاً لاستخدامه ما أن يصبح راشداً. وثمة ألعاب الفيديو العنيفة بشكل يفوق الوصف، وقد شاهدت مع طفلٍ كنت أجاوره في مقعدي في الطائرة فيلم كرتون، يصور كيف يقتلع أحدهم يقتلع حناجر الآخرين. وكان الطفل يتابع الفيلم كأنه مُخدر أو منوم مغناطيسياً.
أتمنى منع استيراد هكذا ألعاب، ترسخ ثقافة العنف، وأن تُغلق القنوات الفضائية المتخصصة بأفلام العنف للعنف. وأن يتم إصلاح هذا العالم المتخبط بالأزمات والمشكلات إلا بثورة أخلاقية، تكون حجر الأساس لكل الثورات بعدها، كما تمنى أمين معلوف في كتابه اختلال العالم، إذ بين أن هذا العالم المُختل لن تُحل مشكلاته بخطط اقتصادية، ولا بطروحات سياسية، بل بثورة أخلاقية حقيقية. أتمنى أن تكون الهدية التي أقدمها لطفل في الثالثة سلحفاة تمشي وتضيء ضوءاً متقطعاً، وليس دبابة تطلق شرراً من نار.