الرئيسة \  مشاركات  \  ثورة أم انقلاب عسكري، حرَمَ إخوان مصر من حقهم في الحكم؟ رد على السيد ياسين

ثورة أم انقلاب عسكري، حرَمَ إخوان مصر من حقهم في الحكم؟ رد على السيد ياسين

28.07.2013
الطاهر إبراهيم


على وقع مشهد الوضع الملتهب في سورية التي تنام يوميا على دفن عشرات القتلى، وتصحو على أحداث جديدة، جاءت الأحداث في مصر، لا لتسرق الأضواء من سورية فحسب، وإنما لتهدد أكبر بلد عربي بمصير مجهول، قد يجر معه دولا عربية أخرى إلى مجهول آخر.
هناك من يزعم أن ما فعله وزير الدفاع الفريق عبد الفتاح السيسي هو ثورة ثانية مطلوب منها تصحيح كل ما قام به عهد"محمد مرسي". وهناك من يقول إن ما حصل لا يعدو كونه انقلابا عسكريا على غرار كل الانقلابات التي كانت تحصل في العالم الثالث،دبر بليل لحرمان مصر من حكم ديمقراطي عاشته على مدى سنة واحدة فقط لاغير، بدأت بفوز محمد مرسي بمنصب الرئيس في 30 حزيران 2012، وأنهته قيادة الجيش المصري في يوم3 تموز 2013 الجاري باعتقال الرئيس "محمد مرسي" وتعليق العمل بالدستور وحل مجلس الشورى، و و ...
إعلاميون مصريون كثر أيدوا الرأي الأول، وكان منهم "السيد ياسين" الذي كتب مقالا نشرته النهار بصفحة قضايا النهار في 19 تموز الجاري تحت عنوان، "مصر: حوار تفاعلي حول الانقلاب والثورة"، لم يستطع أن يبرهن فيه على صحة ادعاءاته التي ملأ بها المقال، لأنه لم ينضبط مع القاعدة الأصولية التي تقول: "إن كنت ناقلاً فالصحة، أو مدعياً فالدليل". فالدعوى لابد من إقامة الدليل عليها، وإلا كانت مجرد ادعاء خالٍ عن البرهان. ونشْر المقال في النهار ليس تأييدا لرأيه، فقضايا النهار كثيرا ما تفتح صفحاتها للحوار، في القضايا الساخنة.
يقول الأستاذ ياسين: (الشرعية السياسية كما تقدمها أدبيات علم السياسة هي رضاء المحكومين عن نظام الحكم السائد. فإذا انحسر هذا الرضاء نتيجة للأخطاء الجسيمة لنظام الحكم أو للحاكم أياً كان، فلابد أن تسقط شرعيته. وهذا السقوط قد يكون نتيجة هبة شعبية ثورية كما حدث في 30 يونيو أو بانقلاب عسكري). في كلامه، يهرب ياسين من الشرعية الدستورية حيث يقول: (الجماعة ظنت وهماً أنها ما دامت قد حصلت على الأكثرية في مجلسي الشعب والشورى مع حزب النور السلفي، فإن من حقها أن تشرّع كما تشاء حتى لو كانت هذه التشريعات ضارة بفئات سياسية بعينها، وفي بعض الأحيان ضارة بمصلحة الوطن). وهو يدعو إلى الشرعية السياسية التي ليس لها ضابط يضبط إيقاعها، إلا ما يزعم من رضا المحكومين، وهذه يصعب قياسها في بلد مثل مصر ليس فيها استطلاعات رأي حيادية، حيث يدّعي كل فريق - الإخوان وخصومهم- أن الشرعية معه. وهكذا نرى السيد ياسين يهرب إلى شرعية سياسية هلامية لا يمكن ضبطها ضمن أطر، تاركا وراء ظهره الشرعية الدستورية المقننة بدستور مستفتى عليه ، وانتخابات مجلسي الشعب والشورى التي تمت وفق إعلانات دستورية استفتي عليها الشعب المصري من قبل المجلس العسكري الأعلى الذي أدار الحكم بعد رحيل "حسني مبارك". كما تم انتخاب الرئيس "محمد مرسي" وفق إعلان دستوري آخر استفتي عليه الشعب المصري.
كما يعرّض ياسين بنسبة نجاح ضعيفة لمرسي:(مفهوم الشرعية الدستورية تحتاج إلى مراجعة جذرية، وإلا أصبح من حق أي حزب سياسي حصل على الأكثرية في الانتخابات أن يمارس ما يعرف بديكتاتورية الغالبية، أو إن أي رئيس يحصل على نسبة 50 + 1 في المئة من حقه أن يمارس الحكم المطلق بلا ضوابط دستورية أو قانونية). لكن أليست الديمقراطية هي الفوز بالأغلبية حتى لوكانت 51.6% من الأصوات كما حصل مع مرسي؟ فالرئيس "جورج بوش" فاز في ولايته الأولى بزيادة 10 آلاف صوت على خصمه "إل غور" في ولاية فلوريدا. وقد خوله ذلك النجاح أن يخوض حربين عالميتين في أفغانستان والعراق.
ويعيب السيد ياسين على مرسي أنه: (أصدر عديداً من التشريعات المعيبة التي ألغتها المحاكم، وأخطر من ذلك أنه أصدر الإعلان الدستوري الذي منح فيه نفسه سلطات مطلقة). ولا بد من وقفة معمقة مع هذا الاتهام، لنرى هل هو ضد مرسي أو معه. فالكاتب يقر بأن المحاكم ألغت هذه التشريعات المعيبة حسب زعمه. فلوكان مرسي مستبدا كما زعم السيد ياسين لألغى حكم المحكمة. وكم تمنينا على السيد ياسين أن ينوه باعتراضه على الفريق "عبد الفتاح السيسي"، الذي عين رئيسا مؤقتا وأعطاه الحق بأن يصدر إعلانات دستورية يحكم بها مصر، من دون تفويض شعبي من خلال صناديق الاقتراع. كما أصدر الرئيس المعين إعلانا دستوريا تم فيه تحديد عشرة أعضاء لكتابة الدستور، وكانت المعارضة اعترضت على الهيئة التأسيسية التي اختارها المجلس النيابي بحجة أنها غير توافقية، فما بال المعارضة تسكت الآن؟
كما يعاب على السيد ياسين انتقاده الإخوان المسلمين بالعنف من دون أدلة، قال: إن (الجماهير الثائرة والرافضة لحكم الإخوان المستبد وأعضاء الجماعة الذين خرجوا يمارسون العنف باسم الدفاع عن الشرعية). لكن ما رآه الشعب المصري أن الذين خرجوا في30 حزيران ضد حكم الإخوان المسلمين قاموا بحرق عشرات المقرات لحزب الحرية والعدالة في القاهرة لوحدها، وقتلوا بعض من كان يحرس تلك المقرات. مع ذلك كتب "ياسين": (بلغ الشطط بقادة جماعة الإخوان(...) حيث اندفع قادتها للتحريض على القوات المسلحة لدعمها لموجة 30 يونيو التي حمت البلاد من انشقاق خطير كان جديراً بتفكيك المجتمع).
والصحيح أنه لم يسجل على أي من قادة الإخوان أنه حرض على القوات المسلحة، كما زعم السيد ياسين. ما فعلوه أنهم انتقدوا الفريق عبد الفتاح السيسي، لأنه ألغى الدستور وحل مجلس الشورى واعتقل الرئيس محمد مرسي أول رئيس مدني منتخب واعتقل المئات من قادتها دون إذن القضاء المدني. وجرت في أول عهده مذبحة أمام مبنى الحرس الجمهوري راح ضحيتها أكثر من خمسين شهيدا أثناء تأدية صلاة الفجر، ومايزال يرفض استقبال لجنة تقصي حقائق دولية لمعرفة من كان وراء ارتكاب المذبحة. أم لعل السيد ياسين يريد من الإخوان أن يقدموا الورود إلى الفريق السيسي وقد فعل ما فعل؟
هنا لا بد لنا من كلمة تقال حول من يملك الأكثرية الحقيقية في مصر؟ إن ما تزعمه وسائل الإعلام المنحازة لتقليل حجم جماعة الإخوان المسلمين ومناصريهم في مصر بعيد كل البعد عن الحقيقة. فحتى الآن أثبت الإخوان المسلمون أنهم يملكون أكثرية حقيقية عبر صناديق الاقتراع التي تعتبر مقياسا حقيقيا لشعبية أي حزب أو جماعة. كما اتضح الآن أن معارضي الرئيس محمد مرسي قاموا بتحريض الجيش على الانقلاب ضد مرسي بعد أن تبين لهؤلاء أن الانتخابات النيابية أضحت على الأبواب وأن المحكمة الدستورية أصبحت مضطرة للموافقة على قانون الانتخاب، بعد أن استنفد خصوم الإخوان كل أسباب التعطيل عبر المحاكم.
وإلا، لو كانت المعارضة المصرية تملك الأكثرية في الشارع كما زعم الذين أخذوا تواقيع 22 مليون مصري يؤيدون رحيل محمد مرسي، فما على هذه المعارضة إلا انتظار شهرين ليقوم ال 22 مليون مصري بانتخاب نواب للمعارضة يستلمون الحكم سلما دون انقلاب. فقد أعطى الدستور المستفتى عليه حق اختيار الحكومة للحزب الذي ينال الأكثرية في مجلس النواب.
نقدم هنا شهادة "طارق البشري" شيخ قضاة مصر من مقاله في صحيفة الشروق: "الصراع بين الديمقراطية والانقلاب العسكري وليس بين الإخوان ومعارضيهم"،قال: (المسألة المثارة الآن، هذه الأيام، التي بدأت مع أحداث 30 يونيو 2013 وبلغت أوجها في الانقلاب العسكري الذي جرى في 3 يوليو سنة 2013، فالمسألة المثارة الآن ليست حكم الإخوان المسلمين وهل يبقون في السلطة أو لا يبقون، إنما هي مسألة النظام الدستوري الديمقراطي الذي تفتقت عنه ثورة 25 يناير، وهل تحتفظ مصر بهذا النظام أم يقضى عليه وهو في مهده ليحل محله انقلاب عسكري يدخل مصر في حكم استبدادي جديد لعشرات السنين المقبلة. كما جاء في المقال:
(ولا يقال إن الإخوان كانوا سيسيطرون على أجهزة الدولة لضمان نتيجة الانتخاب، لأن وقائع الانقلاب الذي جرى الآن تثبت أن الدولة بأجهزة الإدارة والأمن والقمع لم تكن تحت سيطرة الإخوان مهما حاولوا). (انتهى الاقتباس من مقال طارق البشري الذي رأس اللجنة التي كتبت الإعلان الدستوري في عهد المجلس العسكري الأعلى).
يبقى أن نذكّر بأن الإخوان المسلمين تحملوا قمع العسكر لهم على مدى 60 عاما. صبروا فلم يقوموا بما يعكر السلم الأهلي، رغم أن الحكام المتعاقبين لفقوا لهم تهما بالتآمر على الدولة، وأدخلوا المعتقلات بالآلاف، ولم يثبت أي من تلك التهم. بل وكانت جماعة الإخوان المسلمين عنصر استقرار وهي مهمشة ومبعدة عن الحكم. إن الإخوان كانوا سيرسخون الاستقرار وهم في السلطة. في السنة الأولى لحكم محمد مرسي لم يعتقل أحد بسبب رأي أو فكر. كان الرئيس محمد مرسي يسب جهارا نهارا في المظاهرات وفي القنوات الفضائية، فلم يرفع دعوى على من فعل ذلك. اليوم وقد انقض العسكر على السلطة ليحرموا الإخوان حقهم بالحكم في رئاسة الجمهورية ومجلسي النواب والشورى وليحرموا مصر من تجربة حكم الإسلاميين نزعم أنها ستكون فريدة. فلا نظن أن الإخوان سيسكتون -سلما ودون اللجوء إلى العنف- على سلب حقهم الذي منحه لهم صندوق الاقتراع، وإن غدا لناظره قريب!!
كاتب سوري