الرئيسة \  واحة اللقاء  \  ثورتا الفلسطينيين والسوريين وتشابه مآلاتهما

ثورتا الفلسطينيين والسوريين وتشابه مآلاتهما

04.04.2016
ماجد كيالي


الحياة
الاحد 3-4-2016
لا يوجد تشابه بين قضيتي الفلسطينيين والسوريين، فالأولى نتاج مشروع استعماري استيطاني عنصري، إجلائي وإحلالي، وقد تأسّس على جلب المستوطنين اليهود من الخارج، بالاعتماد على دعم بعض القوى الغربية، في حين أن قضية السوريين نتاج نظام تسلطي، تأسس على الاستبداد والفساد، ومصادرة الحريات وحقوق المواطنة، منذ قرابة نصف قرن.
لكن هذا التفارق، من حيث الموضوع والأهداف، لم يمنع أن هاتين القضيتين العادلتين أضحتا أكثر قضيتين متشابهتين من حيث المسارات والتحولات والمداخلات، إلى درجة تثير الدهشة والتخوّف في آن معاً.
هكذا، مثلاً، باتت القضية السورية مستعصية على الحل، مثل القضية الفلسطينية، مع أنها واضحة جداً، مع حوالى نصف مليون ضحية، وملايين اللاجئين والمشردين، وخراب مدن بكاملها، إلى درجة أنها أضحت من حيث كونها مأساة أكبر بكثير من مأساة الفلسطينيين، على رغم أن هذه مرت عليها قرابة سبعة عقود، فيما قضية السوريين عمرها بضع سنوات، ومع ذلك دخلت هذه القضية في متاهة تفاوضية، تشبه تماماً المتاهة التفاوضية التي أدخل فيها الفلسطينيون.
ومع وضوحها الشديد، فإن هذه القضية بات يجري حرفها عن طبيعتها، بحيث باتت تطرح باعتبارها قضية إنسانية، أي قضية لاجئين، ومناطق محاصرة، ومساعدات غذائية وطبية، أو تطرح بوصفها معركة ضد الإرهاب، أو بما يختزل الوضع بكونه يتعلق بحماية بعض الأقليات الإثنية أو الدينية، لا بوصف هذه المسائل كلها، على أهميتها، أعراضاً للمرض الأساسي، الناجم عن نظام الاستبداد. ومعلوم أن هذا تماماً ما حصل مع الفلسطينيين، الذين ظلت إسرائيل تعمل على وصم كفاحهم المشروع ضدها بالإرهاب، واعتبار ذاتها ضحية! ناهيك عن ترويجها عدم أهلية الفلسطينيين لحكم أنفسهم، واعتبار أن كل مشكلتهم تتعلق بميلهم الى العنف، وعدم إدراك مصالحهم، وضعف قدرتهم على إدارة أحوالهم، وحاجتهم للمساعدات للتمكن من العيش.
مع هذا وذاك، ثمة بعد آخر، يتعلق بالوضع الدولي، وهو يتمثل بإخراج القضية السورية من أيدي السوريين، وهذا يخدم طمس طبيعتها، أو تغطية حقيقتها، إذ أضحت بمثابة قضية إقليمية ودولية، إلى درجة أن التقرير في حلها، وفي شأن شكل سورية المستقبل، بات في أيدي الفاعلين الدوليين، وهذا ما حصل مع الفلسطينيين، ولا زال.
وكما نلاحظ فإن المفاوضات باتت بمثابة لعبة لتضييع الوقت، أو بمثابة تمرين على الحوار بين الأطراف السوريين، في حين أن حسم المسائل الرئيسية يجري بين الطرفين الكبيرين، أي الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الروسي، بين رئيسي البلدين، ووزيري خارجيتيهما، وحتى الأطراف الإقليمية، أو الأطراف العربية الفاعلة بات دورها هامشياً في صوغ مستقبل سورية، وشكل النظام السياسي المقبل، والأمر ذاته حصل مع قضية الفلسطينيين.
على الصعيد الداخلي ثمة تشابه كبير، وفي كثير من المجالات أيضاً. مثلاً، لا توجد إجماعات سياسية عند السوريين، بعد خمسة أعوام من الثورة، وثمة افتراقات كثيرة في ما بينهم. ولعل فكرة الحزب الأكبر لدى الأكراد عن "الفيديرالية"، وإدارته مناطق الحكم الذاتي، وكذلك ظهور الجماعات العسكرية المنتمية إلى الإسلام السياسي، جزء من اللوحة، إذا اخذنا في الاعتبار بقية الأطياف السورية غير المحسوبة أو غير المتعاطفة لا مع النظام ولا مع الثورة (في حالها الراهن).
بيد أن الأهم، على الصعيد الداخلي، أن الكيانات السورية المعارضة، السياسية والعسكرية والمدنية، باتت تعتمد في استمرارها على الدعم الخارجي، المالي والتسليحي والسياسي، أكثر كثيراً من اعتمادها على ذاتها، أو على شعبها، بل إن شعبها بات يعتمد على المعونات الخارجية، وهذه هي حال الفلسطينيين، منذ عقود، لا سيما منذ ما بعد أوسلو وقيام السلطة (1993).
بالنتيجة، حصل مع السوريين ما حصل مع الفلسطينيين قبلهم، بحيث باتت ثورتهم مرتهنة للقوى الخارجية الداعمة، وهذا الارتهان باتت تظهر أعراضه المرضية، في شكل الخطابات السائدة، وفي أشكال العمل، والعلاقات البينية، والعلاقة مع المجتمع، وفي شكل خاص في الإملاءات أو التجاذبات السياسية التي تطرح من هذا الطرف أو ذاك. ولعل مسارات صعود وانحسار العمل العسكري، في الشمال والجنوب السوريين، يوضحان ذلك، كما توضحه مسارات التفاوض، والخطابات المتماوجة التي تحاول التكيف مع ما يحصل، وبالأساس التكيف مع الإرادات الدولية والإقليمية.
ثمة جانب سلبي مهم أيضاً يجمع التجربتين السورية والفلسطينية، ويتمثل في حصر الصراع في بعده العسكري، أي في الوسائل المسلحة، على حساب أشكال الكفاح الشعبية الأخرى، وبالاعتماد على الجماعات العسكرية. ومفهوم أن هذا أصبح تحصيل حاصل بعد حال التشرد واللجوء السوريين، ومع القصف بالبراميل المتفجرة على المناطق المتعاطفة مع الثورة، لكن هذا لا يمنع من قول الحقيقة إن هذا الأمر أضرّ بثورة السوريين وبطبيعتها ومساراتها.
شيء مأسوي أن تتشابه مصائر شعوب هذه المنطقة ومآلات ثوراتها، وليس لنا إلا أن نبقى مع بقية من أمل بخلاص السوريين والفلسطينيين.