الرئيسة \  مشاركات  \  ثورتنا بين غياب المجددين ومغالاة المتشددين

ثورتنا بين غياب المجددين ومغالاة المتشددين

30.12.2013
د. محمد دامس كيلاني




الفكر الانساني في حركة مستمرة , وهو الذي يحرك الحياة , ويطلق الفكر بوجه عام و يراد به جملة النشاط الذهني , كما يراد به أيضا حركة التصورات و المفاهيم, و هذا يعني أيضا أن الفكر يمثل نشاطا و حركة مستمرة , فاذا توقفت هذه الحركة فان ذلك يعني توقف حياة الانسان أو غيابه عن الوعي , ولعل هذا مادعا الفيلسوف المعروف ( ديكارت ) الى اعتبار الفكر مساويا للوجود حين قال عبارته الشهيرة ( أنا أفكر اذن أنا موجود ) , فاذا وصفنا الفكر بأنه علمي فمعنى ذلك أنه فكر منظم فالانسان حينئذ لايترك مفاهيمه و تطوراته حرة تحوم في نفسه وانما يقودها بكل حزم على أسس منهجية الى هدفه الذي هو العلم .
اذا وصفنا الفكر بأنه دين فلايعني ذلك أنه فكر مضاد للعلم وانما هو أيضا – اذا سار في مساره الصحيح – يعد فكرا منظما يقوم على أسس و قواعد من شأنها أن تؤدي الى معلومات دينية صحيحة .
اذا كان الفكر هو الذي يحرك الحياة فان التجديد في الفكر وفي الحياة متلازمان لا انفصال بينهما , و بدون هذا التجديد سيبقى كل شيء على حاله دون تغيير , وبذلك تتجمد الحياة و تصبح حياة لاطعم لها ولالون ولارائحة , و هذا أمر مضاد لطبيعة الحياة ذاتها .
ونظرا لأن الفكر الديني يعد جزءا من الفكر الانساني فبامكاننا القول بـأن تجديد الفكر الديني يعد ضرورة حياتية .
والحديث عن التجديد في الفكر الديني في اسلامنا الحنيف يستدعي في الذهن الحديث عن العقل و الاجتهاد , فهما عماد التجديد, أما المقابل للتجديد فهو الجمود و الانغلاق.
ان التجديد من طبيعة اسلامنا الحنيف ولاتناقض بين تعاليم ديننا الاسلامي و التجديد , فنبينا محمد صلى الله عليه و سلم أول من تحدث عن التجديد في الدين فييما رواه أبو داود في سننه بقوله صلى الله عليه و سلم (( ان الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها )) .
لقد أسند القرآن الكريم التغيير الى ارادة الانسان في المقام الأول , و جعله شرطا للتغيير الذي يحدث بارادة الله سبحانه و تعالى , وذلك في قوله تعالى في كتابه الكريم ( ان الله لايغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ), وان الحديث النبوي السالف الذكر من شأنه أن يدفع علماء الدين المسلمين الى التجديد المستمر في الفكر الديني , لأن الدين بطبيعته قد جاء ليكون دينا للحياة بجميع أبعادها ومن هنا فانه لايجوز أن ينفصل عن الحياة و التأثير فيها , فاذا تم عزله عن الحياة فسيتحول الى مجرد رسوم و طقوس و شكلية لاروح فيها .
لقد قيل للامام أبي حنيفة رضي الله عنه أن ماتفتي به هو الحق الذي لامراء فيه فرد قائلا :(لست أدري لعله الباطل الذي لامراء فيه ) ورفض الامام مالك رضي الله عنه اقتراح الخليفة أبي جعفر المنصور بالزام المسلمين بكتابه ( الموطأ ) وهو كتاب في الحديث وفي الفقه أيضا لأن الزام المسلمين بذلك يعتبر الوقوف بوجه أي تفكير مخالف قد يكون صحيحا , وهذا أمر لايرضاه الامام مالك و أما الامام الشافعي روي عنه قوله ( رأينا صواب يحتمل الخطأ ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب ) وهذه اشارات واضحة أن الاسلام أراد لنا أن نمارس الاجتهاد لنواكب متغيرات كل عصر .
انه و على الرغم من الجهود التجديدية المتواصلة على مدى العصور حيث لايخلو عصر من مجدد أو مجددين بمقتضى حديث التجديد , فان هذه الجهود لم تستطع للأسف الشديد أن تشكل تيارا عاما غالبا , فلاتزال الغالبية العظمى من فقهاء العالم الاسلامي تقليديين مقلدين لايريدون الخروج من نطاقهم الذي تعلموه وفقا لنطاق المذهبية و يرون أنه لايجوز المساس بها .
لاتزال المواقف المتحجرة تسير في اتجاه مضاد لسنة الحياة وطبيعة الأشياء , فركب الحياة يواصل السير بلا انقطاع وعجلة الزمن لاتتوقف عن الدوران بينما عقول كثير من القائمين على أمر الدين لم تعد قادرة على مسايرة الزمن ولامؤهلة لفهم تطورات العصر و أقتل شي شارك في محاولات قاسية لتشتيت ثورتنا السورية السورية حيث بات العديد من علماء الدين بما لديهم من علم ينامون قريري الأعين لاشأن لهم بما يدور في عالم ثورتنا الرحب بفضاءاته الشرعية التي ينادي الجميع طالبا اياها على كل بقعة من بقاع سورية الحبيبة وخصوصا  الأراضي المحررة منها.
ان قعود العلماء و المجتهدون منهم عن تحمل مسؤولياتهم قد فتح الباب على مصراعيه للغلاة و المتشددين والمتعصبين و الجاهلين , الأمر الذي عم بلاؤه واشتدت وطأته وتم اختزال الدين في بعض من الشكليات التي خرجت به عن جوهره الحقيقي في كونه دينا للحياة .
لقد بات الأمر جد ولاهزل فيه , ولم يعد يحتمل التأخير وفكرنا بصفة عامة , وفكرنا الاسلامي بصفة خاصة في أشد الحاجة الى التجديد لنضخ في شرايينه دماء ثقافة جديدة تعمل على تمكين العقل من أداء دوره كاملا في الحياة, وتحريك الطاقات الكامنة لدى الشباب , وتشجيع الراغبين في العمل على المشاركة الجادة من أجل التغيير الواقع المتخلف وانقاذ شعبنا مما يتهدده من ممارسة مغالاة  بغيضة في الفكر وفي السلوك .
ان واقع الفكر الديني مؤلم و مرير ولكن لايجوز أن يصيبنا بالاحباط أو يجعلنا نفقد الأمل في تغيير هذا الواقع المتخلف واذارغبنا أن تكون الجهود التجديدية مثمرة فمن الضروري أن تتلاقى هذه الجهود المبعثرة و تجتمع على كلمة سواء , فالجهود الحالية – مع فائق الاحترام و التقدير لأصحابها – مصابة بداء التشرذم في جزر منعزلة دون أي تنسيق , الأمر الذي يفقدها الكثير من الفاعلية و التأثير .
هل ستتوحد هذه الجهود حتى تؤتي أكلها ولعلها باب من أبواب الرحمة لثورتنا السورية المباركة!!!!!؟؟؟؟؟