الرئيسة \  واحة اللقاء  \  جبهات الثورة السورية المفتوحة وجبهة النصرة

جبهات الثورة السورية المفتوحة وجبهة النصرة

15.04.2013
لؤي صافي

كلنا شركاء
الاثنين 15/4/2013
 أبو محمد الجولاني زعيم جبهة النصرة قرأ بيانا رد فيه على بيان أطلقه أبو بكر البغدادي قبل عدة أيام شدد فيه على أنه لم يتفق مع الأخير على تشكيل الدولة الشام والعراق الإسلامية لكنه أكد بيعته لرئيس تنظيم القاعدة أيمن الظواهري، لينهي بذلك الغموض الذي اكتنف هوية جبهة النصرة حول وولاءاتها ، وليسمع قوى الثورة والمعارضة السورية ما تمنت أن لا تسمعه لاسباب كثيرة.
إذن جبهة النصرة هي بكل بساطة ذراع القاعدة في سورية كما صرح زعيمها، وهذا التصريح يستدعي حوارا لا يقل صراحة بين القوى السورية المعارضة لحكم بشار الأسد القمعي. الحوار ضروري وفي غاية الأهمية نظرا لخطورة النتائج المترتبة عليه على وجهة الثورة ومصيرها،  ويتطلب بالتأكد مقاربة منهجية وتشاورا واسعا بين قوى الثورة والمعارضة، خاصة بين قوى الثوار داخل سورية، لإعادة ترتيب الأوراق دون الإخلال بأولويات الثورة وأهدافها.
بيد أنه من المهم في حوار الثورة أن لا نضيع في التفاصيل، وأن نتذكر أن الثورة التي انخرطنا فيها أحرار سورية تهدف في المقام الأول إلى القضاء على الاستبداد بكافة أشكاله، وإلى بناء مجتمع الحريات التي يملك مواطنيه، على اختلاف مللهم ومذاهبهم، الحق في الدعوة إلى ما يرونه حسنا وصوابا، وإلى الالتزام بالسياسات التي يتم التواصل إليها من خلال مبدأ الشورى (وهو المبدأ الذي اعتمده القرآن في القديم وقبله العالم قاطبة اليوم تحت عنوان الديمقراطية) وباحترا م الحقوق التي أمرت بها شرائع السماء واعتمدتها المواثيق الدولية.
الخطأ الكبير الذي ارتكبته جبهة النصرة يكمن في أنها تبنت رؤية سياسية إقصائية تؤدي في النهاية إلى استبداد ديني يتعارض مع الرؤية التعددية المنفتحة على حرية العقائد والأديان التي حملتها رسالة الإسلام وأقامها رسوله الكريم في المدينة، وكرستها الدول المتعاقبة عبر تاريخ المسلمين الطويل. رفض بيان النصرة لقيام دولة إسلامية مشتركة بينها وبين جناح القاعدة في العراق لم يخفف من وقع الحقيقة التي بدت واضحة للعيان لأن زعيمها أعلن بصراحة خضوعه إلى القيادة العليا لقاعدة التي يخضع لها البغدادي في العراق. هذا التصريح يخرج النصرة من كونها تنظيما وطنيا سوريا. لذلك فإن النصرة مطالبة بالاعتراف بأن رؤيتها السياسية هي اجتهاد لا يمكن فرضه على المجتمع بقوة السلاح، وأن هناك رؤى أخرى نابعة من قيم الإسلام وتصوراته مخالفه لرؤيتها. وبالتالي فإن مبدأ الشورى، لا الاستبداد بالرأي، هو المبدأ الوحيد المقبول لحل النزاع.
رسول الله عليه الصلاة والسلام كتب ميثاقا بين أهل المدينة احترم فيه التعددية الدينية والقبلية لسكان يثرب انطلاقا مع الرؤية القرآنية التي دعت إلى احترام التعدد الديني وجعل أمر الناس شورى بينهم. ورفع القرآن الميثاق المدني على الأخوة الدينية عندما منع مسلمي المدينة من الدخول في ولاءات مع غيرهم من المسلمين والانتصار لمن اشترك معهم في الدين ولكنه بقي خارج دائرة المواثيق السياسية التي التزموا بها: “والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق …”
جبهة النصرة من خلال إعلان ولائها لقيادة خارجة عن الاجماع السوري تؤكد أنها لا تلتفت إلى أي ميثاق وطني خاص بأهل الشام ، وهي من خلال التزامها بعقيدة القاعدة السياسية ، وتفردها بالقرار تعرّض الوحدة الوطنية لخطر شديد. أضف إلى ذلك أن فهم القاعدة للشرعية السياسية ولمسائل الصواب والخطأ والحلال والحرام في الصراعات السياسية والعسكرية، واستعدادها لاستهداف المدنيين لتحقيق أهدافها، يضعها في تناقض واضح مع العقيدة الوسطية المنفتحة على الإنسان دون النظر إلى خلفيته الدينية والتي تحترم التعدد الديني التي يؤمن بها مسلمو الشام، ناهيك عن مواقف شركاء الوطن من غير المسلمين من هذه الممارسات.
إعلان النصرة يضيف بعدا جديدا يزيد الحالة السورية تعقيدا على تعقيدها الأصلي، ولكن الموقف من النصرة اليوم لا يمكن اختزاله  بمواقف القبول  والرفض، لأن هذا قمين باستقطاب الشارع السوري وانقسامه في مرحلة حرجة من سعيه إلى الحرية. كلا الموقفين سيؤدي إلى أزمات كبيرة وإلى ارتكاسات خطيرة في طريق الثورة.
المطلوب اليوم بلورة خيارات المعارضة في تعاملها مع تداعيات إعلان جيهة النصرة، وعدم التقليل من حجم  المخاطر المترتبة على أي قرار متسرع، سابق على الدخول في حوار وتطوير قناعات مشتركة بين قوى الثورة والمعارضة. لكن الواقعية العملية يجب أن تسير بالتوازي مع وضوح في الموقف وإصرار على التزام جميع القوى الثورية والسياسية بمبدأ الشورى الوطنية الملزمة لكل الفصائل والقوى الثورية والسياسية. وقبل هذا وذاك يجب على قوى الثورة والمعارضة الحفاظ على أولوية إسقاط النظام بوصفهاالأولوية التي لا يجوز الانشغال عنها في سياق تخاذل دولي، ولكن بالسعي للحيولة دون تفاقم الخلافات العسكرية داخل أجنحة المعارضة، وتطوير جملة من التفاهمات تحافظ على خط الثورة بإقامة دولة مدنية ديمقراطية تعددية، تحترم الاختلافات الدينية والعقدية والسياسية.