الرئيسة \  واحة اللقاء  \  جبهة سوريا المنسي

جبهة سوريا المنسي

17.04.2013
ديفيد بولوك

الاتحاد
الاربعاء 17/4/2013
بينما تتواصل الحرب في سوريا، تزداد مخاطر انجرار إسرائيل لأتونها. ففي يوم الجمعة الماضي على سبيل المثال، سقطت قذائف مدفعية جرى إطلاقها من سوريا في هضبة الجولان التي تحتلها إسرائيل التي ردت على النار بالمثل.
ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي يحتدم فيها التوتر في المنطقة. ففي 30 يناير الماضي، شنت إسرائيل غارة جوية على قافلة أسلحة في سوريا، قيل إنها كانت متجهة لحزب الله في لبنان. وخطر تطور الرد الإسرائيلي على النار المطلقة عبر الحدود، إلى مناوشة كبرى، أو حتى إلى تدخل أوسع نطاقاً لإقامة منطقة عازلة داخل الأراضي السورية ذاتها، هو خطر حقيقي وليس متوهماً. للحيلولة دونه، يجب على الولايات المتحدة التوسط من أجل التوصل لاتفاق ضمني بين إسرائيل والعناصر المعتدلة في المقاومة السورية.
إسرائيل والمعارضة السورية ربما يتقاسمان على ما يبدو بعض الأعداء المشتركين المهمين، مثل "حزب الله" وإيران، على سبيل المثال، وكلاهما يحاربان بشراسة من أجل إنقاذ حكومة الأسد. وهذا التلاقي في المصالح، يوفر فرصة للولايات المتحدة للتوصل بهدوء إلى صفقة بين إسرائيل وقيادة المعارضة السورية، تلتزم تل أبيب بموجبها بالامتناع عن تسليح وكلائها داخل سوريا كي يضطلعوا بمهمة حماية الحدود عنها، وبحيث تعمل المعارضة السورية وفقاً لذلك الاتفاق على إبقاء الجماعات المتطرفة، مثل "حزب الله" و"جبهة النصرة"، وغيرهما من فروع تنظيم "القاعدة"، بعيداً عن الحدود الإسرائيلية. وسيظهر ذلك حسن نية المعارضة السورية للداعمين الغربيين، ويقنع إسرائيل بالابتعاد عن التدخل، أو تسليح حلفائها في سوريا.
وكان جيش نظام الأسد الذي يعاني نقصاً متزايداً في أعداد الجنود على الجبهات الأخرى، قد سحب العديد من الجنود من الحدود المشتركة مع إسرائيل، تاركا الميدان مفتوحاً أمام الجماعات المتطرفة مثل«جبهة النصرة».
والزيارة الأخيرة اللافتة للنظر التي قام بها وزير الدفاع الإسرائيلي"موشيه يعلون" لخط الجبهة في مرتفعات الجولان، كانت السبب وراء الإشاعات التي انتشرت في سوريا، بأن إسرائيل تخط لتأسيس وتسليح جيش موالٍ لها من بين السكان الدروز في الهضبة. وعلى رغم أن هذه الإشاعات مبالغ فيها على الأرجح، إلا أنه ليس هناك سوى القليل من الشك في الوقت الراهن، في سعي إسرائيل لتعزيز اتصالاتها عبر الحدود مع سوريا.
ولكن، إذا ما حاولت إسرائيل تأسيس قوات موالية لها في منطقة عازلة ممتدة بطول حدودها مع سوريا، فإن الأمر المؤكد هو أن هذه المحاولة ستبوء بالفشل. فمثل هذه الخطوة ستستدعي "حزب الله"، وحلفاءه، وغيرهم من المتطرفين للانخراط في الصراع، وهو ما سيجعل الوضع شبيهاً بما حدث في لبنان وترتب عليه نتائج بعيدة الأمد.
ففي أواخر سبعينيات القرن الماضي، أقدمت إسرائيل، على غزو جنوب لبنان، وأسست في ذلك الوقت ما سُمي بـ"جيش جنوب لبنان" لحماية حدودها، قبل أن تشن غزواً ثانياً أكبر حجماً، وأوسع نطاقاً عام 1982. وكانت النتيجة البعيدة الأمد لذلك هي قيام "حزب الله" اللبناني، بمعاونة إيرانية لـ "تحرير" جنوب لبنان- والذي- الحزب- ما زال يشكل تهديداً حتى اليوم
على مدى فترة الثمانية عشر شهراً الماضية، سافرت أنا وزملاء لي بكثافة في المنطقة، وأجرينا مقابلات مع المئات من زعماء وناشطي المعارضة السورية المسلحة وغير المسلحة. وخلال تلك الفترة أجرينا ثلاثة استطلاعات رأي بتكليف من مؤسسة "بيتشر بولز" أظهرت وجود حالة من العداء الشديد بينهم لإيران و"حزب الله"، وهذا النفور يعني أن المعارضة السورية، على أرجح التقديرات، ستكون راغبة في إبعاد قوات "حزب الله" من أي منطقة تسيطر عليها قواتها، وهو شيء سيسعد إسرائيل بالتأكيد.
بالإضافة للطعام والمأوى، هناك مساعدة طبية سيكون لها تأثير رمزي ضخم، إذا ما جرى تقديمها للمعارضة السورية المسلحة، وهي حقن الأتروبين المضادة للأسلحة الكيماوية التي يعتقد الكثيرون أن بشار الأسد قد بدأ باستخدامها بالفعل ضد شعبه. وهذا النوع من المساعدات، سوف يفند نظرية المؤامرة الزائفة السائدة من مدة طويلة بين السوريين، ومفادها أن إسرائيل وجماعات ضغطها الأسطورية في الولايات المتحدة ما زالت تساعد نظام الأسد سراً، كما ستقلص نسبياً من عدم ثقة السوريين الراسخة في إسرائيل.
في نهاية المطاف، يمكن للولايات المتحدة أن تحد من عمليات الاستطلاع الجوي التي ما زالت تقدمها للحكومة السورية، بموجب اتفاقية جرى توقيعها مع نظام الأسد الأب عام 1947، وهي عمليات توفر معلومات يمكن لنظام الأسد استخدامها في تعقب مقاتلي المعارضة.
وأي اتفاقية تبعد المعارضة عن الجماعات الجهادية، وتساعد على تجنب التدخل الإسرائيلي في الأراضي السورية، وتؤدي لتركيز جميع الجهود ضد نظام الأسد، سوف تروق لقادة المعارضة السورية، كما ستؤدي لتحقيق عدة أهداف في وقت واحد من دون حاجة لتدخل أميركي مباشر. تتمثل هذه الأهداف في : تحقيق استقرار خط الجبهة الذي يزداد تقلقلاً بشكل مطرد؛ والحيلولة دون نشوب المزيد من الصراعات الإقليمية، وهوما يساعد على تخفيف ويلات الأزمة الإنسانية؛ وتهيئة المسرح لمستقبل أفضل في مرحلة ما بعد الأسد.
المفتاح لذلك كله، هو الإنجاز السريع، قبل أن يتدهور الموقف على جبهة أخرى من جبهات سوريا العديدة، وينزلق نحو المجهول على نحو أكثر خطورة.
ــــــــــــــــــــــــ
زميل رئيسي بمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»