الرئيسة \  واحة اللقاء  \  جبهة واسعة.. تحاصر "داعش"

جبهة واسعة.. تحاصر "داعش"

19.08.2014
د. عبدالله خليفة الشايجي



الاتحاد
الاثنين 18/8/2014
لقد بات تنظيم "الدولة الإسلامية" الذي كان يعرف باسم "داعش" يشكل خطراً داهماً على أمن واستقرار المنطقة بأسرها، بل يرى مندوب العراق في الأمم المتحدة أن هذا التنظيم يهدد الأمن والسلم الدوليين، وقد أصبح هو الظاهرة الأكثر تداولاً والاسم الأكثر استهلاكاً إعلامياً والذي يثير الهلع والخوف لدى كثيرين وخاصة من أبناء الأقليات في العراق، وحتى من السنة الذين يكفرهم "داعش" حيث يقاتلهم كما يقاتل الأكراد والمسيحيين والإيزيديين.
وقد تسارعت الأحداث في الأسبوع الماضي على أكثر من صعيد لصدِّ خطر ومحاصرة بركان التطرف الذي يؤججه تنظيم "داعش" سابقاً، الذي تسمى "الدولة الإسلامية" منذ 30 يونيو بعد إعلانه عن قيام ما سماه "الخلافة الإسلامية" وتنصيب المدعو أبوبكر البغدادي "أميراً للمسلمين"! وقد بات هذا التنظيم هو واجهة الإرهاب الأكثر عنفاً ومتابعة من الجميع! ولكن السؤال المهم هو: لماذا لم يتدخل الغرب ومجلس الأمن لوقف "داعش" بعد أن سقطت الموصل بيده في 10 يونيو 2014، وبعدما احتل محافظة نينوى وتوغل من شرق سوريا إلى شمال العراق، ثم إلى غربه في محافظة الأنبار، وشرقه إلى ديالي؟ ولماذا لم يُظهر الغرب اهتماماً، إلا بعد تهديد أربيل وتهديد المسيحيين والإيزيديين؟
لقد تدخل الرئيس أوباما على مضض، وقصف مواقع "داعش" في الشمال، وأسقط، مع البريطانيين والفرنسيين، إمدادات الغذاء والماء فوق جبل "سنجار" لإنقاذ عشرات الآلاف من المدنيين الفارين من بطش "داعش".
وفي ضوء ذلك، شكل الأسبوع الماضي علامة فارقة في مواجهة التطرف الإسلامي بتراص الجبهة التي تسعى لحصار ظاهرة التطرف والإرهاب التي تهدد بحرب طائفية ومذهبية وإقصاء للأقليات وتشويه لسمعة المسلمين والإسلام. وبشكل غير مسبوق زاد الإرهاب من نزعة الكراهية والعداء للمسلمين حول العالم خلال أشهر، وربما حتى أكثر مما ساهمت في ذلك "القاعدة" التنظيم الأم الذي خرج "داعش" من رحمه، قبل أن ينقلب عليه. وقد بات "داعش" اليوم مرادفاً لتشويه صورة الإسلام من خلال القتل وقطع الرؤوس! ولذلك كانت الهبَّة في وجهه من قبل الدول العربية، وخاصة الخليجية، لصد بركان التطرف والعنف الذي يشكل "داعش" ذروته المجنونة.
وقد واجه "داعش" أسوأ أسبوع له منذ اقتحامه المشهد الإقليمي قبل أقل من عام.. حيث تشكلت كتلة دولية واسعة يدعمها مجلس الأمن وتضم أميركا وأوروبا والدول الخليجية وحتى العشائر السنية في العراق والجيش اللبناني. بالإضافة أيضاً إلى ما يعرف بالهلال الشيعي الذي يسوق منذ مدة طويلة خدماته في مواجهة التطرف التكفيري السني.. هذا في الوقت الذي يُعزى "الفضل" -إن صح التعبير- لـ"داعش"، في إخراج نوري المالكي من المشهد العراقي، بعد أن كان رجل العراق الأقوى خلال الأعوام الثمانية الماضية. وأخيراً وجدت الولايات المتحدة نفسها وجهاً لوجه مع الوحش الذي ساهم ترددها وعدم تعاملها بجدية مع الأزمة في سوريا إلى تغوله وتفاقم خطره، فإذا بها تخوض الآن لأول مرة مواجهة جوية مع ذلك التنظيم، في العراق وليس في الشام!
وفي عرسال على الحدود السورية اللبنانية نجح الجيش اللبناني أيضاً في صد توغل "الدولة الإسلامية" و"جبهة النصرة" بطردهما بعد أسبوع من الاشتباكات من المنطقة التي احتلتاها. وفي يوم الجمعة الماضي صوّت مجلس الأمن بالإجماع، تحت الفصل السابع، على القرار 1270 بفرض عقوبات على "الدولة الإسلامية" و"جبهة النصرة" وقطع التمويل عنهما، وتجفيف التمويل والتسليح، وحظر شراء النفط الذي تسيطر عليه "داعش". ومن المفارقة حقاً أن "داعش" تبيع بعض إمدادات النفط داخل سوريا، وتصدره للخارج عبر وسطاء! كما أكدت المندوبة الأميركية في مجلس الأمن "سامنثا باور" أن هناك 12 ألفاً من المقاتلين المتطرفين يشاركون هناك في عمليات إرهابية.
وبعد يوم من تنحي المالكي، وإنهاء ترشحه لمنصب رئيس الوزراء في العراق وقد أن انفض الجميع من حوله بما فيهم الولايات المتحدة وطهران والمرجعية الشيعية في إيران والعراق معاً -خامنئي والسيستاني- وقبل ذلك السنة والأكراد، حيث دعم الجميع حيدر العبادي، رئيس الوزراء العراقي المكلف وهو من حزبه -حزب الدعوة- في اليوم نفسه سارعت 25 عشيرة من عشائر الأنبار السنية للتنسيق مع القوات العراقية في مواجهة مسلحي "الدولة الإسلامية".
كما أن دول الاتحاد الأوروبي انضمت هي أيضاً إلى الولايات المتحدة في تزويد الأكراد بالأسلحة، وإن كان ذلك مع مخاوف من وقوع السلاح بأيدي الجماعات المتطرفة! وكل تلك التطورات المتسارعة، في بحر أسبوع واحد تشكل ضربة كبيرة لـ"داعش" والجماعات المتطرفة، وستسهم في حصارها من قبل جميع الأطراف الداخلية والإقليمية والدولية.
وقد لعبت المملكة العربية السعودية دوراً قيادياً في مواجهة خطر التطرف، بدعم خليجي عبّر عنه بيان وزراء خارجية دول مجلس التعاون الأسبوع الماضي في الرياض. كما عاد أيضاً سعد الحريري، رئيس وزراء لبنان الأسبق، مسلحاً بدعم سعودي وبهبة مقدارها مليار دولار من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز ضمن خطة سعودية واضحة لدعم قدرات الجيش وقوات الأمن اللبنانية التي تواجه التنظيمات الإرهابية وخاصة "داعش" و"جبهة النصرة" المتمدد خطرها من سوريا. وضمن استراتيجية مواجهة محاربة الإرهاب تتصدر اليوم السعودية الجبهة العربية، انطلاقاً من تحذير الملك عبدالله من خطر الإرهاب. وطلبه من علماء الدين، بعد أن انتقدهم لصمتهم وكسلهم، أن يرفعوا الصوت عالياً في التحذير من الإرهاب والجماعات الإرهابية.. وأرفق خادم الحرمين ذلك بتقديم 100 مليون دولار مساهمة من السعودية إلى المركز العالمي لمواجهة الإرهاب. وكان لافتاً في خطبة الجمعة في الحرم المكي يوم الجمعة حديث إمام الحرم المكي الشيخ عبدالرحمن السديس عن خطر الخوارج، أي "الدواعش" حدثاء الأسنان، سفهاء الأحلام، الذين تركوا المعقول والمنقول وراءهم وعاثوا فساداً في بلاد الشام.
والآن واضح أن هناك جهوداً حثيثة ومنسقة لتشكيل جبهة قوية من قوى إقليمية ودولية ضد الإرهاب بشتى أنواعه وأبعاده. وقد ظهر ذلك في الاصطفاف الإقليمي والدولي الضاغط على المالكي للتنحي، خاصة أنه يقدم نفسه من ضمن حلفاء إيران، مثل بشار الأسد في سوريا، الذي حوّل هو الآخر مسار الثورة، من ثورة تطالب بحقوق مشروعة إلى دعوى محاربة الإرهاب. ثم طور تلك المقاربة ليقدم نفسه وبشكل مفضوح زاعماً أن حربه على الإرهاب تأتي نيابة عن العالم بأسره.. وقد رفع المالكي ذلك الشعار نفسه في العراق. بل إن "حزب الله" في لبنان دخل هو أيضاً على الخط زاعماً أنه أصبح قوة إقليمية يقاتل في سوريا والعراق لمنع "المتطرفين والتكفيريين من تهديد لبنان"!
وحسناً تفعل السعودية التي تحولت بدعم ومباركة خليجية إلى رأس الحربة في مواجهة التطرف والإرهاب بشتى الوسائل، حيث كسرت احتكار إيران وحلفائها صفة مواجهة الإرهاب التي تجهد للترويج والتسويق لها كخدمة للغرب، مقدمة نفسها باعتبارها الطرف الوحيد الذي يواجه التطرف التكفيري.. فإذا بالسعودية، وحلفائها من الخليج إلى بيروت، ومؤسساتها الدينية والسياسية والمالية بدعم من الملك نفسه، يقودون حملة هي الأكبر للتصدي للتطرف والجماعات الإرهابية!
هذه الاستراتيجية السعودية والخليجية التي تشكل جبهة صلبة ضد الجماعات المتطرفة والإرهابية يجب دعمها عربياً ودولياً لمصلحة الجميع، خاصة أن هناك اليوم جبهة واسعة قيد التشكل تجد لها صدى في المواقف الدولية.. وذلك حتى لا يبقى طرف واحد يحتكر دعاوى محاربة الإرهاب فيما سياساته ومواقفه تعزز وتغذي الانقسام والتطرف.