الرئيسة \  واحة اللقاء  \  جرابلس بداية المخاض

جرابلس بداية المخاض

27.08.2016
محمد علي فرحات


الحياة
الخميس 25/8/2016
1500 عنصر من "الجيش الحر"، بقيادة تركيا ومشاركة دباباتها مع دعم طيران التحالف، يطردون "داعش" من جرابلس ومحيطها. إنه دخول "شرعي" لأنقرة في الشمال السوري، على رغم اعتراض حكومة دمشق و"وحدات حماية الشعب" الكردية واعتبارهما الأمر "اعتداء سافراً على الشؤون الداخلية السورية".
دخول "شرعي" لكنه ليس الدخول الأول لأنقرة التي اخترقت الحدود السورية غير مرة، وسمحت لسنوات بتسرب عشرات آلاف الأجانب مع سلاحهم وآلياتهم ليشكلوا عصب التطرف الإسلامي المسلح الذي أطفأ شعلة الثورة السورية لمصلحة إرهاب يخرب سورية ويعطي نظامها ذريعة البقاء ويحرم معارضتها من السعي إلى دولة مدنية ديموقراطية تعددية تخلف النظام الديكتاتوري، على ما قالت المعارضة وردّدت وصدّقها العالم ثم أصمّ أذنيه عن سماع صوتها.
"الشرعية" التركية مرفقة بـ "شرعية" يحظى بها "الجيش الحر"، بالتبعية، من الولايات المتحدة وروسيا ومعهما إيران. لكن ضجة الفصل الجديد من الحرب السورية لا تعدو كونها إمساكاً أميركياً للعصا من الوسط، فواشنطن تحمي الوحدات الكردية شرق الفرات وفي عفرين وحدها غرب النهر، وتبقي جرابلس ومنبج بإدارة مجلسين محليين يحظيان بالرضى التركي ويندرجان في معارضة سورية معتدلة طال البحث عنها في تشابك جماعات إسلامية مسلحة تعتبر حربها فتحاً لا وسيلة لتغيير النظام، والفاتح هو الآتي من وراء الحدود ليفرض سلطته على الأهالي بالقوة. إنها واحدة من مصائب المعارضة السورية بحلفائها على الأرض.
وفي أي حال، لن يكون شمال سورية شريطاً كردياً ولا منطقة منزوعة السلاح كما يرغب الأتراك. إنه ضمن "ستاتيكو" ترعاه أميركا في انتظار تبلور ملفات المنطقة. "الستاتيكو" ساخن أو أنه المخاض، فأهل الشمال السوري لن ينعموا حتى بهدوء نسبي لأن "داعش" قد يتسرب كالعادة إلى تنظيمات إسلامية مسلحة أخرى، فضلاً عن أن "عاصمته"، الرقة، ستضخ انتحاريين يوزعون الموت والدمار على أنحاء عدة وعلى أطراف زاد عددها بعد الدخول التركي "الشرعي".
سيكون لتركيا "منع تشكيل أي كيان في سورية يكون لمصلحة أي مجموعة إثنية"، على ما قال بن علي يلدريم، لكن سورية الدولة الواحدة الموحدة صارت جزءاً من الماضي، لأن الحروب الداخلية، الأهلية وشبه الأهلية، كما يحدث في الأنحاء السورية، تفرز كتلاً اجتماعية، إثنية أو طائفية أو جهوية، تتحول إلى مؤسسات سياسية قائمة على مصالح محلية، وبذلك تتحول الدولة إلى دويلات، تنتظم في علاقة ما، فيديرالية أو كونفيديرالية، أو في صيغة لاقتسام مغانم الدولة الواحدة كما يحدث في لبنان.
المخاض الطويل في سورية قد يشمل تركيا وإيران المتدخلتين في خلايا الانهيار السياسي والاجتماعي في المشرق العربي، خصوصاً أنهما معنيتان، مع العراق، بالقضية الكردية، التي لن تتكرر خساراتها التاريخية. ففي سياق حلول مشكلات المنطقة المتشابكة ستكون للأكراد كيانات خاصة تشبه كردستان العراق، تتشكل في سورية وتركيا وإيران، في رعاية دولية، أو أميركية على الأقل. وتؤدي الكيانات هذه، بالضرورة، إلى أوضاع دستورية مستجدة في دول المشرق وجواره، فهذه الدول التي تشكلت بعد "سايكس بيكو" قبل مئة سنة لن تغيب عن الخريطة أو تتعدل حدودها كما يروج كثيرون. كل ما في الأمر أن الدولة الوطنية ستقوم وفق إطار ديموقراطي تعددي يحترم التنوعات الأصلية، وتلك المستجدة بعد الحروب الأهلية، وسوف تلتحق بدول المشرق دولتا تركيا وإيران القائمتان على تنوع ديني وإتني ومذهبي.
بهذه النتائج وبغيرها يكون "داعش" قد أدى مهمته، وخلال مسيرته إلى الانهيار ستنهار معه القوى المسلحة للإسلام السياسي المتطرف، بل إن المسلمين أنفسهم سيملكون شجاعة التخلص من تسييس الدين ليقيموا دولاً متقدمة تخدم مواطنيها، وتشارك في التعاون الدولي من أجل السلام والنمو ومواجهة الأخطار في الاقتصاد والبيئة والأمن وحقوق الإنسان.
وجو بايدن الذي زار أنقرة ودان الانقلاب الفاشل متنصلاً من المشاركين فيه، أبدى تضامنه مع "الحليفة تركيا" في وجه الهجمات التي تتعرض لها، وبذلك كان يشد على يد أردوغان في مساره الجديد ضد التطرف والإرهاب، ويدعو من أنقرة قوى المنطقة للتشارك في الحرب على الإرهاب والانخراط في حلول سياسية للمشكلات المعقدة.