الرئيسة \  واحة اللقاء  \  جغرافية "المقاومة" ... حمص ما بعد حيفا

جغرافية "المقاومة" ... حمص ما بعد حيفا

21.07.2013
يسار قدور

المستقبل
الاحد 21/7/2013
شكلت القضية الفلسطينية الهمّ الأول للسوريين منذ عام 1948 إلى الآن، حتى أنهم كانوا يعتبرونها قضيتهم الأولى قبل الجولان السوري المحتل، وذلك لقناعتهم التامة بوحدة القضية والمصير، وأنّ تحرير الجولان لن يكون إلا مترافقاً مع تحرير كافة الأراضي المحتلة من العدو الإسرائيلي، وهذه هي الحجة التي استغلها نظام الأسد الأب لعقود ونادى بها في كافة المحافل تحت شعار "تلازم المسارات في عملية السلام".
عمل نظام الأسد الأب على تهميش الجولان السوري المحتل حتى في المناهج الدراسية لإبعاده عن تفكير الشعب السوري. وكان بذلك الصديق الصدوق للإسرائيليين، وحامي حماهم، الذي لا تغمض له عين عن حماية حدودهم مع سوريا.
رغم نجاح نظام الأسد، صاحب القبضة الأمنية الفولاذية، في إخماد جبهة الجولان لمدة أربعين عاماً، إلا أن السوريين لم يتخلوا أبداً عن فكرة المقاومة، بل أنّ أحد أهم أسباب سكوتهم على ظلم النظام وقمعه كل هذه السنوات هي كذبة الممانعة التي مازال يتغنى بها من دون أدنى خجل حتى من نفسه.
يعرف كل من عاشر السوريين أنهم شعب طيب ومتعطش للمقاومة، ويذكر جيداً كل من دخل بيوت السوريين أنّه رأى في صدر معظم البيوت صورة الشهيدة "سناء محيدلي" معلّقة بجانب صورة "تشي غيفارا"، وأنّ الطقس الملازم لهذا المشهد هو أغاني الفنان "مارسيل خليفة" التي حفظها السوريون عن ظهر قلب.
ومع نشوء المقاومة الإسلامية تم استبدال صورة "سناء محيدلي" بصورة "حسن نصر الله" في البرواز، و "غيفارا" لم يخسر موقعه كما أنّ أغاني مارسيل خليفة بقيت حاضرةً دائماً؛
فقط في البيت السوري نرى صورة لـ"غيفارا" تجاور صورة "حسن نصر الله" وصاحب البيت يردد "منتصب القامة أمشي .. مرفوع الهامة أمشي"، وفي سوريا فقط نجد أطفالاً يحملون أسماً مركباً هو "حسن نصر الله ...."، وقلما تشاهد أناساً يحفظون أغانٍ لفنان ما أكثر من صاحب الموسيقى نفسه، كما هي علاقة السوريين مع أعمال مارسيل خليفة.
يدرك السوريون جيداً، ومنذ زمن بعيد أنّ "الممانعة" ما هي إلا كذبة كبيرة اخترعها النظام السوري للتغطية على ظلمه وسرقته لمقدرات البلاد، بحجة التسليح والتوازن مع العدو الإسرائيلي، لكن بعد قيام الثورة السورية كانت صدمة السوريين الكبرى بحزب الله وقائده حسن نصر الله، الذي كانت شعبيته تفوق شعبية هيفاء وهبي عند الشبان المراهقين.
أكثر ما يذكره السوريون من خطابات "حسن نصر الله" هو تهديده لإسرائيل بعيد حرب تموز بصواريخه التي تصل إلى ما بعد حيفا، لكن ما لم يتخيله السوريون ولم يخطر لهم على بال أن مسار نيران حسن نصر الله وحزبه يبدأ من "مقام السيدة زينب" في دمشق مروراً بمدينة القصير وتدميرها، لتستقر قواته في حمص وتدك حي "الخالدية" بمختلف صنوف الأسلحة محاولة اقتحامه لاختلاق نصر جديد على دماء السوريين؛
لم يكتفِ النظام السوري بكل ما ارتكبته عصابته من مجازر بأهالي حمص، منذ بداية الثورة فلجأ إلى حليفه المقاوم بعد عجزه على إخضاع عاصمة الثورة. ولم تتأخر قوات نصر الله بتلبية نداء الأسد لتشاركه في جرائمه بحق أبناء مدينة حمص، مستفيدين من الدعم غير المحدود من ولي نعمتهم في طهران، إضافة إلى الموقف غير الإنساني وغير الأخلاقي، الذي ألفه العالم من النظام الروسي، عبر الفيتو حتى على مشروع بيان يطالب بإغاثة المدنيين وإخلائهم. أما الائتلاف السوري المعارض فقد قام بواجبه على أكمل وجه بإصدار بيان استنكار لما يحدث في حمص وباقي الأراضي السورية، وتابع أعماله المصيرية بانتخاب رئيس جديد له ومازال ماضياً بإعادة هيكلته على قدم وساق، كما فعل توأمه "المجلس الوطني" قبل سنة من الآن.
رغم تردي المشهد، مقارنة مع سابقه قبل سنة من الآن، مع الأخذ بعين الاعتبار الزيادة في الحشود والقوات ونوعية الأسلحة التي تفتك بمدينة حمص، إلا أن الصورة الحقيقية تبقى نفسها، فالنظام مازال ممعناً في قتل السوريين. أما حزب الله فقد خلع عباءة المقاومة التي كان يتستر خلفها وكشف عن وجهه الحقيقي. والمعارضة السياسية السورية مازالت تتنازع على كراسيها الموهومة وكأنّها استلمت الحكم وبدأت في صراعاتها لإسقاط الرئيس الجديد، متناسية أنّ من يحكم سوريا إلى اللحظة هو مجرم اسمه "بشار الأسد" يجب إسقاطه أولاً وقبل كل شيء، لكن على الجانب الآخر مازال الشعب السوري ماضياً في ثورته رغم كل الدماء التي قدمها، وحمص باقية عاصمة للثورة السورية وتردد ما ردّده التلميذ حين سأله أستاذه: أين تقع حمص؟ فكان الجواب واضحاً لا لبس فيه: "حمص لا تقع يا أستاذ".