الرئيسة \  تقارير  \  جمهورية الحشيش السورية : نظام يعمل على موارد كبتاغون وإنجازه الوحيد هو التفوق على الكارتل المكسيكي

جمهورية الحشيش السورية : نظام يعمل على موارد كبتاغون وإنجازه الوحيد هو التفوق على الكارتل المكسيكي

26.12.2022
إبراهيم درويش

جمهورية الحشيش السورية : نظام يعمل على موارد كبتاغون وإنجازه الوحيد هو التفوق على الكارتل المكسيكي
إبراهيم درويش
القدس العربي
السبت 25-12-2022
أصبح اسم سوريا مرتبطا بالمخدرات وخاصة حبوب كبتاغون المنشطة التي تستخدم بشكل واسع في المنطقة العربية من الحفلات بالرياض إلى سائقي السيارات العمومية في بغداد والمقاتلين من طرفي النزاع في سوريا وحتى مقاتلو تنظيم الدولة أغرموا فيها.
ويتم الترويج للمادة التي أنتجت في ألمانيا خلال ستينات القرن الماضي لمعالجة اضطراب نقص الانتباه والخدار والاكتئاب وهي حبوب منشطة تسبب الإدمان واسمها التجاري المركب هو أمفيتامين الفينثللين، ومنعت في الثمانينات من القرن الماضي ولكن الحبوب المزيفة من كبتاغون بدأت تظهر في الشرق الأوسط بعدما بدأت صيدليات تصنعها بطرق سرية وتخلط أمفيتامين والكافيين ومواد أخرى رخيصة. ويروج للحبوب بأنها منشطة جنسيا وتعالج الاكتئاب وتساعد على السهر طوال الليل، ولها أسماء محلية، حيث كان مقاتلو تنظيم الدولة يطلقون عليها “كابتن الشجاعة” وتعرف في الأسواق بـ”ابو هلالين”. وانتشرت شائعات أن المهاجمين لمسرح باتكلان في باريس عام 2015 تناولوا المخدر، إلا أن المسؤولين الغربيين رفضوا هذا باعتباره دعاية.
وأصبحت عمليات أمن الحدود الأردنيين في مصادرة كميات كبيرة من كبتاغون شبه يومية وباتت لا تثير الانتباه عند نشرها في الإعلام نظرا لكثرة حدوثها.
دولة مخدرات
ومنذ العام الماضي نشرت الصحافة الغربية سلسلة من التحقيقات الاستقصائية حول تحول سوريا في ظل نظام بشار الأسد إلى “دولة مخدرات” حيث تشكل حبوب الكبتاغون نسبة 90 في المئة من صادرات البلد. وتحولت لصناعة تشرف عليها الدولة وتتداخل فيها مؤسسات البلد الأمنية وخاصة الفرقة الرابعة بقيادة ماهر الأسد، شقيق الرئيس بشار الأسد، إضافة لتعاون من حليف النظام في لبنان، حزب الله، الذي سيطر في الماضي على تجارة الحشيش في منطقة البقاع اللبناني، ولديه الخبرات والأدوات للمساعدة في إنتاج وتوزيع المادة. وفي سوريا أصبحت الدولة التي تحتاج للعملة الصعبة بشكل كبير، نظرا للحصار والعقوبات الدولية هي الراعية لهذه التجارة، ووفرت لها شبكة من الخبراء والمعامل لإنتاجها وطرق تصديرها للخارج عبر الموانئ السورية مثل اللاذقية أو المعابر البرية من الأردن الذي يعتبر رابط سوريا مع دول الخليج. وكشفت الجمارك في دول أوروبا عن محاولات تهريب الكبتاغون أو الميث البلوري، وخاصة ما كشفت عنه السلطات الإيطالية ومن ثم اليونانية في كانون الاول/ديسمبر 2018 وعن شحنة من المادة السامة من 3 ملايين حبة إلى جانب القنب الهندي كانت على متن سفينة اسمها “نوكا” قادمة من اللاذقية، وهو ما ينظر إليه كمحاولة سورية لتوسيع التجارة في الخارج. وفي العام الماضي كشف عن 94 مليون حبة في ميناء كالانغ الماليزي.
ولكن التجارة تطورت بشكل مقنع حيث بات المهربون للمادة يستخدمون علب الحليب، والفواكه ولفافات الورق المقوى والشاي واللحوم وغير ذلك من الطرق المبتكرة والمخللات والمعدات الطبية وغير ذلك. وعندما اكتشفت السعودية أكثر من 8 ملايين حبة كبتاغون محشوة في حبات الرمان المصدر من لبنان، قررت العام الماضي منع استيراد الفواكه والخضروات من لبنان بشكل أضر بالمزارعين العاديين. وبات لدى “دولة المخدرات” أو “جمهورية الحشيش السورية” شبكة من المنتجين والوسطاء والموزعين إلى جانب أجهزة الدعم الحكومية، حيث يعتقد أن معظم عوائد التجارة تذهب للمخابرات السورية.
شبكات وأموال
وفي الشهر الماضي نشرت مجلة “سبكتاتور” (19/11/2022) تحقيقا قال فيه بول وود إن سوريا أصبحت أهم دولة تتاجر وتتربح من المخدرات. ووصف فيه الكاتب كيف تعرف على زعيم عصابة كبتاغون لبناني لقبه أبو حسن، وشرح له عملية إنتاج وتوزيع الحبوب السامة. والسبب الذي دعا أبو حسن للحديث معه هو أن أبو حسن ليس منتجا كبيرا للكبتاغون وليس صغيرا بالضرورة. وتبدأ عملية توزيع المادة من خلال وسيط يضع طلبية لتاجر مخدرات في العراق، الأردن أو السعودية. ولهذا يسارعون بطلب المكونات التي يطلقون عليها “الملح الصيني” والبنزين، وهي مواد قانونية يتم شحنها عبر ميناء بيروت ولا تكلف الكثير ويقوم رجاله بخلط المواد في برميل ومن ثم وضعها في قالب. ويقول وود إن الكثير مما يباع في الشرق الأوسط ككبتاغون هو في الحقيقة ميثاميفاتين أو الميث البلوري. وقال أبو حسن إن أصغر طلب حصل عليه هو 3 صناديق وأكبر هو 300 صندوق وكل واحد يمكن أن يستوعب حوالي 10.000 حبة. ويبيع الحبة بما بين 1-2 دولار ولكن عليه أن يدفع في الطريق عبر سوريا عن كل حبة دولارين في كل توقف عند نقاط التفتيش ومعابر الحدود عبر سوريا وقبل أن يتم توزيعها في الشرق الأوسط، حيث تباع الحبة عندما تصل إلى السوق بـ 24 دولارا. والصندوق الذي يباع بـ 20.000 ينتهي بسعر ربع مليون دولار. وتذهب معظم موارد المخدرات إلى المخابرات السورية والفرقة الرابعة التي يقودها ماهر الأسد، وهناك عدد من رجال الأعمال الذين يسيطرون على نقاط تفتيش التي يستخدمها النظام لتسهيل عبور الحبوب. وأصغر شحنه تعني نصف مليون دولار لرجال النظام، ومئات الصناديق تعني 10 ملايين دولار في أيديهم. وقال أبو حسن “دعنا نقول إن هناك مئة رجل مثلي يحركون المنتج عبر سوريا، يعني كل ميزانية الدولة”. ونفس الأمر يحدث في لبنان، فعليه أن يدفع للشرطة المحلية والمخابرات وحزب الله، مع أن زعيم الحزب يقول إن مزاعم تهريب الحزب للمخدرات “أخبار مزيفة”. وهي ضد الإسلام ولن ييبعوها حتى لأعدائهم. ولا يتعدى دور نظام الأسد في ابتزاز مهربين مثل أبو حسن، بل وحددت المخابرات الأمريكية ماهر الأسد كملك للتجارة. وعلم الكاتب عن لقاء تم في واشنطن وعرضت فيه معلومات أمنية حول طبيعة صناعة المخدرات، حيث تنتشر مصانع كبتاغون في كل مكان، معملان في حمص وحماة وسط البلاد وعدد آخر في طرطوس واللاذقية على الشاطئ. وتم تحويل مصنع للورق في مدينة حلب، شمال البلاد إلى معمل للكبتاغون. وهذا الزعم ليس غريبا، فقبل عامين عثرت الشرطة الإيطالية على متن سفينة رست في ميناء ساليرنو، عثرت في ثلاث حاويات قادمة من سوريا تحتوي على اسطوانات ورقية تم إخفاء في داخلها 15 طنا من كبتاغون.
أرقام مدهشة
ويقول تشارلز ليستر الزميل في معهد الشرق الأوسط بواشنطن إن إنتاج كبتاغون يتم وبدون شك على قاعدة واسعة. والأرقام مدهشة، فحجم الكبتاغون الذي صودر في الخارج وصلت قيمته 5.56 مليار دولار العام الماضي. ويرى ليستر أن حجم التجارة هي 5 أضعاف أو 20 ضعفا مما تمت مصادرته وفي ضوء سهولة تهريبها عبر الحدود في الشرق الأوسط. ويرى في تقدير متواضع أن حجم التصدير يصل إلى ما بين 25- 30 مليار دولار. وبالمقارنة فحجم ما يصدر من المكسيك إلى الولايات المتحدة يتراوح ما بين 5-7 مليار دولار. وقال ليستر إن “أهم مورد يهم النظام في الوقت الحالي، هي المخدرات”. وفي تقرير لموقع “فايس” (14/12/2022) قال فيه ماكس دالي إن صناعة المخدرات السورية تفوقت على كارتل المخدرات في المكسيك، وذلك لإنتاجها المخدرات بأرقام فلكية وبسرعة مدهشة. وفي حوار عقده مركز هامون عبر وينبار قال ليستر إن سوريا “ضاعفت وزادت ثلاثة وأربعة أضعاف عما ينتجه كارتل المكسيك من ناحية الإنتاج والتصدير، والأرقام الحقيقية لهذه التجارة فلكية” كما قال. وأخبر المسؤولون في المنطقة ممن لديهم خبرة في الجريمة المنظمة وتهريب المخدرات ليستر وغيره أن عمليات مصادرة الحبوب التي زادت عام 2022 “لا تشكل سوى نسبة ما بين 5- 10 في المئة من حجم تجارة كبتاغون في سوريا”. وقال ليستر إنه حتى لو تمت مصادرة حوالي 1-10 في المئة من الحبوب السامة، وهو أمر صعب بسبب فساد المسؤولين على الحدود، فإن حجم التجارة الإجمالي يصل إلى 57 مليار دولار، وهو أعلى بكثير من قيمة تجارة الكارتل المكسيكي التي تقدر بما بين 5-21 مليار دولار، فيما قدمت مجلة “دير شبيغل” تقديرات أخرى.
دعم القمع
وتمثل تجارة المخدرات أداة مهمة للنظام لمواصلة قمع المواطنين السوريين، وحسب جهاد يازجي محرر “سيريا ريبورت” فإن “صادرات كبتاغون تمثل واحدة من أهم المساهمات للعملة الأجنبية الصعبة التي يحتاجها الاقتصاد السوري”. ويعلق ليستر إنه “من الصعب التأكد من حجم استفادة النظام، لكن قاعدة الإنتاج الواسعة تؤكد حقيقة أن النظام ينتفع منها بشكل محتوم”. وأضاف أن كبتاغون أصبح بمثابة “الغراء الذي يربط ثلاث مؤسسات للدولة، النظام والنخبة المتنفعة منه ووحدات الأمن الموالية، قائلا إن صناعة كبتاغون واسعة نظرا لأن النظام يدعمها ويوفر لها الضمانات وهو الذي يتحكم بكل خيوطها.
ورقة ضغط
وفي النهاية لا ينتفع السوريون العاديون من موارد التجارة هذه لأن معظم المال يوزع على النخبة ورجال النظام ومؤسساته إلى جانب القتلة والشبيحة والميليشيات الموالية لإيران وكل الجماعات التي تضر بسوريا وتلاحق السوريين العاديين. وقال يازجي “هؤلاء الأفراد لا يستخدمون المال لتحسين البنى التحتية، فهم يشترون العقارات أو يضعوها في حساباتهم المصرفية في دبي. وتجارة المخدرات مهمة للنظام لأن مواردها بالدولار ولأن النظام بات معتمدا عليها فلن يتخلى عنها، ونظرا لتوفر المال لديه فلن يظهر أية ميول للتنازل”. وقال يازجي إن التجارة قد تصبح أداة ضغط من النظام على الدول تعاني من انتشارها وتريد تحفيف أثر كبتاغون.
وفي تقرير لمعهد نيولاينز، صدر بداية العام الحالي جاء فيه أن حوالي 800 مليون حبة من كبتاغون تمت مصادرتها خلال السنوات السبع الماضية. وأشار إلى أن “عناصر رئيسية في الحكومة السورية الدافع المحرك في التجارة وهناك تواطؤ على المستوى الوزاري في الإنتاج والتهريب واستخدام طرق التجارة كوسيلة للنجاة السياسية والاقتصادية وسط العقوبات الدولية. ويبدو أن الحكومة السورية تستخدم التحالفات المحلية مع الجماعات المسلحة مثل حزب الله والحصول على الدعم الفني واللوجيستي في عمليات إنتاج ونقل كبتاغون”.
وقالت رئيسة برنامج معهد “نيولاينز” للسياسات كارولين روز، في حديث صحافي سابق، إن الفرقة الرابعة التابعة للنظام وكذلك حزب الله وميليشيات تابعة لإيران، تقدم الحراسة والتسهيلات لهذه التجارة، يقومون بحراسة هذه المرافق والمنشآت وإخفائها عن أعين قوات إنفاذ القانون، ومؤسسات منع الإتجار بالمخدرات في المجتمع الدولي.
وزادت عمليات الكشف عن عمليات تهريب المخدرات في تركيا والعراق وشمال أفريقيا، ويرى ليستر أن الأردن الذي كان يعتبر معبرا لكبتاغون بات سوقا له وبمعدلات عالية من استهلاكها. وهو ما دفع وكالة مكافحة المخدرات الأمريكي لوضع فريق في الأردن مهمته التعامل مع تجارة كبتاغون. وتساءل ليستر عن السبب الذي لم يجعل تجارة المخدرات السورية على رأس أجندة الحكومات الغربية. ويعلق يازجي من “سيريا ريبورت” أن كبتاغون سوريا لا يهم الغرب نظرا لعدم وصوله بعد إلى حدودها، مثلما يحدث مع تجارة المخدرات من المكسيك التي تنقل المخدرات إلى داخل الولايات المتحدة. ورغم تمرير الكونغرس في بداية كانون الأول/ديسمبر قرارا يستهدف كبتاغون سوريا وتورط النظام فيها، ولكن الحكومة الأمريكية تريد الابتعاد عنه وتبعده عن الأجندة السياسية. ولاحظ ليستر أن وزارة الخارجية الأمريكية فشلت ومرة أخرى في شمل سوريا على قائمة الدول التي تنتج المخدرات والتي أعلنت عنها في أيلول/سبتمبر، كل هذا رغم ان سوريا تعتبر من أكبر الدول المنتجة والمصدرة للكبتاغون في العالم.
الثمن الفادح
وتشكل المخدرات وانخراط النظام فيها معضلة كبرى للعالم والمنطقة بشكل خاص، فالثمن الإنساني الذي دفعه السوريون طوال فترة الحرب الأهلية، وهي الفترة الذهبية لتجارة كبتاغون، كان فادحا، ولا تزال منظمات حقوق الإنسان توثق ملامح هذا الثمن كما في تقرير للشبكة السورية لحقوق الإنسان في بريطانيا الذي كشف عن إخفاء النظام مصير المفقودين عن أهاليهم. وجاء في تقرير لصحيفة “إندبندنت” (21/12/2022) أن عدة عائلات تعرفت على مصير أحبائها المفقودين بالمصادفة عندما ذهبت للسجل المدني كي تقضي مصلحة غير السؤال عنهم. و”يعتبر الترتيب الذي تبناه النظام لتسجيل الوفيات للمختفين قسرا بدون إخبار هو دليل دامغ عن احتقار مروع لحياة المواطنين الذين تعرضوا لهذا المستوى من البربرية التي تخترق وبشكل صارخ العرف والقانون” كما جاء في التقرير. يضاف إلى هذا المعاناة التي يعيشها السوريون في كل أنحاء البلاد، بما فيها المناطق الخاضعة للنظام. ونقلت صحيفة “فايننشال تايمز” (22/12/2022) عن سائق في حلب قوله إن أزمة الوقود تعني أنه لن يعمل ولن يعيل عائلته. وأضافت إيما فورستر من المجلس النرويجي للاجئين في دمشق إن الناس أخبروها بأن هذا العام هو الأسوأ الذي مر على سوريا منذ بداية الحرب الأهلية، ففي الماضي كان الوقود متوفرا وبسعر عال إلا أنه اليوم لم يعد متوفرا أبدا. وأصبحت الحياة مشلولة في البلاد، فلا وقود لتشغيل المولدات، والمصانع لا تعمل وألغت الجامعات الحصص الدراسية، ولا تأتي الكهرباء إلا ساعتين في اليوم.