الرئيسة \  واحة اللقاء  \  جنيف السوري: لا سلام سيأتي من دون إيران

جنيف السوري: لا سلام سيأتي من دون إيران

29.12.2013
عبد القادر فايز


القدس العربي
السبت 28/12/2013
في سوريا اليوم أو ما تبقى منها لا انتصار حاسما للنظام من دون ايران، وفي سوريا المعارضة أو المعارضات لا حل سياسيا من دون ايران، وفي سوريا الشعب المنهك لا سلام ممكنا ما لم يعبر العاصمة طهران. يعرف النظام السوري ذلك ويعرف أنه في احد جوانب صموده هو مدين للدور الايراني الذي تكشف طهران بعضه علنا حين تتحدث عن دعم عسكري عبر مستشارين من الحرس الثوري يشاركون في العمليات اللوجستية، ودعم اقتصادي يقال إنه وصل إلى 17 مليار دولار خلال ثلاث سنوات. يزداد الدور الايراني تجذرا حين يعترف بعض أقطاب المعارضة السورية، ولو ضمنيا، داخل الغرف المغلقة أن أي حل سياسي لن يكون واقعيا وقابلا للتنفيذ من دون إلزام الايرانيين باحترامه وتنفيذه. بهذا المنطق تبدو فكرة استبعاد ايران من حضور مؤتمر جنيف اثنين الخاص بسوريا مطلع العام المقبل نوعا من المغامرة بالحل السياسي للأزمة السورية. أما دعوة السعودية للحضور – في حال تمت طبعا تشبه إلى حد ما تفخيخ أجواء المؤتمر، ما يعني بقاء ناعورة الدم السورية دائرة، والتي ربما ستدور أكثر وبشكل أسرع في مرحلة ما بعد انعقاد جنيف اثنين، إذا ما عقد بتركيبته المعلنة حاليا.
مشكلة المتوجسين من الحضور الايراني إلى جنيف ألا إشارات واضحة تأتي من طهران بأن دعوتها إلى المؤتمر ستتبعها انعطافة ما في مواقفها من الأزمة السورية، ومشكلة الداعمين للحضور الايراني هو الا إشارات أيضا بأن ايران مستعدة للالتزام بنتائج المؤتمر الدولي في حال تم استبعادها من جدول الحاضرين، حتى لو تلقت تطمينات بمراعاة الحد الأدنى من مصالحها الاستراتيجية في سوريا المستقبل. فالايرانيون يتعمدون الاشارة إلى إنهم غير ملتزمين بتفيذ قرارات لم يشاركوا في صياغتها، واستبعادهم يشكل انتقاصا ما لنفوذهم وعدم احترام لحدود دورهم الاقليمي. هكذا تصبح ايران حجر الزاوية في الأزمة السورية، فلا حرب ستنتهي من دون موافقتها ولا سلام سيأتي من دون حضورها. لم يهبط الايرانيون من السماء على سوريا هكذا فجأة، ولا هم طارئون على الأحداث الداخلية هناك، كما أنهم ليسوا ككثيرين غيرهم، فمشروعهم هناك لم يبدأ لحظة خروج أطفال درعا للكتابة على الجدران وانطلاق شرارة الاحتجاجات، لدى ايران سنوات طويلة من الاستثمار الحقيقي والتاريخي في سوريا، حتى غدت دمشق رأس الحربة ومقدمة الجبهة التي تتزعمها طهران في المنطقة. عندما نتحدث عن الملف السوري في ايران لابد من توخي الحذر في عملية بناء الاستنتاجات على أساس تصريحات السياسيين في الرئاسة أو وزارة الخارجية، فملف بحجم الملف السوري هو ملف أمني بامتياز ولا أحد يملك سلطة إعطاء الأوامر فيه سوى المرشد الأعلى آية الله السيد علي خامنئي، ومن خلفه قادة الصف الأول من فيلق القدس التابع لقوات النخبة في الحرس الثوري. في طهران تسمع بوضوح أن سوريا تعني حزب الله، وأن حزب الله يعني قوات النخبة خارج الحدود التي تقف على الحدود مع اسرائيل مدججة بترسانة صاروخية باتت تشكل رعبا بالنسبة للاسرائيليين، وإسرائيل هي مركز المشروع المضاد في المنطقة. بهذا المعنى يرى الحرس الثوري سقوط نظام الرئيس بشار الأسد – ولو عن طريق الحل السياسي – نذير شؤم ولا بد من منعه بكافة السبل. حين تريد الاستيضاح أكثر يخاطبك قائد عسكري ايراني سابق مباشرة أن سقوطا مدويا للنظام في سوريا يعني مرضا عضالا سيصيب البنية الأساس لحزب الله في لبنان، ليس بالضرورة أن يسبب ذلك انقراض الحزب، لكن قد يكون حزب الله مضطرا لاجراء عمليات جراحية متتابعة تفقده دوره الأساس. يضيف الجنرال الايراني بوضوح أدق بأن سقوط دمشق سيفتح الطريق باتجاه طهران لتقليص حدودها الايديولوجية، فمن دون دمشق لا مياه دافئة على المتوسط للايرانيين، ومن دون دمشق لا وجود للعباءة العربية المسلحة على حدود اسرائيل، والأهم من ذلك فان نتيجة كهذه ستعني انتصارا سعوديا ساحقا في أهم ساحتين ايرانيتين بالمعنى الاقليمي، أي سوريا ولبنان، وهذا غير مسموح به إيرانيا. هكذا تصبح سوريا أرض الواجب الجهادي بالمعنى الشيعي ضد إرهاب التكفيريين، وفي ذات الوقت تكون أرض الجهاد لمتشددي السنة ضد ما يسمونه مشروعا شيعيا تقوده طهران للسيطرة على مفاصل الشرق الأوسط. هنا يبرز المشهد السوري في أكثر تجلياته وضوحا ليظهر ما يجري وكأنه حرب ايرانية ـ سعودية ممنوع انتهائها لصالح الرياض والمشروع الذي تمثله. هذه هي الرؤية التي تفرز المحددات الحقيقية في تعامل النظام الايراني مع الأزمة السورية.
من ذات المنظار تبدو المعارضة السورية المدعومة أمريكا وسعوديا غير عقلانية وهي تصر على استبعاد ايران عن طاولة جنيف اثنين، فهي وببساطة تمنح الايرانيين حق الاحتفاظ بالرد عمليا على أرض الميدان في سوريا على كل ما سيخرج به جنيف اثنين. السؤال هنا للمعارضة السورية ومن يدعم موقفها لماذا لا تحضر طهران وتكون ملزمة أمام السوريين قبل غيرهم بلعب دور ايجابي، فحضورها حق طبيعي لها كدولة إقليمية تعتبر الأكثر تأثيرا في ملفات المنطقة الشائكة. فاذا كانت فكرة التوأمة بين حضور الدبلوماسية الايرانية في جنيف اثنين وحضور الحرس الثوري في سوريا فكرة سيئة فإن الأسوأ هو تناسي الوجود اللوجستي لحرس الثورة الايراني في الداخل السوري وإبعاد الدبلوماسية الايرانية عن مفاوضات جنيف اثنين.
قد يصح القول بأن السياسيين يقودون العسكر على ضوء تقارير وتوصيات أجهزة الاستخبارات، لكن الأصــح بالنــسبة للايرانيين هو أن السياسة تنمو من فوهة مدفع، ومن يمتلك المدفع الأقوى سيكتب رواية التاريخ، ليس هذا فقط بل سيكتبها كما يريد ووفقا لهواه طبعا..