الرئيسة \  واحة اللقاء  \  "جنيف ـ 2": الظروف والضغوط والتجاذبات

"جنيف ـ 2": الظروف والضغوط والتجاذبات

05.10.2013
د. نقولا زيدان


المستقبل
الجمعة 4/10/2013
لا بد لنا من الإقرار ضمن القراءة الموضوعية للتطورات الجارية على الصعيدين الاقليمي والدولي، أن التراجع المتزايد في حدة التوتر في الخطاب السياسي بين أميركا وإيران، والرسائل المتبادلة بين الرئيسين أوباما وروحاني الداعية إلى الايجابية وتحسين العلاقات بين الطرفين والإقرار الغربي بحقوق طهران في تخصيب اليورانيوم لحدود الـ5% وذلك للأغراض السلمية انعكس انفراجاً غير مسبوق بين الطرفين. وقد أحدث ذلك ايضاً صدمة ايجابية على علاقات إيران بالاتحاد الأوروبي، فراحت تعبر عن نفسها بتزايد الاصوات الداعية لتخفيف القيود القاسية والعقوبات الاقتصادية الغربية التي اتخذت بحقها مما أصابها بأضرار بالغة.
لقد استقبل الرئيس روحاني لدى عودته استقبال الابطال في طهران، فكل هذا الجانب الواسع من الرأي العام الايراني الرافع لشعارات "ايران لا لبنان" وما شابه ودعاة الليبرالية وإطلاق الحريات العامة وإعادة الحياة بوتيرة متسارعة وبزخم جدي للاقتصاد الايراني وإيجاد فرص جديدة للعمل أمام الشباب بل كف يد الحرس الثوري عن التدخل السافر في الحياة السياسية نزل إلى الشوارع، تقابله فلول المتشددين دعاة المشاريع العسكرية التوسعية وما أكثرها الذين عبروا عن احباطهم وسخطهم حيال الانعطاف الجديد الذي يتزعمه روحاني والاتجاه الإصلاحي الذي يسانده.
أمام التطورات الجديدة عبّر نتنياهو عن قلقه البالغ مجدداً أمام الرئيس الأميركي الذي بدا تصريحه بأن كل الخيارات الاميركية ما زالت مطروحة بما فيها الخيار العسكري، أقرب للموقف المبدأي المشتمل ضمان أميركا لأمن إسرائيل وللمجاملة منه للتحذيرات شديدة اللهجة التي عودتنا واشنطن عليها خلال العقد المنصرم. ان الرأي العام الدولي لم يعد، بما فيه إسرائيل، يأخذ على محمل الجد هذه التحذيرات. وقد ألقى تردد أوباما وتأرجحه وتراخيه حيال الأزمة السورية وتوعده بالرد العسكري الذي لم ير النور، بظلاله على السياسة الأميركية في الشرق الأوسط. ولعله من باب الموقف المبدئي وإرضاء وطمأنة للرأي العام الإسرائيلي ألقى نتنياهو كلمته الجديدة الذي توعد فيها بعمل عسكري ضد طهران ولو جاء منفرداً.
كل هذه التطورات المثيرة وهذا التبدل في الخطاب السياسي بين طهران واشنطن بل الغرب بأسره، استأثر باهتمام وسائل الاعلام العالمية والرأي العام الدولي لدرجة أن اصبح يقال في هذه الأوساط انه حجب عن الانظار موضوع ملف مجزرة السلاح الكيماوي وتورط نظام الأسد باستخدامه له ما جعل مشروع القرار الفرنسي في مجلس الأمن خالياً من تسمية بشار الأسد بالاسم كما كان يشدد لوران فابيوس في مسودته. فكان لا بد والحالة هذه من تحريك محكمة الجرائم الدولية في لاهاي وفتح ملفات 63 حالة من استخدام الأسد السلاح الكيماوي ضد المعارضة المسلحة والمناطق الخاضعة لها ابتداء من الأشهر الأولى للحرب السورية.
ثمة نوعان أو فريقان من المراقبين والمفتشين الدوليين في سوريا الآن. الأول الذي عاد للعمل لاستكمال تحقيقه ودراسته في الغوطة الشرقية وخان العسل وغيرهما باحثاً عن البراهين المادية والحسية والمزيد من الأدلة التي تقطع باستخدام السلاح الكيماوي والتي تشير باصبع الاتهام للنظام الأسدي وجيشه وبشار نفسه. والنوع الثاني والذي يتألف من حوالى عشرين خبيراً دولياً تم ارسالهم إلى دمشق للمباشرة في تنفيذ المهمة الكبرى الا وهو الوصول إلى مخازن ومعامل الاسلحة الكيماوية الموزعة على طول الأراضي السورية وعرضها، تلك التي اعلن عنها النظام الأسدي هو نفسه.
المهمة المستحيلة كما يقال تكمن صعوباتها الفنية ليس في تسلم تلك المخازن والمعامل للغازات السامة من السارين وغاز الخردل فحسب، بل في كيفية الوصول إليها والتحقق منها أيضاً بل الأكثر صعوبة هو ان بعضها إما هو في مناطق مستعرة بالقتال والمواجهة العسكرية أو أن الطرق الموصلة إليها تمر عبر مناطق ملتهبة بالقتال. وتميل أوساط الأمم المتحدة ومعها الخبراء الدوليون المكلفون التفتيش وهؤلاء لا يتعدون الـ20 ان عملية العثور على هذه المخازن والمعامل وتسلمها وتجميعها، ثم لاحقاً اتلافها عملية معقدة قد تستغرق شهوراً وصولاً إلى منتصف عام 2014، هذا بصرف النظر عن المخاطر التي قد تعوق مهمتهم "التاريخية". لا بل اخذت بعض الاوساط الدولية تشكك وهي تشير إلى تاريخ بشار الاسد في المراوغة والتلاعب والكذب، في صدقية الاسد نفسه في كشفه الفعلي عن كامل مخزونه من هذا السلاح الفتاك، وان الأسد نفسه منذ اليوم الأول للفضيحة بل قبلها بأزمان قام بتهريب بعض مخزونه إلى العراق ولبنان (حزب الله).
إلا أنّ ثمّة نشاطاً متواصلاً يدور في المقلب الآخر ألا وهو الاستعداد والتحضير لجنيف-2 المرجح عقده في منتصف تشرين الثاني (نوفمبر). فالحليف الروسي لنظام دمشق وهو الذي استساغ طعم اتفاق لافروف كيري الذي يكرس عملياً ثنائية دولية تذكرنا كثيراً بالحرب الباردة يضغط في هذا المجال باتجاهات متعددة:
ـ من المرجح أن موسكو هي التي أوعزت للأسد بالإدلاء بتصريحه في احدى المقابلات الصحفية الأخيرة بوجوب استبعاد الاتحاد الأوروبي عن المؤتمر.
ـ ترغب موسكو أيضاً بأن تتمثل المعارضة المسلحة السورية فيه بمن تصفهم بـ"الفصائل المعتدلة"، تلك الفصائل العاملة داخل الأراضي السورية. وبالفعل سارعت وسائل اعلام النظام الأسدي لتسريب معلومات تزعم ان هناك حواراً جارياً الآن بين الأسد وبعض هذه الفصائل منذ مدة قريبة. هذا ما يدفعنا للاعتقاد ان روسيا والنظام الاسدي يمنحان لنفسيهما الحق باستبعاد الائتلاف الوطني السوري وجناحه العسكري "الجيش السوري الحر" أو على الأقل الحد من تمثله في جنيف-2 أو حتى الغوص في نقاش أسماء المندوبين. وقد عبّر لافروف عن ذلك ولم نسمع حتى اللحظة رداً أميركياً على هذه الطروح. ومن المحتمل بمكان ان محادثات سرية حول هذا الشأن تدور بين لافروف وكيري.
ـ تحاول روسيا، وهي التي عززت موقفها بالانفراج النسبي في العلاقات الايرانية الأميركية، الضغط كي تحضر طهران المؤتمر العتيد مما قد يثير حفيظة الدول العربية لأن ملف سوريا شأن عربي له أبعاد دولية، فما معنى حضور مندوب دولة اقليمية غير عربية.
ـ تسعى روسيا لحذف مصير بشار الأسد من ورقة العمل في جنيف-2 خلافاً لما صدر في البيان الختامي لجنيف-1 (30 حزيران 2012)، والذي نص على حكومة سورية انتقالية. وقد عبّر وليد المعلم نائب الأسد للشؤون الخارجية أمام الجمعية العامة بالقول ان مصير الأسد يحدده الدستور السوري وليس جنيف-2.
كي ندرك بوضوح المشهد الممهد لجنيف-2، علينا أن نأخذ بالاعتبار عناصر عدة في آن معاً: المراقبين الذين يتابعون دراسة نتائج استخدام الكيماوي العينية، الخبراء الذين وصلوا إلى سوريا لتسلم المخزون الكيماوي ومعامله، المدة الزمنية التي قد تستغرقها نتائج أبحاث المراقبين وتلك التي يتطلبها التسلم والنقل والاتلاف، ظروف انعقاد جنيف-2 والدول التي تتمثل فيه، النتائج التي سيفضي اليها: هل تكون حاسمة أم ثمة امكانية واحتمال لتعليق أعماله حتى يتم انعقاده في وقت لاحق؟
هذا ما سوف نشهده في الأسابيع المقبلة.