الرئيسة \  واحة اللقاء  \  "جنيف ـ 2" المهدّد بالتأجيل أو الإلغاء

"جنيف ـ 2" المهدّد بالتأجيل أو الإلغاء

27.10.2013
د. نقولا زيدان



المستقبل
السبت 26/10/2013
لأن الشعب السوري بذل حتى اللحظة وقدّم 120 ألف شهيد، و225 ألف معتقل وأكثر من 4 ملايين نازح ومشرّد، وعشرات ألوف المدن والبلدات والقرى والدساكر التي تعرضت للتدمير المبرمج، ولإعادة التدمير. فالحقول تصحرت والكروم يبست وأشجار الزيتون جرى احراقها والمحاصيل أتلفت. وسوريا البلد الزراعي الأول في المنطقة أصبح بحاجة لمساعدات غذائية. إن إهراء روما التي بكاها هرقل امبراطور بيزنطية بعد هزيمته في اليرموك لم تعد تقدم الحنطة والحبوب حتى لأهلها الآن. إن الجوع يضرب سوريا الآن فهل يسمع المجتمع الدولي ويرى أم لا؟
على امتداد سنتين ونصف من الحرب المدمرة التي استخدم فيها النظام الأسدي كل ما أوتي من أنواع الأسلحة والتدمير وأمعن في شعبه قتلاً وذبحاً وحرقاً وتدميراً وتهجيراً، والرأي العام العالمي يتفرج أو يعقد الاجتماعات الصورية التي تنفض عن نتائج ضحلة. وكأن الحرب السورية يجب أن تستمر لتشهد الدنيا كلها مأساة العصر. ويدير بشار الأسد علاوة على بربرية بطشه الدموي سياسة الممانعة والمراوغة والنفاق والتلاعب والتهرب والتملص، بل استجرار واستدعاء الارهابيين القتلة المحترفين ليحول سوريا الى بؤرة للارهاب فيجري طعن المعارضة المسلحة في ظهورها لتفكيك أوصالها وشرذمة صفوفها (الجيش السوري الحر). لا بل يستدعي حلفاءه الايرانيين من الشرق (الحرس الثوري الايراني، لواء أبو الفضل العباس) ومن لبنان (مقاتلي حزب الله) وما هبّ ودبّ من أنصار الطروحات المذهبية السوداء، في وقت لا تتوقف الامدادات الروسية والايرانية عن تزويده بفائض هائل من الأسلحة والذخائر. بل وصل به الأمر الى استخدام السلاح الكيماوي تدريجياً من خان العسل وصولاً الى فاجعة الغوطة الشرقية (1430 قتيلاً في لحظات ليل 20 21 أيلول 2013.
أكفهر الجو الدولي وبدا التدخل العسكري الأممي وشيكاً، فأصبح في مأزق داهم رغماً عن التردد والتخبط الذي اعترى دول الغرب التي قررت ضرب نظامه الدموي، فكان اتفاق كيري لافروف: أن يعمد الأسد لتسليم مخزونه من السلاح الكيماوي طوعاً وأن يصار لعقد مؤتمر جنيف 2 بأقصى سرعة ممكنة.
لقد كانت قرارات جنيف1 حاسمة ألا وهي تنحي الأسد وتسليم كامل صلاحياته لحكومة مؤقتة انتقالية (30 حزيران 2012). والآن يجري السباق المحموم لعقد جنيف2.
تعالوا نقرأ معاً، وهذا من حق الرأي العام السوري والعربي، ما الذي يجري اعداده لعقد جنيف2 الذي تتطلع اليه كل الدوائر وجميع عواصم القرار والدول المعنية وبالأخص الدول المحيطة بسوريا، وأهم من هؤلاء جميعاً الشعب السوري:
نص البيان الختامي لجنيف1 على وجوب تشكيل حكومة سورية انتقالية تنتقل اليها صلاحيات الرئيس الأسد وتكون صلاحياتها كاملة. ما يعني ضمناً وجوب تنحيه عن السلطة. بل تضمن البيان صراحة كلاماً واضحاً عن "مرحلة ما بعد الأسد".
إلا أن الاتصالات التي جرت بين طهران وموسكو ثم الوفود والمبعوثين الذين أرسلتهم دمشق الى الكرملين أدت الى صدور تصريحات عن وزير خارجية روسيا "لافروف" بل "بوتين" نفسه تشكك بالعبارة التي صدرت يومها عن هيلاري كلينتون وزيرة خارجية الولايات المتحدة وكأن لدى الروس تصوراً ما لإمكانية قيام حكومة انتقالية في سوريا مع بقاء الأسد في سدة الرئاسة.
وقد ظل اللغط والتأويل يدور حول هذه المسألة طيلة الفترة السابقة حتى وضع حداً عملياً لها اتفاق كيري لافروف في جنيف مؤخراً بعد فاجعة الغوطة الشرقية واحتمال توجيه ضربة عسكرية أميركية لسوريا.
بدا الاتفاق الأميركي الروسي واضحاً بوجوب تسليم الأسد مخزون سلاحه الكيماوي الى الأمم المتحدة فجرى على وجه السرعة تشكيل فريق من الخبراء الدوليين برئاسة البريغادير "مالسروم" النرويجي الذي جاء الى سوريا وباشر مهامه.
في آن معاً بدأ العمل على اعداد جنيف2، حيث أوكل للمبعوث الدولي الأخضر الابراهيمي الاعداد للمؤتمر.
بعد تأرجح دام بعض الوقت وافقت دمشق رسمياً على حضور المؤتمر. إلا أنه ما لبث نائب الأسد للشؤون الخارجية وليد المعلم أن أدلى بتصريح يقول فيه، "إن الذي يحدد مصير الأسد ليس جنيف2 بل الدستور السوري".
بالرغم من تحفظاته حيال هذا التصريح كان جواب الائتلاف الوطني السوري بالموافقة المشروطة على حضور هذا المؤتمر على خلفية تمثيله المعارضة السورية كلها هناك.
في آن معاً، وأثناء انعقاد الدورة العادية للجمعية العمومية للأمم المتحدة، فوجئ العالم بالخطاب الودي الملاين حيال السياسة الأميركية من قبل الرئيس روحاني الذي قوبل باتصال مباشر من الرئيس أوباما به. تبعته مباشرة جلسات جانبية بين وزير خارجية ايران "ظريف" ووزراء خارجية الدول الخمس زائد واحد (ألمانيا) حيث جرى الاتفاق على مساع مشتركة دولية ايرانية لحل المشكلة النووية الايرانية.
صدرت تصريحات غربية عدة بوجوب تخفيف العقوبات الاقتصادية عن ايران في حال أبدت سلوكاً عملياً يسهل حل مشكلات مفاعلاتها النووية.
صدرت عن طهران مواقف ايجابية تتضمن موافقتها على السماح لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة النووية (AIEA) بالقيام بزيارات تفتيش مفاجئة لمفاعلاتها النووية في الوقت الذي قبلت فيه طهران بإبقاء تخصيبها لليورانيوم بنسبة أدنى من 20 بالمئة، لكنها أرفقته بموجب إبقاء مخزونها لليورانيوم على أرضها ورفضها ايداعه خارج بلادها.
إن خطف الأضواء والاهتمام من قبل النظام الايراني والمحادثات المتواصلة بين طهران والاتحاد الأوروبي وأميركا قد حجب عملياً المساعي المبذولة لعقد جنيف2. وقد برز تطور لافت من قبل روسيا بوجوب حضور طهران المؤتمر المذكور. وقد عزز ترحيب الأخضر الابراهيمي هذا الاقتراح. إلا أنه أثار حفيظة المعارضة السورية التي اعتبرت النظام الايراني طرفاً ضالعاً في الصراع العسكري الدائر على أرض سوريا فهي والحالة هذه ليست طرفاً محايداً، فرفضت حضورها فيه.
من أجل اضعاف موقف المعارضة السورية، وأمام التطورات المريبة الجارية في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة من صدامات مسلحة بين "داعش" و"النصرة" وبينهما وبين قوات الجيش السوري الحر كان تصريح لافروف بوجوب أن تتمثل المعارضة المعتدلة وحدها في المؤتمر.
أعلن المجلس الوطني السوري رفضه حضور جنيف2 وهو العمود الفقري للمعارضة ما أفقد الائتلاف كثيراً من صدقية تمثيله المعارضة في المؤتمر.
شنت قوات النظام السوري بالتآزر مع لواء الفضل بن عباس ومقاتلي حزب الله هجومات ضارية على معضمية الشام والغوطتين ومعاقل أخرى للمعارضة في درعا. والهدف الرئيسي من هذا هو اضعاف المعارضة المسلحة الرسمية (الجيش السوري الحر) لتصل بشق النفس لتتمثل في المؤتمر العتيد.
حيال هذا الوضع المربك والتجاذبات البالغة حدودها القصوى في التحضير لجنيف2 وجه بشار الأسد ضربته اليائسة لإجهاض المؤتمر فصرح منذ يومين لإحدى محطات التلفزة انه عازم على ترشيح نفسه لتجديد ولايته ابتداء من صيف 2014.
أثار تصريح الأسد هذا ردة فعل حادة لدى جميع الأوساط المعنية بالمؤتمر.
فالأخضر الابراهيمي أصيبت جولته المكوكية بضربة قاسية. وتوالت المواقف المستنكرة من قبل الائتلاف الوطني السوري، وزير خارجية أميركا كيري الذي صرح أن الاعلان عن نوايا الأسد استمراره في الحكم هو استمرار للحرب في سوريا. ثم أعقب كيري تصريحه هذا بالقول ان حل مشكلة السلاح الكيماوي السوري لا ينهي المأساة السورية المستمرة. كما أعقبه وزير خارجية بريطانيا بالتأكيد أنه لا يمكن القبول بأن يكون الأسد جزءاً من أي حل للأزمة السورية. أما المندوب السعودي في مجلس الأمن فقد ألقى رسالة قوية في كلمته للمجتمع الدولي وبالأخص في قوله: إن النظام الأسدي يحاول تغطية إصراره على استمرار المذبحة السورية باتلاف مخزونه من السلاح الكيمياوي.
إن المعطيات المتوفرة وجميع المؤشرات المؤثرة لتدلّ أن مؤتمر جنيف 2 قد أصبح عملياً مهدداً بالتأجيل والإرجاء بل بالإلغاء. فأمام المجتمع الدولي خيار واحد لا ثانٍ له: تنحية الأسد شرط ضروري وملزم لنجاحه. والأيام المقبلة ستكون حاسمة في هذا الشأن.