الرئيسة \  واحة اللقاء  \  "جنيف ـ 2".. ترتيبات الساعات الأخيرة

"جنيف ـ 2".. ترتيبات الساعات الأخيرة

21.01.2014
د. نقولا زيدان


المستقبل
الاثنين 20/1/2014
لعل أهم ما صدر عن لقاء الدول الإحدى عشر في باريس منذ أيام أو مؤتمر أصدقاء الشعب السوري، هو ما جاء على لسان "لوران فابيوس" وزير خارجية فرنسا ما ملخصه "أن الخيار الذي حاول بشار وضع المجتمع الدولي أمامه وهو: إما النظام الأسدي وإما الإرهاب أمر مرفوض، ذلك أن الإرهاب في سوريا هو من صنع النظام نفسه، لذا يجب التخلّص من الإثنين معاً"، هذا ما أعطى دفعاً قوياً لوفد الائتلاف الوطني السوري إذ أعقب كلام "فابيوس" تصريح أحمد الجربا رئيس الائتلاف بقوله: "لا مكان للأسد أو أحد من عائلته في مستقبل سوريا". واللافت أن وزير خارجية أميركا لم يحاول قط التعليق على هذين التصريحين، لا بل لاحظ المراقبون أن مؤتمر باريس بالمقارنة مع مؤتمر لندن الأخير لهذه الدول نفسها جاء متقدماً عليه بكثير، في الوقت الذي عمدت فيه أبواق النظام للعودة الى المعزوفة الاستفزازية ذاتها بأن بشار يعتزم ترشيح نفسه لولاية ثالثة متظاهراً بالاستخفاف المسبق بما يرجح صدوره عن مؤتمر جنيف2 والذي أكد عليه "بان كي مون" بأن المخرج الوحيد للأزمة السورية هو الحل السياسي الذي يقضي بتشكيل حكومة انتقالية كاملة الصلاحيات مشيراً في الوقت نفسه الى البيان الصادر من جنيف1 والذي يشكّل الأساس والمنطلق للمؤتمر الوشيك.
ما نفهمه بالضبط من هذه التصريحات رسالة قوية موجهة بالفم الملآن لطرفين أساسيين معنيين بالأزمة السورية: روسيا المعنية مباشرة باتفاق كيري لافروف الذي ساهم بفعالية لا يمكن تجاهلها بتجنيب الأسد ضربة عسكرية أميركية رداً على لجوئه لاستعمال السلاح الكيماوي في الغوطة الشرقية في آب (أغسطس) الماضي، وإيران المتورطة كلياً في النزاع المسلح الدائر في سوريا سواء كان ذلك مباشرة أو عن طريق استقدام حلفائها الميليشيويين العراقيين واللبنانيين الى أرض المعركة، وتحاول طهران احتلال مقعد لها في جنيف2 من دون اعتراضها العلني ببيان جنيف1 ما يشكل عائقاً أمام اكتمال العناصر الضرورية لانطلاق أعمال المؤتمر العتيد، في المرحلة الأولى ونجاحه كمرحلة لاحقة.
إن الإنجازات العسكرية المهمة التي حققها الجيش السوري الحر في ضرب قواعد "داعش" في شمال سوريا من حلب الى إدلب، حيث ظهرت للعيان الآثار الإجرامية التي خلّفها وراءه التنظيم البربري المدحور وهو الذراع الوحشية الأخرى للنظام الأسدي، تشكل ورقة ثمينة بيد الثورة الشعبية السورية. أضف إليها انضمام فصائل الجبهة الإسلامية لمساندة الجيش السوري الحر في محاصرة "داعش" واستئصالها. هذا ما يجعل المعارضة السورية المسلحة تدخل أروقة جنيف2 بقوة وبأس لمواجهة الوفد الأسدي الذي استمات ليظهر نفسه أمام المجتمع الدولي بمظهر المنتصر الذي استتبت له الأوضاع. هذا في الوقت الذي تراجعت فيه هجمات حزب الله وحلفاء إيران الآخرين، فهذا الشأن أمر مسلّم به وطبيعي ما دامت القيادة الإيرانية ليست منقسمة على نفسها فحسب حول أسلوب التعاطي مع مرحلة ما بعد الاتفاق النووي، بل حول المفاوضات التي ستدور في جنيف2. ولعل خفوت النبرة العالية في الخطاب السياسي الذي عوّدنا عليه حزب الله هو البرهان الآخر على هذا التشقق الداخلي الإيراني. فالسؤال المطروح الآن عشية جنيف2 هو الآتي: إذا كان الحرس الثوري الإيراني يعتقد أنه بتصلّبه يصلح للقتال الى جانب النظام الأسدي، فإن هذا التصلب لا يصلح بتاتاً للمفاوضات والتعاطي مع وفود الدول داخل أروقة المؤتمر.
إلا أننا نستدرك هنا ما سجّلناه من إيجابيات لمصلحة الثورة السورية لنقرأ بموضوعية ومسؤولية المخاطر التي قد تتعرض لها الثورة داخل المؤتمر ذلك أن الإنجازات العسكرية على أرض المعركة لا تحتّم بالضرورة كسب المفاوضات. إن تاريخ البشرية يزخر بأمثلة من هذا القبيل وبالأخص على صعيد العالم الثالث.
لم ندخل بعد الى جنيف2 حتى عادت رسائل دعاية إعلام الأسد وحلفائه الى سابق أساليبها في التضليل والمراوغة والتلاعب كالتحدث عن دور ما للأسد "في المساعد على إنجاح مهمة الحكومة الإنتقالية" أو "المشاركة فيها"، وكذلك ترديد معزوفة "أطراف المعارضة المشاركة في جنيف2" (أطراف بالجمع). ويظهر الائتلاف الوطني السوري مرونة كبيرة عندما تحدث عن أن ثمة مائة شخصية سورية لم تتلوّث أيديها بدماء الشعب السوري مؤهلة وقادرة على الانضمام الى الحكومة الانتقالية في مرحلة ما بعد الأسد.
أمام تصميم المجتمع الدولي في عقد جنيف2 في موعده، يحاول النظام الأسدي لعب أوراقه الأخيرة قبل بدء اعماله بالتصريح مجدداً انه يرفض "اية شروط مسبقة" قبل انعقاده، ومن الواضح بمكان ان الشروط المسبقة تعني بالنسبة لبشار الأسد وجوب تنحيه وتقبوله مكرهاً او طوعا ببيان جنيف: الذي نص صراحة على ذلك. وفي الاطار نفسه يصرح محمد جواد ظريف وزير خارجية طهران ان الشروط المسبقة لا تساعد في نجاح المؤقر العتيد، فهل هذا يعني بالنسبة اليه ضرورة موافقة ايران على بيان مبين المسبق الذي نص على رحيل الأسد كشرط لا مناص منه لقبول انضمامها الى المؤتمر، أو محاولة ايرانية للتخلص في هذا التعهد، وذلك لطمأنة الأسد بأن النظام الايراني ما زال يعني حتى الساحة الى جانبه من جهة ومن جهة أخرى تهدئة العلاقات الداخلية مع الحرس الثوري الايراني وصقور التصلب في طهران.
لقد جاء ظريف الى لبنان كداعية تعقل ومرونة وعودة للعقل والرزانة وكلها نصائح موجهة لحزب الله عله بالامكان تشكيل حكومة في بلد بلا حكومة منذ 9 اشهر او بحكومتين اثنتين، فكيف السبيل الى تشكيل حكومة تضم وزراء من حزب ما زال متورطا في القتال في سوريا حتى الآن؟ لقد اصبح جليا وواضحا ان حزب الله وحلفاؤه يسعون ما اوتوا لنسف اتفاق التكاتف وما الدعوة الى مؤتمر تأسيسي من قبله الا من اجل تطبيق المثالثة كدستور جديد بديل عن اتفاق الطائف ومحاولة لتقليص صلاحيات رئيس الحكومة ونقلها الى مجلس النواب وبالمقابل محاولة تحرير رئيس جديد للجمهورية ويتلقى تعليماته من حزب الله. ان السيد "ظريف" يحث اللبنانيين على تشكيل حكومة الربع ساعة الأخيرة عندنا لنكون جاهزين لحضور جنيف2، فهل ستعود مرة أخرى حقيبة وزارة الخارجية الى قوى 8 آذار كما درجت العادة في الآونة الاخيرة، بل قبل كل ذلك هل سترد هذه القوى ايجابا على الأسئلة الخمسة التي وجهها تيار المستقبل الى حزب الله وشركاه؟ هذا ما سوف تشهده في غضون الأيام القليلة الباقية التي تفصلنا عن جنيف2.