الرئيسة \  واحة اللقاء  \  "جنيف ـ2" إلى موسم الأعياد؟

"جنيف ـ2" إلى موسم الأعياد؟

10.11.2013
د. نقولا زيدان


المستقبل
السبت 9/11/2013
عندما فتحت مراسلات الزعيم الفيتنامي التاريخي هو شي من (1890-1969) بعد مرور سنة على وفاته، فوجئت القيادة الفيتنامية الجديدة، بعدم العثور إطلاقاً في رسائله الى الرؤساء الأميركيين الذين تعاقبوا على البيت الأبيض خلال الحرب التي قادتها أميركا على فيتنام، على أي أسرار أو مفاجئات مثيرة قط. بكل بساطة كانت كلها تحتوي على عبارة واحدة كان "العم هو" يوجهها إليهم باستمرار: "طالما جيشكم في فيتنام فإننا سوف نقاتلكم بلا هوادة حتى خروجكم منها...".
إن المعنى العميق والبسيط في آن معاً لما نقول أن المسائل المبدئية في تاريخ الشعوب، خصوصاً في مخاضها العسير وكفاحها من أجل الانعتاق والتحرر هي مبدئية جوهرية ولا تحتمل أي مساومات انتهازية تمس جوهر الصراع القائم وكُنه القضية المركزية، فهي واحدة جوهرية غير قابلة للتجزئة ولا للاستلاب وتواجه المعارضة الثورية السورية في اللحظة التاريخية الراهنة وضعاً مشابهاً، في الوقت الذي يجري التحضير فيه والإعداد لمؤتمر جنيف2 الذي ستطرح فيه الأزمة السورية وصولاً الى حل سياسي لها. إلا أنه بين الهدف المنشود والمعطيات المتوفرة الراهنة، ثمة مصاعب عصية يجب تجاوزها والتغلب عليها. فالمشكلة الرئيسة ترتبط بالتركيب البنيوي للثورة السورية نفسها، ليس لجهة تعدد الفصائل المسلحة ولا القوى المحاربة فحسب، بل لغياب القيادة التاريخية لهذه الثورة، تلك القيادة المجربة التي تملك، سواء في الداخل السوري أو في الخارج، تاريخاً نضالياً مديداً طويلاً في الكفاح النظري والسياسي والعملاني في آن معاً، هذه القيادة التي انتزعت ثقة الجماهير على امتداد عقود من الحكم الأسدي الفردي وأدواته العسكرية والقمعية، ذلك أن قيادة ثورية تاريخية من هذا القبيل لو توفرت لكان بمقدورها حسب مسألة تعدد الفصائل والقوى وحضّها على وضع تلاوين وتباينات أطيافها المكونة جانباً لتصطف وراء جبهة تحرير وطنية موحدة. فالذي تم ضمن هذا الفهم وهذا السياق التاريخي، ومع بدايات التظاهرات المطلبية في درعا منذ سنتين ونصف التي قوبلت بالرصاص والمدافع، هو وضع "عربة الثورة" أمام الحصان الذي انبرى لقيادتها. كنا بحاجة لبرنامج مرحلي واضح، وتصوّر مستشرف واضح الرؤيا لمجموعة التحالفات الخارجية والداخلية في آن معاً لرسم معالم الطريق الشاق المثخن بالدماء والدماء والتضحيات التي سنسلكها، بل مجموعة التكتيكات الضرورية لإنجاح هذا البرنامج.
أضف الى ذلك خصوصية الوضع السوري لجهة تعدد الديانات والمذاهب والأثنيات بل اللغات واللهجات المحكية المكونة للشعب السوري في مواجهة سلطة ديكتاتورية دموية لها باع طويل في إنشاء القوات الخاصة وسرايا الدفاع والحرس الجمهوري وعدد غفير من أجهزة الأمن والمراقبة والتقصي والتنصت والاستطلاع. ولا يجوز أن ننسى قط حزب البعث المتداخل كلياً مع أجهزة المخابرات. فالنظام الأسدي قد عمل طويلاً منذ انقلاب 1970 للتمكين لنفسه عن طريق الترويج والدعاية والتحريض وإذكاء روح الريبة والخوف لدى الأقليات، فأصبح يتملكها إحساس عميق بالشعور بالخطر والتهديد من قبل الآخرين. وإلا كيف نفسر والحالة هذه في ظل حالة سائدة من الفساد والصفقات المريبة والإثراء السريع، تحكم عائلة واحدة وأسرة واحدة وأنسبائها وأقربائها بمقاليد الدولة ومقدرات البلاد.
لقد نهش النظام الأسدي الحاكم روح الاعتراض والممانعة والرفض عند الشعب السوري، فأصبحت الفسح والفرص والحيَن المتاحة أمام القوى الديموقراطية والحس الشعبي العفوي بالخلل والأعطال وتردي الأوضاع غير متوفرة كفاية للإعداد لحركة ثورية أولية بمقدورها التعاطي بكثير من الدراية والحكمة والتكيّف مع مجموعة أطياف الشعب السوري ومكوّناته الفريدة لإطلاق حركة تمرد شعبية عارمة وصولاً الى إسقاط النظام بالعنف والقوة المسلحة.
وقد لعب الجوار العربي، بل الوضعان الإقليمي والدولي، دوراً سلبياً للحؤول دون وصول الثورة السورية الى أهدافها العادلة والطبيعية. فالاصطفاف العربي لدعم الثورة بالمال والسلاح لم يكن متجانساً بل متفاوتاً تبعاً لخصوصية أوضاع كل من تلك الأنظمة ولرؤيته هو لمستقبل الثورة السورية. فالموقف السعودي الثابت وعلى الأصعدة كافة من الثورة السورية، قابلته مواقف عربية أقل ثباتاً وجرأة. وقد تميّز الموقف العراقي، بعد أن أصبح أشبه بمحمية إيرانية أميركية بتورط كلي بمساندة النظام الأسدي لوجستياً على وجه الخصوص. أما مصر فكانت في شغل شاغل بعد ثورة كانون الثاني/ يناير 2011، وما كان من أمر وصول الأخوان المسلمين الى السلطة والإطاحة بمرسي في 3 تموز/ يوليو 2013، وكان أكثرهما ردائة موقف لبنان المتخبط في قبضة حليف النظام الأسدي، حزب الله.
أمام الخطر الماثل ونهوض الحركة الشعبية الكبير، أدرك النظام الأسدي خطورة المرحلة، فاستدعى حليفيه الروسي والإيراني ليمدانه بدعم مطلق بالسلاح والذخيرة والمعدات، وبدعم ديبلوماسي كبير في المجتمع الدولي كانت تجلياته تعطيل الروس والصينيين لقرارات مجلس الأمن الدولي.
انتهت معركة الكيماوي لتبدأ معركة الإعداد لجنيف2، هذا في الوقت الذي يستمر النظام الأسدي بحربه الضارية في الداخل (150 ألف قتيل، 225 ألف معتقل، مليونان و500 ألف نازح الى الخارج، 9 ملايين سوري في الداخل إما محاصرون حتى الموت جوعاً أو مشرّدون يلجأون الى الأرياف والطرقات والجسور والكهوف للبقاء على قيد الحياة).
ماذا يريد جنيف2 من سوريا الآن؟ نظاماً ومعارضة على حد سواء. أصبح جلياً أن الأسد ما زال مصراً على البقاء في السلطة، فجميع مقابلاته وتصريحاته توضع في هذا الاتجاه (اعتزامه تجديد ولايته في صيف 2014، تمسكه بدستوره الأسدي، تصريحات وليد المعلم، حركة قدري جميل الالتفافية، تصريحات الأخضر الإبراهيمي المتناقضة الملتبسة نفسها...). فإما جنيف2 لمصلحته وإما لا جنيف2 على الإطلاق. ويدخل في هذا الإطار اشتداد حدة المعارك والمشاركة السافرة للحرس الثوري الإيراني وحزب الله لاسترداد بعض المواقع الاستراتيجية.:
ـ الأسد يريد لوفده أن يدخل جنيف2 قوياً لفرض شروطه هناك.
ـ أما المعارضة السورية فهي ترفض رفضاً قاطعاً بقاء الأسد في السلطة وتتمسك ببيان جنيف2 وبيان لندن الأخير: وجوب تشكيل حكومة انتقالية كاملة الصلاحيات.
ـ ترفض أي مشاركة لإيران في المؤتمر.
ـ تطلب ضمانات عربية ودولية لتنفيذ هذه البنود وتسعى لانتزاع موقف عربي موحّد من المؤتمر.
ـ لا تمانع بمشاركة بعض رموز معارضة الداخل.
يتلخص الموقف الدولي الذي تحتل فيه الأزمة السورية والدعوة لجنيف2 اهتماماً بارزاً باستمرار سريان مفعول اتفاق لافروف كيري الداعي بقوة لضرورة عقده قبل نهاية العام الجاري. وفي هذا الصدد يحاول وزير خارجية أميركا تذليل العقبات التي تحول دون انعقاده في موعدة التقريبي، فهو يقوم بجولة إقليمية سريعة على دول المنطقة والتي تشكو في غالبيتها من تأرجح سياسة الرئيس أوباما وترديها. ففي الغرب يسود انطباع عام مفاده أن سياسته الداخلية قد أصابت بعض النجاح لكنها فشلت كثيراً على المستوى الدولي ابتداء من موقفه المتأرجح من تسليح جدي للمعارضة السورية ومروراً بتراجعه عن توجيه ضربة عسكرية للنظام السوري بل مروراً أيضاً بتقليص المساعدات العسكرية لمصر بعد الإطاحة بحكم الأخوان، واعتراء الفتور علاقات أميركا بالمملكة السعودية وانتهاء بأزمة التنصّت على اتصالات قادة حلفائه الأوروبيين وزعمائها البارزين. وتعمل الإدارة الأميركية على إنجاز سريع للملف النووي الإيراني الذي يقترب بسرعة من خاتمة إيجابية. ولا تمانع أميركا بحضور إيران جنيف2 مما يثير حفيظة الدول العربية وعلى رأسها المملكة السعودية التي يؤرقها تعاظم نفوذ طهران في منطقة الخليج. وتأتي تصريحات وزير خارجية إيران "ظريف" بالحديث عن استعدادها للضغط على حلفائها المتورطين في الحرب الدائرة في سوريا للانسحاب بمثابة لفتة طيبة حيال مواقف واشنطن.
أما موسكو فمن الطريف القول عنها أنها في الوقت الذي ما زالت تتمسك بمواقفها المعلنة برفض الضغط على الأسد للتنحي، فإنها منشغلة بجني ثمار أخطاء السياسة الأميركية في المنطقة من قبيل استعدادها لبيع مصر صفقة أسلحة متطورة، كما أنها تنظر بعين الرضا لمواقف وتصريحات الإبراهيمي الممالئة للأسد وتمسكه بحضور إيران جنيف2، وبالأخص تلك المتعلقة بضرورة حضوره من دون شروط مسبقة.
بقي أن نشير أنه منذ أيام معدودات هبط في جنيف فريق أميركي من الخبراء الأمنيين والإداريين لملاقاة نظرائهم الروس في الإجراءات والترتيبات الضرورية لعقد المؤتمر الذي قد يتأخر بعض الوقت ريثما تلين بعض المواقف السورية بفعل الضغوط الأميركية والعربية.