الرئيسة \  واحة اللقاء  \  "جنيف ـ2" وحديث "الثوابت" في زمن المتغيّرات

"جنيف ـ2" وحديث "الثوابت" في زمن المتغيّرات

24.10.2013
د. عبدالله تركماني


المستقبل
الاربعاء 23/10/2013
يبدو أنّ الحلول الأمنية والعسكرية في سوريا مقفلة ومن الصعب التوصل عبرها إلى حل ما سوى الدولة الفاشلة التي تتنازعها الجماعات المسلحة، مما يفرض ضرورة الولوج إلى حل سياسي تدار آلياته تحت إشراف وضمانات الأمم المتحدة، لإنشاء إطار تفاوضي للتوصل إلى حل داخل سوريا، وهو فرصة لتجنيب السوريين مزيداً من الدماء. ومن هنا فإنّ رفض جنيف 2 يعطي سلطة الأمر الواقع الفرصة للهروب إلى الأمام وتحقيق مكاسب ديبلوماسية ثم توظيفها سياسياً وعسكرياً لمحاصرة الثورة.
ومن أجل الوصول إلى الحل الذي يستجيب لمطامح الشعب السوري في الحرية والكرامة يجدر بوفد المعارضة السورية إلى مفاوضات جنيف 2 معرفة أهداف وفد السلطة إلى المفاوضات، من أجل ترويضها وتذليلها لتتناسب مع طموحات الشعب السوري، من خلال عرض وتبادل وتقريب وتكييف وجهات النظر واستخدام كافة أساليب الإقناع والضغط الإقليمي والدولي للحفاظ على المصالح العليا للدولة السورية. وفي هذا السياق يجب أن لا ننسى أنّ أطراف التفاوض ليسوا فقط الأطراف المباشرة للعملية التفاوضية، وإنما هناك أطراف غير مباشرة تلعب دوراً من وراء الكواليس، وهي قوى الضغط، المحلية والإقليمية والدولية، التي لها مصلحة في توجيه الأطراف التفاوضية المباشرة.
ومن أجل الوصول إلى الحل المنشود نقترح للمفاوضين من المعارضة خريطة الطريق التالية:
(1) - إدراج القضية السورية في إطار الموجة العالمية الرابعة للدمقرطة، بهدف الاستقواء بالتوجهات العامة للمجتمع الدولي، وقطع الطريق على وسم الثورة السورية بالتطرف والإرهاب.
(2) - الأداء التفاوضي هو محصلة لعامل القدرة أساساً، ويمكن تحقيق القدرة التفاوضية من خلال حسن الاختيار للمفاوضين ممن تتوفر فيهم القدرات والخصائص والمؤهلات. كما ترتبط القوة التفاوضية بعدة جوانب تبدأ أهمها بحدود أو مدى السلطة والتفويض الذي تم منحه للمفاوضين وإطار الحركة المسموح لهم بالسير فيه وعدم تعديه أو اختراقه. وإزاء تسابق الأطراف المختلفة للمعارضة لتمثيل الشعب السوري في المفاوضات القادمة يجدر الاعتراف بأنّ الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، الذي نال الاعتراف من الجمعية العامة للأمم المتحدة، هو المظلة للوفد المفاوض الذاهب إلى جنيف 2.
(3) - يجب أن تكون أسس التفاوض مكتوبة ومعلنة لكافة عناصر الفريق المفاوض، حتى يكون كل منهم على بينة من الأمر واعياً لحدود الحركة واتجاهاتها، وإن كان يحق لرئيس فريق التفاوض وضع حدود أدنى من التي وضعت للفريق لكي يتحرك بحدود مرحلية وفقاً لما يراه من تطورات أو اتجاهات لفريق السلطة.
(4) باعتبار أنّ أية عملية تفاوضية لا تتم في إطار من عدم المعرفة، فإنّ أي مفاوض ناجح يحتاج الى توافر كم مناسب من البيانات والمعلومات، وتعد المعلومات جانباً أساسياً وهاماً يعتمد عليه الحوار التفاوضي لتحقيق الهدف في الجولات التفاوضية. والحد الأدنى للمعلومات التي يجب توافرها للقيام بعملية تفاوض ناجحة هي في الإجابة عن الأسئلة التالية: من نحن، من هو الخصم، ماذا نريد، كيف نستطيع تحقيق ما نريد، هل يمكن تحقيق الذي نريده دفعة واحدة أم على مراحل، وما هي الأهداف المرحلية وكيفية تحقيقها، ما الذي نحتاجه من دعم وأدوات ووسائل وأفراد للوصول إلى تلك الأهداف ؟
وبناء على هذه المعلومات يتم وضع برنامج زمني للتفاوض محدد المهام ومحدد الأهداف وتتاح له الإمكانيات وتوفر له الموارد، ووفقاً لذلك يتم متابعة العملية التفاوضية والتأكد باستمرار من أنّ المفاوضات تسير في الطريق السليم المرسوم لها.
(5) - لا بد من وجود أمانة تقوم بالتنسيق بين أعضاء الوفد المفاوض من سياسيين وتقنيين، تقوم بحساب درجة الترابط والتفاعل بين كل القضايا المطروحة على طاولة المفاوضات. وباعتبار أنّ الثورة السورية لا تستجدي التغيير يجب أن يكون وفد المعارضة المفاوض محاطاً بمجموعة من القانونيين والحكماء والإعلاميين، وخاصة من أولئك الديبلوماسيين السوريين المنشقين العارفين بفن وعلم التفاوض.
(6) يجب الحصول على ضمانات من القوى الكبرى، من خلال مذكرة اتفاق تحدد آلية التفاوض وبناء الثقة بين الطرفين، على قاعدة تفعيل البنود الستة لـ " جنيف 1 " والتي طرحها المبعوث الدولي السابق كوفي أنان، وبأنّ رأس النظام وأركان نظامه والأيدي الملطخة بدماء السوريين لن يكون لهم دور في المرحلة الانتقالية، على أن يطرح الوفد المفاوض هذه المطالب في كلمته الافتتاحية. كما يجب ضمان أنّ المفاوضين من طرف سلطة الأمر الواقع مفوضون تفويضاً كاملاً وملزماً، والتأكيد بوضوح على أنّ الحكومة الانتقالية التي ستنبثق عن المفاوضات حكومة كاملة الصلاحيات. ومن أجل تحقيق ذلك ينبغي: توافر ضمانات أنّ رأس النظام ليس جزءاً من الحل، وتشكيل حكومة انتقالية كاملة الصلاحيات تشمل كل الوزارات، وجدول زمني محدد لعملية جنيف 2، وصدور نتائج المؤتمر بقرار دولي ملزم.
(7) - لعل أكبر إشكالية في المفاوضات القادمة هي القناعة الخاطئة أنّ التفاوض يجب أن يفضي إلى أن يفوز طرف بكل شيء ويخسر الطرف الآخر، وأنه لا توجد أرض مشتركة يستطيع الجميع الوقوف عليها. مع العلم أنّ أفضل الاتفاقيات هي تلك التي تحتوي على أفكار ومعطيات من الطرفين لا طرف واحد فقط، كي يتحول التفاوض من عملية تحاور إلى واقع تنفيذي يثمر إلى نتائج ملموسة، تؤدي إلى الانتقال من الاستبداد إلى الديمقراطية. ومن أجل ذلك لا بد لمفاوضي المعارضة من تحديد الأولويات لا المشاعر، بمعنى تكييف ثوابت الثورة مع تغيّرات موازين القوى المحلية والإقليمية والدولية.
(8) - الحكومة الانتقالية ينبغي أن تكون سلطة تنفيذية بصلاحيات كاملة، أي أن تحصل على كل السلطات من الأسد.
ومن المؤكد أنّ انعقاد مؤتمر جنيف 2 لا يعني على الإطلاق أنّ أزمة سوريا قد انتهت، بل هو بداية طريق تكتنفه صعوبات كثيرة، لأنّ ملف الأزمة وتداعياتها لم يعد ملك السلطة والمعارضة بل هناك مصالح دولية وإقليمية، ولكل منها حساباتها الخاصة بها. كما يجدر بالمفاوض المعارض أن يحذر من تحوّل المفاوضات إلى غطاء لاستمرار القتل اليومي الذي تمارسه سلطة الأمر الواقع لتحقيق مكاسب على الأرض واعتبارها وقائع دائمة.
() باحث استشاري في مركز الشرق للبحوث