الرئيسة \  واحة اللقاء  \  "جنيف 2": استراتيجية تفاوض

"جنيف 2": استراتيجية تفاوض

23.10.2013
علي العبدالله


الحياة
الثلاثاء 22/10/2013
يثير التحرك الدولي لعقد مؤتمر سلام حول سورية تحت اسم "جنيف 2" أسئلة حول مدى منطقية الدعوة وجديتها، في ضوء مواقف الأطراف المحلية والإقليمية التي لا تجد في المناخ السائد فرصة لعقده، ناهيك عن نجاحه في بلوغ اهدافه المعلنة: تشكيل هيئة حاكمة بصلاحيات كاملة تمهيداً للدخول في مرحلة انتقالية تقود الى نظام ديموقراطي تعددي يلبي تطلعات الشعب السوري.
ومع ذلك، فإن من الحصافة السياسية ان تكون المعارضة جاهزة لملاقاة هذا الاحتمال، مهما كانت نسبة عقده ضئيلة وكان موقفها منه، والتعاطي مع مقتضياته بجدية عبر تحضير الملفات ودرسها ووضع خطط وتصورات لتحقيق هدفها من المشاركة فيه (تحقيق هدف الثورة في التغيير الديموقراطي)، واختيار مرشحين لتمثيل المعارضة فيه، ووضع خطة تفاوضية والتدرب عليها، وأن تكون استعداداتها كاملة حتى لا تؤخذ على حين غرة وتشارك، وهي غير مستعدة بشكل جيد، فتفشل في أداء المهمة وتعود بحصاد هزيل او بعبارة ادق تعود مهزومة.
وأولى القضايا التي يجب دراستها، وتكوين صورة دقيقة وواضحة عنها، خريطة القوى المحلية والإقليمية والدولية ومواقفها وأدوارها ومدى انخراطها في الصراع وعمقه، ومدى تلبية "جنيف2 " لمصالحها، ومدى التزامها بإنجاحه، ودراسة موقف الدول الصديقة والمدى الذي يمكن المراهنة عليها في دعم المعارضة في مطالبها، وإمكانية نجاح المؤتمر، ووضع تقدير موقف حول المؤتمر في ضوء توازن القوى.
ان وضع خريطة دقيقة ومحددة لقوى النظام وحلفائه، ولقوى الثورة وحلفائها، ولمواقفها من وثيقة "جنيف1 "، بالإضافة الى موقف المجتمع الدولي من الصراع والمؤتمر، ستمنح المعارضة القدرة على تقدير امكانية عقد المؤتمر من عدمه وفرص نجاحه وما يمكن ان تحققه من اهداف الثورة من خلاله، وأخذ القرار المناسب بالمشاركة او عدمها ووضع تصور لإخراج هذا الموقف بحيث تكون عند حسن ظن الثوار بها ومن دون ان تصطدم مع المجتمع الدولي ولا مع الدول الصديقة.
وفي حال كان القرار بالمشاركة، إن نتيجة للدراسة او تحت الضغط الدولي، فإن الخطوة التالية ستكون وضع خطة تفاوضية من مستويين، مستوى التحضير للمؤتمر، ومستوى عقد المؤتمر ونتائجه المحتملة.
في المستوى الاول، لا بد من بيئة مواتية لعقد المؤتمر ولنجاحه، وهذا يستدعي الاتفاق على مرجعية محدد للمؤتمر. فالحديث المطلق حول وثيقة "جنيف1" غير كاف لضبط عملية التفاوض. صحيح ان ثمة توافقاً على ان البحث سيتناول تشكيل هيئة حاكمة من النظام والمعارضة، لكن الصحيح ايضاً ان ثمة قراءتين لهذا البند من وثيقة "جنيف1" حيث يقول النظام وحلفاؤه ان ذلك لا يشمل الصلاحيات العسكرية والأمنية والبنك المركزي، في حين تقول المعارضة وحلفاؤها انه يشمل كل الصلاحيات بما فيها الجيش والأمن والبنك المركزي.
لذا يجب العمل من اجل الاتفاق على قراءة موحدة لهذا البند تنسجم مع قراءة المعارضة له، وإصدار الاتفاق في قرار من مجلس الأمن الدولي يجعله ملزماً بحيث ننهي احتمال توظيف الاختلاف على قراءته في افشال المؤتمر او دفعه خارج هدفه الرئيس: هيئة حاكمة كاملة الصلاحيات، واعتبار هذه القراءة معياراً للمشاركة فيه. وهذا اذا حصل سيسمح للمعارضة بالدخول في مرحلة ثانية من مستدعيات توفير بيئة مناسبة بالمطالبة بتنفيذ بنود خطة السيد كوفي انان الستة: وقف اطلاق النار، سحب الجيش، الإفراج عن المعتقلين، السماح بالتظاهر السلمي، السماح للإعلام بالدخول لتغطية الأحداث، السماح بدخول المساعدات الإنسانية، كمدخل لتبريد الأجواء وتهدئه التوترات ووضع الساحة السورية على عتبة الدخول في أجواء توافق وطني.
اذا استطاعت المعارضة ان تحقق مطلبها هذا في الاتفاق على قراءة موحدة وملزمة لوثيقة "جنيف1" تكون قد حصّنت موقفها التفاوضي قبل ان تدخل قاعة المؤتمر، ويصبح الطريق لتحديد الدول التي ستشارك فيه سالكة وضمان الا تشارك دول تسعى للعرقلة او لإخراج المؤتمر عن هدفه الرئيس: نقل السلطة الى هيئة حاكمة كاملة الصلاحيات، كما سيمنحها تنفيذ البنود الستة فرصة كشف واقع النظام وافتقاره الى الشرعية الشعبية عبر النزول الى الشوارع واحتلال الساحات في المدن والبلدات والقرى.
في المستوى الثاني، مستوى عقد المؤتمر، لا بد من الاتفاق على تشكيلة وفد النظام، والحرص على استبعاد القتلة والمجرمين الذين سفكوا الدم السوري ودمروا المدن والبلدات والقرى، والدول التي ستحضر وفق معيار الموافقة على القراءة الموحدة المذكور اعلاه، ووضع جدول زمني يحدد الفترة الزمنية التي سيستغرقها المؤتمر، وتحديد الجلسات التي يجب عقدها للوصول الى هدف المؤتمر: تشكيل هيئة حاكمة كاملة الصلاحيات، والجلسات التي ستبحث برنامج المرحلة الانتقالية التي ستبدأ من اليوم الاول لتسلم الهيئة الحاكمة لصلاحياتها الى وضع دستور جديد وإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية مروراً بإعادة هيكلة الجيش والأمن وحفظ مؤسسات الدولة ومنع الفوضى وضبط الامن في عموم البلاد وإعادة النازحين واللاجئين ومباشرة اعادة الإعمار.
ان انجاز التحضيرات والجاهزية الشاملة دليل اضافي على جدية المعارضة وأهليتها لتمثيل الثورة والمشاركة في صوغ مستقبل سورية السياسي والاقتصادي والاجتماعي. وهذا يستدعي عملاً جاداً ودؤوباً يبدأ بحوار داخلي بين مكونات المعارضة وبينها وبين قوى وفعاليات الثورة والتواصل الفعال مع المجتمع السوري عبر قواه السياسية ومنظمات المجتمع المدني والفعاليات الاجتماعية لتوحيد الرؤية والموقف إزاء المؤتمر العتيد، والاتفاق على تشكيل وفد موحد من قوى المعارضة والثورة. كما يستدعي تحركاً واسعاً مع الدول الشقيقة والصديقة ومع المنظمات الاقليمية (جامعة الدول العربية، منظمة التعاون الإسلامي، مجموعة عدم الانحياز، الاتحاد الافريقي) والدولية (الامم المتحدة بمؤسساتها السياسية والحقوقية والقانونية) ومنظمات المجتمع المدني في العالم (الاحزاب والنقابات والمنظمات الحقوقية والإنسانية) للتذكير بحقيقة ما يجري في سورية: ثورة شعبية ضد نظام استبدادي وفاسد، وشرح موقف المعارضة من المؤتمر والمخرج المناسب لتلبية تطلعات الشعب السوري في الحرية والكرامة.
يستحق الشعب السوري بعد هذه التضحيات الكبيرة والصبر على القتل والتدمير والنزوح واللجوء، والمعاناة القاسية التي كابدها لعقود ان يصل الى بر الامان بتحقيق اهداف ثورته في اقامة نظام ديموقراطي تعددي يساوي بين المواطنين في الحقوق والواجبات اساسه المواطنة وسيادة القانون وعدم التمييز بين المواطنين لأي اعتبار ديني او مذهبي او عرقي او جنسي او مناطقي. سورية الجديدة هذه تعويض عادل للثمن الباهظ الذي دفعه السوريون.